لم تفعل الحكومة شيئا للشباب، فعاقبوها بالمقاطعة، كرد فعل طبيعى للمشاكل والأزمات المتفاقمة، فلم تبدُ فى الأفق ملامح خطة واضحة للتعامل مع البطالة «أم الوجع» ففضل الشباب الجلوس على المقاهى، يفرجون همومهم فى الشيشة والدمينو والطاولة، وأداروا ظهورهم للجان الانتخابية، ورفضوا المشاركة احتجاجا على ضياعهم وغلق أبواب الأمل فى وجوههم، والشاب العاطل لن يصدق الوعود، إلا إذا استلم عملا على أرض الواقع، وتقاضى راتبا، وأصبح قادرا على الإنفاق على نفسه، بدلا من تسول المصروف من أسرته، التى تنتظر هى الأخرى أن يحمل همه ويعول نفسه، وتكون له أسرة وبيت وأولاد، ولن يعود الشباب إلى أحضان الوطن، إلا إذا شعروا أنهم شركاء ويقطفون ثمار التنمية، وليسوا مجرد متفرجين خارج الحياة.
لن يعود الشباب إلا إذا تبنت الحكومة مشروعا قوميا كبيرا، خارج صندوق الأفكار البالية والنظريات العقيمة، يتم تنفيذه فى زمن قياسى، على غرار قناة السويس الجديدة، وتحشد الدولة كل إمكانياتها وإرادتها ليثمر فرص عمل حقيقية ومنتجة، تخفف حدة البطالة، وتفتح من جديد أبواب الأمل، ولا تتركوا الأزمة رهنا لرجال الأعمال وحدهم، منتظرين منهم أن يفتحوا خزائنهم وأبوابهم ويسخروا إمكانياتهم لتشغيل الشباب، فقد أدت هذه السياسات إلى خلق مزيد من البطالة، ولم تكن فى مستوى طموح الشباب، وتحكمت الواسطة والمحسوبية والمصالح فى الاختيار.
لو نجحت الحكومة فى ابتكار مشروعات قومية عملاقة لتشغيل الشباب، ستغير مجرى تاريخ الوطن، بشرط أن تكون مشروعات حقيقية ومنتجة، بعيدا عن دواوينها المكتظة بالموظفين العاطلين، الذين صارا عبئا على المجتمع قبل أن يكونوا عبئا عليها، ولتكن البداية- مثلا- فى استصلاح المليون فدان، بأن تقدم للشباب مزارع نموذجية منتجة، وتساعدهم فى أدوات ومستلزمات الإنتاج، والأهم وجود شركات تسويق عملاقة، تسوّق إنتاجهم، ولا تتركهم فريسة لجشع التجار واحتكارات السماسرة، فالشاب الذى يجد فرصة عمل يحب بلده، ومن يجد فرصة عمل يدافع عنها، أما الذى يجد فرصة عمل وبيتا وله أسرة وأولاد، فلن يبخل بحياته دفاعا عنها، ومن لا يجد شيئا من ذلك، ستكون المقاهى والشوارع موطنه المختار، ويفرج ضياعه فى الشيشة والطاولة والدومينو.