لولا أزمة نقابة الصحفيين لأصبح تدشين مشروع الفرافرة صباح الخميس الماضى عيدا مصريا حقيقيا، يشارك فيه كل المصريين باختلاف اتجاهاتهم وانتماءاتهم، ولصدرت الصحف مزينة بحبات القمح الصفراء، تعبيرا عن بداية تحقيق الحلم القومى الذى طال انتظاره منذ الستينيات وحتى الآن، وهو تحقيق مصر الاكتفاء الذاتى من القمح، حتى تمتلك قوتها، وبالتالى قدرتها على اتخاذ قرارها الوطنى المستقل عن أى تبعية أو ضغوط خارجية.
لولا سوء إدارة أزمة النقابة لكان إطلاق باكورة استزراع مليون ونصف المليون فدان من الفرافرة بالوادى الجديد هو المشروع القومى الحقيقى الذى يجب أن يلتف حوله الجميع، ويسعدون ويفرحون به ويغنون له أجمل الأغانى، مثلما غنوا من قبل الأغنية الشهيرة فى يوم الحصاد «القمح الليلة ليلة عيده يارب تبارك وتزيده».
أرى أن المشروع لم ينل الاهتمام والاحتفاء الكافى به وبأهميته الاستراتيجية لمصر والشعب المصرى. وليس هناك عذر لغير القادرين على تسويق المشروع سياسيا وإعلاميا للداخل والخارج. فكان يكفى أن نذكر أن المشروع سيوفر ما يقرب من 2.5 مليون طن قمح تضاف إلى نحو نصف المليون طن بعد الانتهاء من المرحلة الأولى لمشروع تطوير وبناء 400 صومعة لتخزين القمح- حوالى 105 صوامع- بما يعنى أن مصر وفرت حوالى 3 ملايين طن قمح إلى إجمالى الإنتاج المحلى.
وحتى ندرك أهمية المشروع لابد من التذكير ببعض الحقائق، أولها أن مصر من الدول الأكثر استيرادا للقمح فى العالم من روسيا وأميركا وأستراليا وفرنسا وبولندا، بمعدلات وصلت مؤخرا إلى أكثر من 10 ملايين طن، بقيمة ما يقرب من 3 مليارات دولار تتحملها الخزانة العامة للدولة.
ونسبة الاكتفاء الذاتى منه لا تتجاوز %50 عن الحاصلات الاستراتيجية الأخرى. مصر تعانى أيضا من انخفاض فى نسبة الاكتفاء الذاتى فى محصول الذرة، والذى يشكل نحو %80 من مكونات الأعلاف الحيوانية والداجنة، وبفجوة استهلاكية %50، وكذلك بالنسبة لمحاصيل زيوت الطعام كالذرة، والتى تعدت فيها الفجوة الاستهلاكية لأكثر من %95، وبالنسبة لمحصول استراتيجى آخر كالسكر فهناك فجوة ولكنها محتملة، لأن نسبة العجز لا تتجاوز %30.
بالتالى إضافة 3 ملايين طن قمح لإجمالى الإنتاج البالغ 9.5 مليون طن سنويا يقلل من حجم الاستيراد بنسبة تتجاوز %30، ويرفع نسبة الاكتفاء الذاتى، ويوفر العملة الصعبة للسوق المحلى.
ولغة الأرقام لا تكذب، لكن هناك تغافلا عن توظيفها فى الخطاب السياسى للدولة. مصر على عتبة الاكتفاء الذاتى من القمح بالتوسع فى زراعته خلال العام المقبل أيضا، وسرعة القضاء على مشاكل الفلاحين فى عمليات توريد القمح، والتخلص من المشاكل البيروقراطية المزمنة، والتعقيدات الإدارية فى التوريد، وتوفير احتياجات الفلاح للتوسع فى زراعة القمح أو زيادة أنتاجية الفدان، وهو الحاصل فى الفرافرة بإنتاجية 18 إردبا للفدان.
ما جرى فى الفرافرة فى يوم عيد الحصاد كان يستحق الاحتفال به فى جميع محافظات مصر، لكن سامح الله من لا يريد لمصر أن تفرح الفرحة الكاملة، ويسعى لضرب «كرسى فى الكلوب»، بخلق وتصدير الأزمات، ومحاولة شق الصف، وعرقلة مسيرة البناء والتنمية، وتغييب صوت العقل والحكمة فى التعامل مع الأزمات الطارئة على المجتمع.
الناس تريد أن تفرح وتزهو بلون عيدان القمح الصفراء، التى تتمايل رقصا وطربا مع نسمات الصباح فى الأرض البكر فى محافظة المستقبل، لأنها تدرك جيدا أن من لا يملك قوته لا يملك حريته، والقمح هو قوت المصريين التاريخى.