الفلسطينيون والإسرائيليون يتجهون إلى معاهدة سلام جديدة لا حديث فى الصحف الإسرائيلية هذه الأيام إلا عن اللقاء الثلاثى المتوقع أن يجمع الرئيس السيسى برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، والرئيس الفلسطينى محمود عباس فى القاهرة، لتفعيل المبادرة التى أطلقها السيسى من أسيوط، لإحياء عملية السلام الميتة إكلينيكيا بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
هذا الترقب الإسرائيلى يأتى فى ظل مجموعة من الإشارات المهمة، التى تعكس من ناحية صعوبة أى جولة جديدة للسلام فى الشرق الأوسط، لحل قضية العرب المركزية، وإعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو، ومن ناحية أخرى أهمية الثقل المصرى فى حل القضية الفلسطينية، وأولى هذه الإشارات تتمثل فى المساعى الجادة لرأب الصدع بين فتح وحماس، فقد شهدت الأيام التى تلت دعوة السيسى للمصالحة من أسيوط، اتصالات بين الجانبين وترتيبات للمصالحة والتوافق على الخطوط العريضة للمفاوضات ومسارها، كما تم التأكيد بين الجانبين على ضرورة تغليب المصلحة الفلسطينية العليا على أى خلافات سياسية فى الرؤية أو التوجه لدى كل من فتح وحماس، مما يعنى تماسك المفاوض الفلسطينى، وقدرته على إدارة مفاوضات شرسة وصعبة مع الجانب الإسرائيلى.
ثانى هذه المؤشرات غير مبشرة، وتعكس تعنتا تقليديا للجانب الإسرائيلى فى أى مفاوضات مقبلة، سواء عقدت برعاية مصرية فى القاهرة، أو برعاية أمريكية فى واشنطن بحضور مصرى، فقد أعلن بنيامين نتنياهو بشكل واضح لنظيره الفرنسى مانويل فالس رفضه للاقتراح الفرنسى بعقد مؤتمر دولى لإعادة إطلاق جهود السلام المتعثرة مع الفلسطينيين، واقترح بالمقابل إجراء محادثات ثنائية مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس فى باريس، كما وضع نتنياهو شرطين مسبقين للدخول فى مفاوضات مباشرة مع الرئيس الفلسطينى، أولهما إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، واعتراف الجانب الفلسطينى بدولة إسرائيل كدولة يهودية.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلى عاد وأكد أن كل القضايا الشائكة يمكن أن تطرح على طاولة المفاوضات، بدءا من الاعتراف المتبادل وقضايا الحدود واللاجئين والمستوطنات، مشيرا إلى استعداده لاتخاذ قرارات صعبة، الأمر الذى يعنى إمكانية ممارسة ضغوط إيجابية فى القاهرة على المفاوض الإسرائيلى لإنجاح عملية السلام، وإعلان قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، مع بحث حلول جدية لقضايا تاريخية مثل اللاجئين الفلسطينيين، وحقهم فى العودة، وكذلك المستوطنات الإسرائيلية التى تخترق الضفة الغربية وتمنع تلاحم أراضى الدولة الفلسطينية المرتقبة.
الاتصالات والتأثير المصريان مطلوبان الآن بشدة لدعم المفاوض الفلسطينى، وإنجاح عملية المصالحة الفلسطينية، لأن أول تهديد يواجه أى مفاوضات فلسطينية إسرائيلية هو التناحر الفلسطينى نفسه، وعدم قدرة المفاوض الفلسطينى على تمثيل جميع الفصائل الفلسطينية، وليس تعنت نتنياهو، فالتعنت الإسرائيلى والمراوغة وعدم القبول بحلول عادلة من شيم المفاوضين الإسرائيليين فى جميع جولات المفاوضات مع العرب، وبحسب قدرة المفاوض العربى، سواء كان مصريا أو سوريا أو أردنيا أو فلسطينيا، وإجماع شعبه وحكومته عليه، يمكن قهر هذا التعنت الإسرائيلى، وتحقيق النصر السياسى الذى عجزنا عن تحقيقه فى ميادين كثير من المعارك التى خضناها.
من ناحية ثانية، تل أبيب تحتاج لهذه المفاوضات حتى تضمن أمنها فى محيط مضطرب ومليئ بالعنف، خاصة بعدما اجتاح مشروع الفوضى الخلاقة دول المنطقة ولم تعد هناك دولة، مهما امتلكت من عناصر ومقومات الأمن، قادرة مائة بالمائة على حماية حدودها ومواطنيها من الهجمات الانتقامية، ناهيك عن حروب التحرير العادلة، كما هو الحال بالنسبة للقضية الفلسطينية، وإذا كانت هذه الدولة تحتل أراضى الغير بالقوة، وتضع لنفسها حدودا افتراضية تمتد إلى الدول المجاورة.
لهذه الأسباب، يمكن أن نشهد جولة مفاوضات صعبة فى القاهرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكنها مثمرة عن قرارات غير مسبوقة فى تاريخ المفاوضات بين الجانبين، كما يمكننا أن نشهد إعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية لأول مرة فى القاهرة.