الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024 02:29 م
سامح جويدة

سامح جويدة

لماذا لم ترد الدولة على محمد العريان؟

3/21/2016 9:29:29 AM
«عدم وجود نظام مشكلة مصر الأساسية».. عبارة قاسية للدكتور محمد العريان صفع بها الجميع قبل أن يغادر مصر، ويعود إلى من يفهمون قيمته.

ومضى قرابة الشهر على كلمته الصادمة، ولم نسمع من يناقشها أو يحللها أو حتى يرفضها، فهى باختصار لم تعجب أحدًا من رجال الدولة، لا الاقتصاديين ولا السياسيين، فدخلت من الأذن الشمال وخرجت من اليمين، فالرجل لم يعطهم الأمل، ويغنى على هواهم «مصر اليوم فى عيد»، ولا رمى أسباب فشلنا الاقتصادى على المؤامرة والفخ و«جيمس بوند» والساحرة الشريرة، ولا سب ولعن فى المتربصين وأعداء الوطن، ولا قال إن الحل فى الصبر الطويل، أو لم التبرعات من المواطنين.
الرجل رماها كالطوبة فى وجه الجميع «عدم وجود نظام مشكلة مصر الأساسية»، رماها شاملة جامعة مهينة قاطعة دون أن يخصها لفاعل.. المحروسة ماشية بالبركة، ومحتاجة نظام عشان تزيد البركة.. فهل يقصد النظام السياسى أم الاقتصادى أم الاجتماعى أم العقلى لمؤاخذة؟، فلقد اعتدنا على مظاهر مجنونة فى كل مكان، فأصبح من الطبيعى أن تشاهد حلقات من المصارعة الحرة و«باتمان» والرجل العقرب فى قمة مجلس النواب، وصار من المعتاد أن تسمع خزعبلات من رجال الدولة فى التنبؤ بالمستقبل بدلًا من بحث مصائب الحاضر.

ويعيش الكثيرون منا حياة النسانيس، فلا مبادئ ولا أخلاق، حتى أصبح التحرش بالنساء سلوكًا طبيعيًا، وأصبحت أساليب الغابة هى الأصل فى علاقات الناس، فهل نحن مجتمع فقد نظامه العقلى من فوق لتحت؟، وهل هناك حل لحالة «النسنسة» التى يعيشها الناس فى الشوارع، أو حالة «التوهان فى المستقبل» التى يعيشها المسؤولون فى المكاتب؟
ليست الصعوبة فى حل المشكلة، بل فى أن تراها، وكلنا ندرك مشكلة النظام فى مصر منذ فترة طويلة، لكننا نخجل من الاعتراف، ونتكاسل عن المواجهة، فنحن حتى تلك اللحظة لم نحدد معالم للنظام السياسى، تسمع خطبًا وأغانى عن الحريات والديمقراطية والتكافؤ الاجتماعى، ثم تشاهد ائتلاف دعم مصر يفرض سيطرته على مجلس النواب، وترى المسؤولين يعاملون تيارات المعارضة الشرعية على أنهم متآمرون متواطئون من نسل الإرهابيين، وتسمع عن العدالة الاجتماعية، والتكافؤ فى الفرص، ولا ترى إلا أن أصحاب الثروات والسلطة يتضخمون، وجموع الشعب يسحلون فى التضخم والبطالة والغلاء، فهل يمكن أن نرسم ملامح لهذا الوطن، ونتفق عليها، أم سنعيش للأبد «من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله»؟.

أما بالنسبة للنظام الاقتصادى فيكفى أننا حتى الآن فشلنا فى وضع قوانين لخدمة الاستثمار، وفقدنا فى عدة أعوام نصف قيمة الجنيه المصرى، ومازال الوضع حرجًا، والجنيه «اللحلوح» فى غيبوبة، والأطباء يتناوبون عليه ويتبادلون الفشل، ويصرون على نفس طريقة العلاج التى اخترعها الشحاتون من مليون سنة.. نحن جميعًا نتبادل الفشل، لأننا نتحرك بلا نظام، سواء كدولة أو كمجتمع أو كأفراد.

عشرات الأمثلة والقضايا والمصائب التى تقابل هذا المجتمع، وهذه الدولة بسبب «الفوضاوية» التى اعتدنا عليها فى إدارة جميع شؤوننا، حتى انحصرت كل الأفعال فى حيز رد الفعل، فنحن نواجه المشاكل كل يوم، حتى أننا فقدنا الأمل فى أن نأخذ فرصة صغيرة لحل لهذه المشاكل قبل انفجارها، لكن وضع نظام بعد هذه العشوائية يحتاج إلى جهود مبتكرة، وعقول مختلفة، لذلك أتعجب كيف تركوا الدكتور محمد العريان وأمثاله فى مختلف المجالات يتكلمون فى الإعلام، ولا يرد عليهم أحد.

هل من المنطقى أن تطلب توجيهات للعلاج وألا تلتزم بها؟، وأن يكون الموضوع كله «راحة ضمير وشراء للدماغ»، ألا يجب أن نحترم هذه العقول، وأن نحترم أنفسنا قليلًا، ونمتلك الإرادة الحقيقية للتغيير والتطوير والبناء؟..

كم عامًا أم عقدًا يلزمنا لنعيش فى هذه «التناحة»؟، وإلى متى نفيق على الكوارث ثم نغيب فى المسكنات.. الدولة تحتاج إلى نظام فى كل نظام، وللأسف كل من فيها نيام.

الأكثر قراءة



print