العالم يتضامن مع تركيا ويفرض الحظر على مصر لا أعلم الغيب ولا أنظر فى بلورة سحرية، لكنها المقدمات التى تؤدى حتما إلى نتائج، وجميع المقدمات كانت تقول إن تركيا تزرع التطرف وجميع التجارب السابقة تؤكد أنه «من زرع حصد».
قبل أسبوع واحد بالتمام والكمال كتبت هنا مقالا بعنوان: «تركيا تتذوق طبيخ السم» وفيه سلطت الضوء على واقعة الاعتداء على بعض المواطنين الذين أقاموا حفلا مصغرا فى أحد محلات الموسيقى احتفالا بظهور ألبوم لفرقتهم المفضلة، وهو ما لم يعجب بعض المتطرفين الذين انهالوا عليهم ضربا وسبا وتنكيلا، وكان سهلا وطبيعيا أن أتوقع أن تقع حادثة إرهابية قريبا فى تركيا، وذلك اعتمادا على قياس نسبة التطرف فى المجتمع التركى، قائلا فى ذات المقال: «هذه الظاهرة قابلة للتفاقم فى الأيام المقبلة، وعما قريب سترى تركيا الويلات نتيجة احتضانها نار الإرهاب التى ظنت أنها لن تحرقها، لكن ها هى ألسنة اللهب تتصاعد وها هو الدخان يفوح، وها هو طباخ السم يتذوق بعضا من أكلاته الشهيرة».
تصاعد اللهب وفاح الدخان، ووفقا لآخر التصريحات فقد قال مسؤول بالرئاسة التركية، إن عدد القتلى فى الواقعة الإرهابية التى حدثت فى مطار إسطنبول، أمس الأول، وصل إلى 41 قتيلا، منهم 13 من دول أخرى والباقون أتراك، بينما أصيب نحو 239 شخصا فى الهجوم الذى يقال إن تنظيم «داعش» هو الذى يقف وراءه، وسواء كان «داعش» هو المسؤول - وهو أمر لا أثق فى صحته - أو غيره من التنظيمات، فبلا شك فإن تركيا اليوم قد تذوقت مرارة الدماء التى نأسى لها جميعا، وعلمت تمام العلم أن صناعة النيران مهما راجت فى الخارج فإن للسوق المحلى أيضا «نصيب».
أريد هنا أن أشير إلى ازدواجية المعايير التى تتحكم فى غالبية دول العالم المتقدم الذى يتعامل مع مصر كما لو كانت «ابنة البطة السوداء» فبعد وقوع الاعتداء الإرهابى على مطار تركيا ألغت روسيا العقوبات السياحية على أنقرة، وهى ذات الدولة التى مازالت توقع حظرا على مصر بسبب حادث الطائرة الروسية، أما دان جوش أرنست الناطق باسم البيت الأبيض فعبر عن دعم الولايات المتحدة «القوى» لتركيا، بينما قال وزير الخارجية الألمانى فرانك فالتر شتاينماير: «نأسى للضحايا، ونقف صفا واحدا مع تركيا».
وقال رئيس الحكومة البلجيكية شارل ميشيل فى تغريدة: «عواطفنا مع ضحايا الهجمات التى استهدفت مطار إسطنبول، وندين أعمال العنف الوحشية هذه»، إلى غير ذلك من كلمات وأفعال تضامنية ضد الإرهاب الغاشم، فلماذا إذن تقف هذه الدول مجتمعة ضد مصر فى حربها ضد الإرهاب، فى حين أنها تواجه معركة أشرس؟ ولماذا يمنعون عنا السياحة ويوقفون المشاريع ويمنعون حتى تبادل الرسائل والطرود؟ فهل يجب أن تكون مصر صانعة إرهاب مثل تركيا حتى ننال بعضا من هذا التعاطف أو شيئا من هذه المساندة؟