التظاهر لابد أن يكون له هدف وإلا فقد معناه
1 - الخروج للتظاهر مثل إعلان الحرب، لابد أن يكون الخيار الأخير، يسبقه مفاوضات وتهديدات وإجراءات للردع بهدف تحقيق المطالب، فإن تحققت المطالب فخير وبركة، وإلا يتم المضى فى دق طبول الحرب حتى النهاية، حتى كسر قوة الخصم وإجباره على الرضوخ. ومن الضرورى عند الإقدام على التظاهر أو إعلان الحرب أن نضمن أمرين، الأول قدرتنا على الانتصار أى تحقيق الهدف الذى نريد، والثانى منع سقوط السلاح من أيدينا، أى فقدان المظاهرات لأهدافها، وابتذالها حتى تفقد معناها ويفقد الداعون لها القدرة على الحشد.
2 - لابد أن نعترف أن الدولة والأحزاب السياسية والقوى المدنية فاشلة حتى الآن فى إدراك وتوظيف قوة الناس وحضورها فى الشارع، وإن كنا نستثنى نجاح الدولة فى استخدام إجراءات الدعم الغذائى فى إبقاء قوة الناس كامنة والتزامهم الصمت والتجاهل لكل الدعوات التحريضية للنزول والمشاركة فى مظاهرات معارضة تحت شعارات متباينة، كما نستثنى حزب مستقبل وطن، فرغم أنه الأحدث فى قائمة الأحزاب المصرية إلا أنه أظهر قدرة كبيرة على الحشد وتوظيف قوة أعضائه فى الشارع كما شهدنا فى الاحتفالية الفنية الضخمة التى نظمها بميدان عابدين فى ذكرى عيد تحرير سيناء. لا الدولة ولا الأحزاب ولا القوى المدنية إجمالا، تدرك أن من الضرورى الإبقاء على قوة الناس سلاحا فعالا وممكنا، لأن الخطأ الشائع فى الوعى العام الشعبى والرسمى، أن المظاهرات تساوى إسقاط النظام أو العمل فى هذا الاتجاه، بينما رأينا مثلا فى قضية ريجينى كيف استخدمت المعارضة الإيطالية والقوى المدنية قوة الناس للتعبير عن أهدافها وكيف أجبرت الحكومة هناك على تحقيق بعض مطالبها باتخاذ إجراءات ضد مصر، رغم عدم اقتناع الحكومة، وهذا ما أعنيه بتوظيف قوة الناس وفن التظاهر.
3 - لو طبقنا هذا الكلام على قضية مشتعلة مثل قضية المهندس حبيب المصرى، سيتضح كلامى بصورة أكبر، فحتى الآن الدولة تكتفى بالمخاطبات الرسمية وتحريك مؤسساتها مثل البرلمان والخارجية والنيابة العامة لمتابعة القضية، ولم تلتفت بعد إلى القدرة والقوة الشعبية الضاغطة على المصالح البريطانية، كما تلتزم الأحزاب السياسية الصمت وكأن القطة السوداء أكلت ألسنتها ومنعت بياناتها الساخنة من الصدور كعادتها بعبارات الشجب والإدانة، أما القوى المدنية فاختفت تماما من المشهد، إما لتهافتها وضعفها، أو خوفا على مصالحها المادية المباشرة الحالية أو المحتملة!. ولنا أن نطرح الأسئلة البديهية مجددا، هل قضية مثل حرق حبيب المصرى بهذه الطريقة البشعة فى لندن تخص الحكومة وحدها أم تخص عموم المصريين؟ وهل من الطبيعى أن نضع أيدينا على خدودنا وننتظر ماذا ستفعل الخارجية فى القضية، ثم نوجه طاقة غضبنا السلبية للخارجية، أم نبتكر حلولا ووسائل ضغط على الجانب البريطانى حتى نضمن تحقيقا نزيها فى القضية وإعلانا للمجرم ومعاقبته؟ وهل من الصواب التصور دائما أن قطاعات المجتمع من مجتمع مدنى وأحزاب سياسية معارضة ومؤسسات خاصة فاعلة لابد أن تكون بالضرورة فى معسكر مناهض للحكومة، أم أن هناك قضايا تخص الدولة المصرية أكبر من الحكومة وتستلزم التنسيق معها لتحقيق الفائدة للبلد؟
4 - كيف السبيل إلى محو أمية أجهزة الدولة ومعارضيها لتحقيق تطبيع العلاقات بين مختلف أطياف وفئات المجتمع لمصلحة البلد؟ وهل يأتى يوم قريب نرى تنسيقا بين دوائر الحكومة والأحزاب والمنظمات المدنية لإدارة القضايا التى تحتاج إلى تدخل رسمى وشعبى؟