لو اكتفت الداخلية فى المقر الجديد بكونه مبنى فقط دون أن يكون وراءه معنى حقيقى فلا داعى للانتقال اليه، ولتبقى الوزارة فى مقر لاظوغلى طول العمر، فالقضية لم ولن تكون أبدا فى المكاتب الأنيقة والأجهزة الحديثة والتقنيات الجديدة، وإنما الأهم أن يكون المبنى الجديد نفسه بداية لمرحلة مختلفة فى الثقافة الشرطية، وتاريخ افتتاحه حد فاصل بين ما كان وما سيكون من أساليب أمنية فى التعامل مع المواطن.
هذا هو الفارق الذى سيجعل الانتقال إلى القاهرة الجديدة له قيمة ويجعل هذا اليوم محفورا فى التاريخ ولا ينسى، فالوزير وقيادات الداخلية لابد أن يكونوا قد تركوا فى لاظوغلى كل الأثقال القديمة التى لوثت ثوب الشرطة وأساءت إلى رجل الأمن داخليا وخارجيا.
ورغم التفسيرات المختلفة لملاحظة الرئيس السيسى على أسلوب تأمين المبنى الجديد والذى كان يعتمد عل ألف مجند بتكلفة قدرها الرئيس نفسه بنحو احد عشر مليونا فى السنة، لكننى نظرت إلى هذه الملاحظات الرئاسية من زاوية اخرى وأعتبرتها فى حد ذاتها دليل على أن بعض الموروثات الأمنية القديمة لم تبقى فى لاظوغلى وانما سبقت القيادات إلى المقر الجديد لتسكنه وتصبغ عليه لونها، وهو ما لم نكن نتمناه.
ولهذا اتمنى ألا يقصر الوزير ورجاله قراءتهم لتوجيهات الرئيس فى حدود أنها تخصص أسلوب التأمين، وإنما عليهم أن يقرأونها فى إطار أوسع يشمل الثقافة الأمنية القديمة كلها والتى لابد أن تتحرر منها الوزارة وتعتبرها تاريخ يمكن أن يدخل متحف الوزارة، ولتبدأ الداخلية مع هذا الانتقال فى خلق الفكر الجديد الذى يناسب ما فى المبنى من تقنيات وأساليب متقدمة خاصة وأن الرئيس نفسه فى لقائه مع قيادات الوزارة عقب افتتاح المقر الجديد ألمح إلى هذا المعنى وهو يعرب عن تطلعه بأن تساهم المنشآت الجديدة للوزارة فى تعزيز قدرات جهاز الشرطة وتوفير كافة المقومات الحديثة لاضطلاعه بمسئولياته الوطنية فى حفظ أمن وسلامة وحقوق المواطنين وحُسن معاملتهم وتقديم أفضل الخدمات لهم.
هذا ما يجب أن تعمل الداخلية على تحقيقه وهو التجديد الشامل، مبنى ومعنى، ثقافة وقولا وفعلا، فان لم تكن التقنيات الجديدة ستؤدى إلى أداء أكثر رقيا وتحضرا واحتراما فستكون تقنيات فاشلة، وأظن أن الوزير اللواء مجدى عبد الغفار بخبرته يفهم هذه المعادلة جيدا ويدرك أهمية هذا الانتقال والذى سيكون أول من يجنى ثماره ويستفيد منه رجال الشرطة أنفسهم الذين تعرضوا للظلم كثيرا بسبب هذا الميراث والثقافة السيئة التى غلبت على تربيتهم الأمنية، وحان الوقت للتخلص منها وتأكيد انتمائهم للمواطن وانحيازهم لصالح صون كرامته.
يقينا نعلم جميعا ما يبذل من جهود داخل المؤسسة الأمنية لتطوير الأداء وتغيير الثقافة القديمة، لكن للأسف لا زال البعض من المنتمين لهذه المؤسسة يسيئون اليها بتصرفاتهم وتجاوزاتهم، ومع هذا الانتقال نحتاج أن تتسارع وتيرة هذا التحول الذى سيحسب لكل مسئولى الوزارة الحاليين.