هل تفشل التكنولوجيا الفرنسية فى انتشال صندوقى الحقيقة الأسودين؟
أيام قليلة وتتوقف الإشارات الصادرة عن الصندوقين الأسودين لطائرة «مصر للطيران» التى سقطت فى مياه البحر المتوسط فور دخولها المجال الجوى المصرى قادمة من فرنسا يوم 19 مايو الماضى وعلى متنها 65 راكبا و10 أفراد من الطاقم، وحتى هذه اللحظة لم تنجح البحرية الفرنسية ومعها كل السفن المتخصصة فى الكشف عن حوادث الطائرات، فى الوصول إلى مكان الصندوقين الأسودين أو أحدهما، رغم الإعلان السابق من إحدى السفن الفرنسية أنها التقطت إشارات صادرة من أحد الصندوقين.
هذا التأخير فى الكشف عن مكان الصندوقين الأسودين والتضارب فى البيانات والتصريحات الصادرة عن الجهات المعنية بالبحث فى فرنسا، يدفع فى اتجاه فشل العثور على صندوقى الطائرة المنكوبة مع ما يعنيه ذلك من فرض حالة من الغموض على هذا الحادث المشؤوم، فكما نعرف أن الصندوقين الأسودين هما دليل الساعات الأخيرة للطائرة المنكوبة ويتضمنان كل التسجيلات والحوارات التى أجراها طاقم الطائرة، ومن خلالهما يمكن حل لغز سقوطها المفاجئ فى مياه البحر، هل حدث نتيجة زرع قنبلة فى مطار شارل ديجول، أم عبر صاروخ حربى بطريق الخطأ كما تردد فى بعض وسائل الإعلام؟
رئيس مكتب التحقيق والتحليل لسلامة الطيران المدنى الفرنسى، قال فى تصريحات إعلامية مؤخرا، إن أعضاء الفريق مازلوا بعيدين عن فهم سبب حادث سقوط الطائرة المصرية، فيما قالت مصادر مطلعة بلجنة التحقيق الرسمية، إن شركة «ديب أوشن سيرش» العالمية المكلفة بمهمة انتشال الصندوقين الأسودين للطائرة أبلغت اللجنة بتأخر وصول سفينتها إلى منطقة الحادث بسبب الظروف الجوية المعاكسة، وقالت إن فرص العثور عليهما انخفضت مع اقتراب نهاية الفترة المتبقية لتوقف الإشارات.
إجمالاً، نحن نتجه إلى حالة الغموض والتعتيم على حادث الطائرة، كما حدث بالنسبة فى رحلة مصر للطيران رقم 990 عام 1999، التى سقطت بعد إقلاعها من الأراضى الأمريكية باتجاه القاهرة وعلى متنها سبعة عشر عسكريا مصريا، واستغرقت التحقيقات سنوات، ثم حملت المسؤولية لعيوب فنية فى مجموعة ذيل الطائرة، وهذا التعتيم من وجهة نظرى هو الحالة المثلى لفرنسا، الدولة المسؤولة فعليا عن تأمين الطائرة المنكوبة، لأنه بمثابة طوق الإنقاذ لمطار شارل ديجول ولفرنسا من تهمة ضعف الإجراءات الأمنية، وما يترتب عليه من تعويضات أو عقوبات.
ما يعزز وجهة نظرى، اتجاهات الإعلام الفرنسى الذى حاول منذ بداية الحادث الدفع فى اتجاهات مختلفة كلها تلقى التبعة على الجانب المصرى وتعفى مسؤولى أجهزة الأمن الفرنسية عموما من أى مسؤولية عن الحادث، فاهتزاز الثقة فى الأمن الفرنسى وإعلان اختراق مطار بحجم وأهمية شارل ديجول أمنيا من قبل الإرهابيين، يعنى مجموعة من الكوارث ليس لفرنسا وحدها ولكن لكل الدول الأوروبية، ولو ترافق هذا الإعلان مع وقوع أحداث إرهابية خلال بطولة أوروبا لكرة القدم «يورو 2016» فستتحول أوروبا كلها إلى ميادين للإرهاب وستسود حالة من الذعر تعصف باقتصاديات الدول الأوروبية.
وسائل الإعلام والخبراء الفرنسيون والغربيون يدركون ذلك جيدًا ويسعون جادين لإنقاذ فرنسا وأوروبا من هيمنة شبح الإرهاب على مقدرات الحياة هناك، وهم مستعدون لفعل أى شىء فى سبيل ذلك، بغض النظر عن الحقيقة المجردة فى كارثة الطائرة المصرية المنكوبة، وأول قرار يمكن اتخاذه فى هذا السياق هو التغاضى عن استخراج الصندوقين الأسودين للطائرة المنكوبة، لا أريد القول بأن استخراجهما يمكن أن يتم من جانب البحرية الفرنسية سرا ويجرى إتلاف التسجيلات إذا كانت تكشف ثغرات الأمن الفرنسى، فلست من أصحاب الاتهامات المرسلة، لكن الإشارات المتتالية من جهات فرنسية مختلفة كلها تقول للمصريين «انسوا أى حقوق أو تعويضات فى حادث الطائرة»، ولله الأمر من قبل ومن بعد.