لم يجرؤ وزير داخلية فى مصر أن يتخذ قرارا باقتحام قوات الأمن لحرم نقابة الصحفيين منذ نشأتها عام 1941، منذ العهد الملكى، وحتى عهد حسنى مبارك، مرورا بعبدالناصر، والسادات.
طوال 75 عاما لم يفكر رئيس أو ملك أو وزير داخلية أو مسؤول أمنى فى الدخول إلى مقر النقابة، إلا زائرا أو ضيفا، حتى فى ظل الصدام العنيف بين الجماعة الصحفية، والرئيس الراحل أنور السادات، بسبب زيارة القدس، وتوقيع كامب ديفيد، ورفض الصحفيين الزيارة والاتفاقية والتطبيع، ولم يفكر السادات ووزير داخليته وقتها النبوى إسماعيل فى اقتحام النقابة، وخطط فقط لتحويلها إلى نادٍ وفشل أيضا بسبب وحدة الصحفيين وتماسكهم وصلابتهم فى المقاومة السلمية للدفاع عن استقلالهم، وحريتهم، وشرف نقابتهم.
سقط على أبواب نقابة الصحفيين كل من حاول انتهاك حرمتها، أو التعدى على حريتها واستقلالها كقلعة للحريات، وذهب مع التاريخ كل من حاول أو فكر فى الوقوف فى وجه أصحاب القلم، وبقيت نقابة الصحفيين بوحدة أعضائها ودفاعهم عنها قوية وصلبة فى وجه الطغاة الذين لم يدركوا أن نقابة الصحفيين ليست مجرد مبنى ومجلس يعبر فقط عن آلاف قليلة من أعضائها، وإنما هى النقابة الميزان والمؤشر والمقياس لحجم التغيير فى مصر، وطبيعة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتقلبة والمتوترة فى المجتمع.
وعلى مدار سنوات طويلة خاضت النقابة والجماعة الصحفية معارك شرسة ضد قوانين تقييد الحريات، وحرية الرأى والتعبير، وانتصرت فيها رغم جبروت نظام الحكم وسطوة وزراء داخليته.
فقد خاض الصحفيون معركة ضد أعنف وزير داخلية فى مصر وهو زكى بدر، الذى كان يعرف بسلاطة لسانه، وبذاءة ألفاظه، بعد الاعتداء على أحد أعضائها من قبل قوات الأمن فى تغطية أحد أحداث العنف، وأجبرت النقابة «بدر» على الاعتذار علانية للصحفيين.
وربما مازالت وقائع معركة القانون 93 لسنة 95 محفورة فى ذاكرة المجتمع المصرى الذى كان يراقبها بشغف ويشفق على الصحفيين من مواجهة مبارك. وانتصر الصحفيون أيضا فى المعركة ولم يفكر جهازه الأمنى فى اقتحام النقابة، رغم أن أول مرة يرفع فيها شعار يسقط مبارك كان داخل حديقة النقابة فى المبنى القديم.
حتى فى عهد عبدالناصر، لم يفكر الزعيم الراحل فى كسر شوكة النقابة أو إغلاقها أو اقتحامها، عندما جمع نقيب الصحفيين وقتها الراحل العظيم أحمد بهاء الدين أعضاء النقابة، وأعدوا احتجاجا على فرض الرقابة، ومذكرة أخرى لعبدالناصر احتجاجا على تفضيل جريدة على أخرى بالأخبار القومية.
وبعد نكسة يونيو 67 وبدايات عام 68، وفى ظل ثورة الشباب ضد الهزيمة والمطالبة بالحساب، أعد مجلس نقابة الصحفيين برئاسة بهاء الدين بيانا طالب فيه بالإسراع فى الحساب على كل المستويات الكبرى، وإعادة التنظيم السياسى واستكماله، وتوسيع قاعدة الديمقراطية، والإسراع بإصدار القوانين المنظمة للحريات ورفع الرقابة عن الصحف، وانتصرت النقابة فى المعركة. استعراض هذا التاريخ من المعارك التى خاضتها النقابة ضد كل من حاول النيل منها، وانتهاك قدسيتها، وتقييد حرية الرأى والتعبير، والقبض على أعضائها هو جرس إنذار شديد اللهجة، وضوء أحمر صارخ ضد جريمة اقتحام تحدث لأول مرة لمقر نقابة الصحفيين، أعرق النقابات المهنية فى مصر، وقلعة الدفاع عن الحريات، من وزير الداخلية مجدى عبدالغفار، وفى عهد الرئيس السيسى.
ومهما كانت المبررات والتفصيلات فلا يمكن وصف ما حدث إلا بأنه جريمة خطيرة، وانتهاك لكل الأعراف والقوانين التى تؤكد على حرية الرأى والتعبير، وجريمة فى حق الدستور.
ما حدث عار فى جبين وزارة الداخلية، وعدم الإسراع فى اتخاذ قرارات عاجلة سوف يدفع بالأزمة إلى منحنى غاية فى الخطورة، وينذر بشروخ جديدة فى بنيان المجتمع، فى ظروف غاية فى الصعوبة.