نحتفل يوم 21 مارس من كل عام بعيد الأم وهو أمر طبيعى وأبسط ما يقدم من تقدير لأمهات مصر بل ولأمهات الإنسانية جمعاء لما قدمت الأم على مدار التاريخ من عطاء وتضحيات لا ينكرها أحد أسهمت فى تقدم البشرية ورقى الشعوب، وبهذه المناسبة تذكرت أفكار فلسفة بعض الكتاب الكبار من جيل العمالقة أمثال "الأستاذ العقاد" حول دور المرأة والرجل تكوين العائلة المصرية والأجيال القادمة.
وحيث إن هذا المنطق فى التفكير، والذى أجهض دور المرأة فى المجتمع لعقود طويلة، قد أسس لدى الكثيرين من الكتاب مدرسة ونهج مشى عليه هؤلاء المفكرون إلى زمن قريب حتى أصبح جزء من ثقافتنا عند معظم رجال المجتمع الشرقى بأثره .
وأصبح الخروج عنه شذوذ فكرى، كيف وأن كبار كتاب الأدب والفلسفة فى الشرق الأوسط حذوا هذا الحذو، فكيف يمكن أن يعارضهم أو يختلف معهم أحد من مفكرى هذا الجيل حدثى العهد بالتراث العربى الأصيل.
ولكنى اليوم أرمى بسهامى لأخالفهم الرأى بمناسبة عيد الأم، وأعلن اعتراضى على كثير من هذه الأفكار الفلسفية التى لا أرى مكان لها فى المعصرة" حول دور المرأة والرجل فى تكوين العائلة "ذلك قليل من الفروق الكثيرة بين أخلاق طرفى العائلة (عند هؤلاء الكتاب العظام) فى مصر والوطن العربى.
فإذا قدر على الشاب المتعلم أن يتزوج مثلا بغير المتعلمة نسبيا (أى عدم تناسب المستوى الذى تتلاقى عنده عقولهما فكريا وثقافيا)، والعكس بالعكس، كانت تلك الفروق أظهر أثراً فى تنكيد العيش العائلى إلى ما شاء الله لأن التعليم المتقارب يوجد بين المتعلمين شبهاً عظيماً، خصوصاً إذا كانت طريقة التعليم واحدة.
وعلى ذلك لا يمكننا أن نحصل على السعادة العائلية التى هى قاعدة جميع السعادات الأخرى .
فإما أن نرضى بتردد الشبان فى الزواج وكرههم لهن وهذا خطر بات واضحاً على أى أمة خطر من حيث الدين، ومن حيث كمية الرقى الأدبى ينقله الوالد المتعلم لولده بحكم الوراثة.
وإنه لا سبيل لملاقاة هذا الخطر إلا بإكثار عدد المتعلمات من البنات على كل المستوياتن وتقريب معلوماتهن العامة من معلومات البنين بقدر المستطاع (انظر إلى مصر كاملة لا إلى العواصم والمدن الكبرى). فإن التى لا تعرف إلا القراءة والكتابة لا تعلم شيئا، بل التى لا تعرف اليوم الحاسب الآلى واللغات الأجنبية، لا تعرف شيئاً أيضاًن بل لا بد لتكوين ملكة الفهم والاطلاع وتقوية الاستعداد لقبول الآداب العالية ومبادئ الأخلاق، من العلوم الحديثة المختلفة، ( فكيف يكون الابن أكثر علماً فى الصغر من أمه).
كانت مدارس الراهبات فى مصر فى الماضى يعلمن من ذلك شيئاً قليلاً، ولكنى لا أستطيع أن أنصح للفتيات المصريات بأن يمضين سنين تعلمهن كلها عند الراهبات، لأنهن بعد ذلك يدمن الدراسة ثم لا يكون بينهن وبين أخواتهن المصريات من الشبه الشىء الكثير.
لابد للفتاة المصرية المتعلمة من أن تكون فى تربيتها ذات طرفين طرف متمدن مصفى بمصفاة التمدن الحديث تتفق به مع المعاصرة وزوجها الشاب المتعلم تعليم راقى، وطرف آخر يدخل فى تركيبه مقدار كثير من عادات وتقاليد السيدات المصريات الفضليات، تتفق به مع أمها وحماتها، فخير للفتاة المصرية أن تتعلمن أو يتم تعليمها فى المدرسة والجامعة عند الإمكان مثلها مثل الشباب المصرى تماماً ولذلك كان التعليم المجانى حق دستورى لكل مواطن راغب فى التعلم، ولم يفرق بين رجل وامرأة.
نقول تتم الفتاة تعليمها ولا نعرف إذا كان أباء الفتيات يرضون (فى مجتمعنا) بتركهن فى المدرسة إذا تجاوزن الرابعة عشرة من عمرهن فى الريف وللأسف فى بعض المدن أيضا، حتى يدخلن القسم الثانوى من المدرسة ثم الجامعة أو المعاهد العليا أو حتى الدبلومات المتخصصة، إذا ما أراد الله فتتربى عقولهن تربية تضمن لهن إرضاء مطامعهن ومطامع أزواجهن ومستقبل الأمة، أو أن يغار عليهن غيرة ليس لها سبب جدى فيقطعون عليهن طريقة سعادتهن ويكتفون منهن بالمعلومات الابتدائية التى ليس لها فى ملكات الفتاة سوى أثر محدود جداً إذا نفعها اليوم فى أن تتزوج من شاب متعلم تعليم عال ومهذب الخلق فإنه لن ينفعها غداً حين يوجد لها مثيلات تعلمن درجة أرقى من درجات سلم التعليم فصرن بذلك أحق منها بسعادة الزواج من رجل كفء ذى عقل كبير وفضائل ومركز سامٍ بين الناس.
خلوا بين البنات وبين سعادتهن ولا تضيقوا عليهن متسع الحياة ولا تكسروا بأيديكم مستقبلهن ولا تعبثوا بسعادتهن إتباعاً لهوى الغيرة وخوفاً مما لا خوف منه عليهن فإن المرأة المتعلمة أنفع للأمة من الرجل المتعلم أضعافاً بمقدار عدد ما ترزق به من الأولاد.
وتذكروا أن تعداد السكان الأخير دل على أن عدد الإناث فى مصر يفوق عدد الرجال فالمرأة اليوم أكثر من نصف المجتمع ونحن لا نريد لمصر أن يعطل أكثر من نصف طاقتها البشرية عن الإنتاج والتنمية والتقدم لصالح هذا الوطن. علموا بناتكم يصلح الله من أمركم.
حتى يصبح عيد الأم عيدين، عيد للأم وعيد للعلم معا ففى تعليم الأم رقى للأمة.
وكل عام وأمهات مصر بخير