كانت اليابان ولاتزال تمثل بالنسبة لنا نحن المصريين عالما غامضا، بالرغم من أنها مفتوحة أمامنا، لم نغادر حالة الانبهار بتجربتها فى التعليم والتكنولوجيا والنظام، يضاف إليها قدرة اليابانيين على الاحتفاظ بتقاليدهم بالرغم من كونهم ضمن النظام الرأسمالى العالمى، ينافسون.
هناك على مواقع التواصل موضوعات ومواقع تحمل اسم «كوكب اليابان» تعرض تجارب اليابانيين التى تبدأ منذ الحضانة، المنازل الذكية.
نقرأ أن كثيرا من مدارس اليابان تخلو من عمال النظافة، لأن التلاميذ والمعلم يفرغون نصف ساعة لنظافة الفصول، وعامل النظافة يحصل على أجر يفوق أجر الوزير، ويوما ما واجهت اليابان نقصا فى الطاقة، فتبنوا حلا جماعيا برفع حرارة التكييف عند 25 درجة مئوية وتخلوا عن الملابس الرسمية فى الشركات والعمل الرسمى، وكان اقتراحا من وزيرة البيئة، وتم توفير الفرق وتعديل العجز فى الطاقة، ونعرف أن عار الفساد ينتهى بالانتحار فى اليابان على طريقة الساموراى.
اليابان خرجت من الحرب العالمية الثانية مهزومة ومحطمة، انتهت الإمبراطورية اليابانية التى كانت تحتل الصين وكوريا، وانضمت للمحور وتلقت أول وآخر قنبلتين نوويتين، فى هيروشيما ونجازاكى، ومات ملايين فى هذه التجربة التى خرجت منها اليابان لتبدأ سياقا آخر، اليابان بلا موارد أو خامات ضخمة، ومع ذلك خلال ثلاثين عاما بعثت اليابان دولة متقدمة قوية تمتلك العلم والتكنولوجيا فى عالم الإلكترونيات، وأصبح المنتج اليابانى علامة ثقة. السر فى التعليم.. وربما لهذا يبدو اتفاق الشراكة بين مصر واليابان فى التعليم أحد أهم اتفاقات مصر خلال الشهور الماضية، وعمومًا لدى دول آسيا: الصين، وكوريا، وماليزيا، تجارب متنوعة فى التقدم والمنافسة.
اليابانيون وعدوا بتطوير التعليم خلال خمس سنوات، وتلقى بعثات 2500 سنويا لنقل التجربة، لاحظ أن الولايات المتحدة عندما اكتشفت فى الثمانينيات تراجع مستويات التعليم وصدر تقرير «أمة فى خطر»، اتجهت أنظارهم لليابان.
علينا أن نعلم أن النقل المباشر للتجارب لا يكون فاعلا، مثلما تجرى عمليات خلط ونقل بناء على التركيبة السكانية والثقافية، لكن أهم ما نعرفه ويجب أن نركز فيه، أنه لا يمكننا التقدم أو الانتقال إلى أى خانة أخرى، من دون التعليم، لأنه يتعلق ببناء القوة البشرية، أما الموارد والخامات والثروات فكلها ممكنة التعويض، مع الأخذ فى الاعتبار أن التعليم معه التربية وبناء النسق الأخلاقى والتربوى، مع فرض تكافؤ الفرص وإنهاء الواسطة والمحسوبية والتراكمات غير المرغوبة للفساد والتفسخ الأخلاقى، لأننا ننقل تجارب تنبض بالحياة وترتبط بتاريخ وحياة أصحابها، لكنها تجربة تستحق أن ندخلها لمستقبلنا، مع تأكيد أن المعجزة اليابانية وأى معجزة للتقدم تبدأ وتنتهى بالبشر.