لم يكن عصام سعيد جمعة معد برنامج «ثوار لآخر مدى» على قناة القاهرة نجما ذائع الصيت، تتلهف وسائل الإعلام أخباره قبل قرار عصام الأمير رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون بإلغاء البرنامج، وتحويل طاقمه إلى النيابة الإدارية.
لم يكن عصام نجما لأنه ممن يسبحون ضد التيار منذ أن التحق بالعمل فى التليفزيون فى ثمانينات القرن الماضى, بعد تخرجه فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وأمثاله لا تعنيهم النجومية بقدر ما تعنيهم يقظة الضمير.
عرفته فى الجامعة وتصادقنا، وبعد التحاقه بالعمل فى التليفزيون ظل على مبادئه لا يحيد عنها، لا يهمه أن تكتب صحيفة خبرا عن برنامج يعده، وإنما المهم هو مواجهة فساد يتسلل فى المكان الذى يصمم أن يأكل منه بالحلال، وحدث ذلك منه أيام أن كان هذا المبنى فى عهدة صفوت الشريف باعتباره وزيرا للإعلام، وأعلم كم كان لعصام صولات وجولات فى مقاومة الفساد، منذ أن كانت قناة القاهرة هى القناة الثالثة، وأعلم أنه كان يقظا فى ضبط فريق عمله فى أى برنامج له ضد محاولات إفساده، وكان لمحاولات إفساد الإعلاميين فى التليفزيون أشكال مختلفة ومعروفة وقتئذ، ولو قدر لعصام أن يسير مع هذا النهج لأصبح له شأن آخر يتماشى مع الذين صعدوا فى غفلة من الزمن وأصبحوا نجوما.
ها نحن الآن نستقبل أخبارا عن عصام سعيد جمعة، ولكن من خلال برنامجه «ثوار لآخر مدى»، وهو البرنامج الذى تولد من رحم ثورة 25 يناير، وبقى بعنوانه فى وقت هجرة البعض من أى شىء يمت بصلة لهذه الثورة، واستضافنى البرنامج مرتين قبل 30 يونيو، وكان وزير الإعلام وقتها صلاح عبدالمقصود، أى كان مبنى الإذاعة والتليفزيون تحت قيادة الإخوان، ومع ذلك كان انتقادى عنيفا لمحمد مرسى وحكم الإخوان، وفعل ضيوف آخرون مثلى، وكان البرنامج ومعده وفريقه المحترم وعلى رأسه المذيعة هبة عز العرب، متسقا مع ذاته برؤيته أن حكم الإخوان يسير عكس الأهداف التى قامت ثورة 25 يناير من أجلها، وبعد ثورة 30 يونيو انفتحت ماسورة الهجوم على ثورة 25 يناير، واصطف الفريق الذى يصفها بـ«المؤامرة»، غير أن البرنامج بقى على عهده معبرا عن ثورتين «25 يناير» و«30 يونيو».
قبل أيام من إقالته قرر عصام الأمير رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون وقف البرنامج، بعد حلقة استضافت مدحت الزاهد القائم بأعمال رئيس حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، وحاوره المذيعة هبة عز العرب، وتناول البرنامج جزيرتى «تيران وصنافير» ودعوات التظاهر يوم 25 إبريل، والمعروف مسبقا أن الضيف يحمل وجهة نظر فى مسألة الجزيرتين تعارض وجهة النظر الرسمية، معبرا فى ذلك عن وجهة نظر حزبه، وبالتالى فإنه حين يحل ضيفا على أى برنامج سيقول وجهة نظره، و«الزاهد» ليس استثناء فى هذه القضية، فهناك من يحمل نفس وجهة نظره فى مسألة «الجزيرتين» وأنا منهم، وفى كل الأحوال ومع وجهات النظر المختلفة فيها، فإنه لا يجب أن يسود بين الجميع إلا لغة الحوار الراقى والمسؤول بين من يمثلون وجهات النظر المختلفة، ومن هنا أفهم أن يقول «الزاهد» رأيه، ويرد عليه آخرون بالرفض، وأفهم أن يكون هناك تنبيه على البرنامج بتمثيل وجهات النظر المختلفة إذا كان معهودا منه تبنى وجهة نظر واحدة.
كان هناك أكثر من طريقة للتعامل مع مثل هذه المواقف بطريقة بناءة، أما وأن يتقرر وقفه بعد هجوم قاده مصطفى بكرى عليه، وعزل رئيس قناة «القاهرة» فهذا يعنى تصدير معانٍ سلبية عن حرية الرأى، وأن هناك ضيق صدر من الآراء المعارضة، مما يعطى فرصة لاستثمار مثل هذا التصرف لمن يريد.