العواصف السياسية بدأت تسيطر على سماء مصر، وللأسف استطاعت أن تحطم كل توقعات خبراء الطقس السياسى، وأن قوتها، وما تحمله من رعد وبرق وأتربة وسيول، فاق عقل الخبراء والمتخصصين، بل وأكثر الناس تشاؤما أيضا.
العواصف السياسية، كانت سريعة وشديدة القسوة، فى التدمير، وقلب الأمور رأسا على عقب، وتبقى عدة عوامل رئيسية تقف بكل قوة وراء شيطنة ما يحدث فى الشارع السياسى الآن، ولو دفعت جماعة الإخوان الإرهابية مال قارون لتحقق ما يحدث حاليا، ما نجحت فى ذلك. تعالوا نؤكد حقيقة مهمة، أن أى مرشح فى سباق أى نوع من الاستحقاقات الانتخابية بداية من المقعد البرلمانى، وحتى مقعد الرئاسة، لابد له أن يواجه 3 فئات من الناخبين.
الأولى، الفئة المؤيدة والمساندة، والثانية، الفئة الحائرة، والثالثة، الفئة شديدة الخصومة للمرشح. يبدأ المرشح فى المحافظة على الكتلة المؤيدة والداعمة، فى إطارها القانونى، واعتبارها السند والدعم الحقيقى له، ثم يبذل جهدا كبيرا، فى الكتلة الحائرة، لإقناع أكبر عدد منها، سواء بكاريزميته الخاصة، أو برنامجه الانتخابى، أو حتى بالوعود بحل مشاكلهم، والنجاح الحقيقى، للمرشح أن يحصل على أكبر قدر من أصوات هذه الفئة.
أما الفئة الثالثة، شديدة الخصومة، فإن الدراسات كلها، والتجارب السياسية، والانتخابية، تؤكد بوضوح ودون مواربة، أن على المرشح أن يعطى ظهره لهذه الفئة، لأنه مهما صنع معها، وقدم من وعود يسيل لها اللعاب، لن تمنحه أصواتها، ولن ترضى عنه بعد نجاحه.
وعندما يفوز المرشح، خاصة المرشح على مقعد الرئاسة، يتعامل مع الفئات جميعا وفقا للقانون والدستور، ويبدأ فى تنمية شعبيته، ولا يخطب ود معارضيه من الفئة الثالثة شديدة الخصومة السياسية، ولكن يتعامل معهم على أنهم مواطنون لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات مثلهم مثل باقى الفئات الأخرى، وتحديدا المؤيدة.
وتأسيسا على هذا التوصيف، وبإسقاطها على تجربة الرئيس السيسى، تكتشف أمرا مغايرا تماما عن العلوم والواقع السياسى، وعكس تجارب الدول المتقدمة والراسخة ديمقراطيا، فالرجل بدأ بخطب ود ألد خصومه، وأبرز العناصر المتأرجحة، والمتلونة والمتقلبة سياسيا، تقلب شهر أمشير، وأعطى ظهره تماما للكتلة المؤيدة، واتخذ من القرارات التى ترضى الكتل شديدة الخصومة، وأشعلت غضب الكتلة المؤيدة.
ومع مرور الوقت، كان هذا النهج لنظام السيسى نتائج سلبية للغاية، أدى إلى استفحال خطر خصومه وتقوية شوكتهم، لأن مرحلة جس النبض، وجلوسهم معه، استطاعوا أن يتوصلوا لنقاط، منها «من أين تؤكل الكتف»، ونفدوا منها بكل قوة، كما أن النماذج التى تم اختيارها من الكتلة المتأرجحة، كان معلوما عنها تلونها وتقلبها، بالضرورة، فانقلبت عليه، وبدأت حملة التشويه ضده، تحت شعار، أنا اخترت السيسى ونادم، أما النتيجة الثالثة الخطيرة، فهى صدمة الكتلة المؤيدة تأييدا مطلقا، ونظرًا لممارسات التنصل المستمرة، بدأت تتآكل وبقوة.
الكتلة المؤيدة والداعمة، والغالبة، والمؤثرة، وبطلة مشهد 30 يونيو، مصابة بصدمة بالغة، ومعظمها يرى أنها تدفع ثمن مساندة النظام، لصالح الوطن، لا تبحث عن مصلحة أو الحصول على غنيمة، كل ما تبحث عنه فقط، أمن وأمان واستقرار هذا الوطن.
النتيجة الأخطر، أن كتلة 30 يونيو، بدأت تتآكل، وتنقلب على بعضها البعض، من خلال ممارسات عدد قليل للغاية من المحسوبين على 30 يونيو الذين تصدروا المشهد، وشيطنوه، ودشنوا للشتائم، والفظاظة، والغلظة، والتفتيش عن الفضائح، ووصل الأمر إلى التهديد والوعيد، فى إيحاء أنهم الدولة، وفوق القانون والمحاسبة، ولم يحاسبهم أحد، واستمروا قرابة ثلاث سنوات، فى تبنى هذا الخطاب الفظ والخشن، ما أثار غضب الجميع، وعندما تدخلت الدولة بالمحاسبة، كان متأخرا للغاية.
أيضا، الاختيارات لتولى مواقع المسؤولية، كانت بعيدة تماما عن طموح المؤيدون قبل المعارضين، وللأسف، أن معظم هذه الاختيارات ورطت النظام فى مشاكل، ووضعت أمام مسيرته كثيرا من المطبات الصناعية، وعملت على شيطنة الأمور فى الشارع، وأول مراحل الخطر الحقيقى، شيطنة الشارع.
أيضا أعطى النظام السياسى، قوة وشرعية كبيرة لمواقع التواصل الاجتماعى، الفيس بوك وتويتر، من خلال، منحه جوائز الانتصار فى كل الأزمات التى أثارها، فتحول الفأر إلى وحش كاسر، وهنا الخطر الحقيقى الذى نسجه النظام من الوهم، وجعل منه سجادة حمراء لونها «فاقع»، وطولها «فارع».