«الطبخة» الدولية لسوريا تريد لهذا البلد أن ينتهى كدولة يكاد الكل يجتمع على أن سوريا لن تعود كما كانت، غير أن الخوف من أن تكون «سوريا الجديدة» ليست بكلمة الشعب السورى، وإنما بطبخة دولية يتم التجهيز لتنفيذها، ومسألة وقف إطلاق النار حاليا مدخل لها، والمفارقة هنا أننا أمام «طبخة» ليس لها علاقة بالديمقراطية وبحقوق الإنسان، وليس لها علاقة بنهضة يطمح السوريون إليها كشعب يليق بها ويستحق كل نهضة وتقدم.
فى الأيام الماضية استمعنا إلى وجود خطة بديلة فى حال فشل تطبيق وقف إطلاق النار والتسوية السياسية التى ستتلوها، وسميت من أطراف دولية بـ«الخطة ب»، وقوبل هذا الكلام برفض سورى رسمى دون أن يعرف أحد ماذا تعنى هذه الخطة؟
هل هى تدخل برى كما تم الترويج لها من قبل؟
أم أنها خطة تقسيم تتماشى مع قول لوزير الخارجية الأمريكى عن احتمال تلاشى إمكانية بقاء سوريا كدولة موحدة. وإذا كان الغموض يحيط ب«الخطة ب»، فإننا أمام قول أكثر وضوحا لمسؤول روسى كبير فتح باب الجدل والتكهنات فى هذا الأمر.
تحدث سيرغى ربابكوف نائب وزير الخارجية الروسى عن «الجمهورية الفيدرالية» كخيار مطروح فى سوريا، وبالرغم من أنه لا يوجد كلام رسمى روسى يؤكد هذا الطرح، فإنه لا يمكن تجاهل أن هذا الرأى يقوله مسؤول روسى كبير بدرجة «نائب وزير الخارجية»، وجرت العادة فى مثل هذه الحالات الحساسة أن يقول المسؤول رأيه مؤكدا أنه «رأى شخصى»، غير أن الحقيقة تكمن فى أنه يعبر عن تصورات جاهزة، وطرحها المبكر يكون لجس نبض أطراف معينة، وربما لتهيئة المسرح لما هو قادم.
وفى كل الأحوال نحن أمام تصور يقترب بطريقة كبيرة من التصورات التى قيلت من قبل حول تقسيم سوريا إلى كيانات، حتى لو أن الفيدرالية التى يتحدث عنها المسؤول الروسى يقصد بها التقسيم على أسس إدارى وليس على أسس طائفية، بما يعنى عدم إعادة رسم الجغرافيا السورية على أسس وجود كل طائفة فى مكان معين.
المأساة التى ستسفر عن «الفيدرالية» أننا سنكون أما بلد سيكون نموذجه أسوأ من نموذج العراق الذى تحول بعد الاحتلال الأمريكى إلى بلد مزقته الطائفية والمذهبية، وسقط مئات الآلاف فى سياق إعادة رسم هندسته وفقا لأرض يقيم عليها الشيعة، وأرض يقيم عليها السنة، وأرض يقيم عليها الأكراد، وهكذا لم يعد العراق عراقا، وعليه فإن سوريا التى عرفناها وتعودنا عليها يخطط الأقطاب الدوليون وبمساعدة إقليمية أن لا نراها كما كنا نراها.
المؤكد أن الطبخة الدولية لسوريا تريد لهذا البلد أن ينتهى كدولة مؤثرة فى المنطقة، ليس بإنهاكه وإضعافه وإنما بتقسيمه، وكان دخول الإرهابيين الأجانب هو أداة لتهيئة الأرض تماما لتنفيذ هذا المخطط.
طرح المسؤول الروسى بالطبع لا بد له من توافقات إقليمية، أى أنه لابد من موافقة تركيا وإيران والسعودية عليه، وبالطبع ستكون لإسرائيل كلمتها السرية الحاسمة فى ذلك، فاللعبة لعبتها، ومصلحتها تبقى فى أن تنتهى الأزمة بالدرجة التى تجعلها هى الطرف المهيمن على المنطقة، ويتحقق لها ذلك بسوريا الممزقة.
تبقى كلمة الشعب السورى فى هذا المخطط الجهنمى، صحيح أن اللعبة الدولية والإقليمية أوصلت الكل إلى حالة الإنهاك، حتى يكون الأمل فى إنهاء الحرب حتى لو كان تكريس التقسيم هو الثمن، غير أنه إرادة الشعوب هى التى تعلو كل الإرادات، والشعب السورى يستطيع هزيمة المخططات الدولية التى تريد تقسيم أراضيه.