فتاة لم تتعد الثمانية عشر من عمرها، يخيل إليك من الوهلة الأولى أنها طفلة لم تنته من العشر سنوات الأولى فى عمرها، اختفت منها كل معالم الأنوثة ومكبلة من رقبتها ويديها بجنازير ضخمة لا يقوى أى حيوان مهما كانت قوته على تحملها.. تجلس بمفردها فى "حبس انفرادى" حجرة ضيقة لم تتعد مساحتها بضعة أمتار، وتعيش بلا طعام ولا شراب لمدة أكثر من 12 شهرًا، حتى تحولت إلى "هيكل عظمى يجاهد ليوارى نفسه بما تبقى من لحم".. تتعرض يوميًا لشتى أنواع العذاب، أقلها هو قص شعرها.
صدق أو لا تصدق..
لم تكن هذه السطور جزءا من سيناريو فيلم سينمائى، أو جزء من رواية لكاتب أو أديب عالمى، بل هى قصة واقعية حدثت بالفعل، نعم حدثت هذه القصة المأسوية فى قرية أولاد سالم دائرة مركز دار السلام جنوب محافظة سوهاج، حيث تجردت ربة منزل من كل مشاعر الرحمة، لتعذب فتاة كل ذنبها أنها ابنة زوجها من زوجته الأولى.
الصدفة وحدها قادت رجال المباحث بمركز دار السلام إلى اكتشاف الواقعة عندما ذهبوا للقبض على والدها الذى يعمل سائقا، لتنفيذ 5 أحكام قضائية صادرة ضده غيابيا، وفى هذه اللحظة وأثناء اقتياده لديوان المركز، سمع ضباط المباحث صوت استغاثة من داخل المنزل، وبإرشاد المتهم كانت الصدمة حينما وجد رجال المباحث فتاة مكبلة بالسلاسل من رقبتها ويديها وتظهر عليها جروحا فى حالة تعفن.
تم فك وثاقها واصطحابها ووالدتها إلى مركز الشرطة، وهناك اعترفت أن وراء ارتكاب تلك الكارثة الإنسانية زوجة والدها التى كانت دائمة التعدى عليها فى غياب والدها.
"برلمانى" التقى بالفتاة "حياة" البالغة من العمر 18 عاما، والتى قالت "مشكلتى بدأت منذ 4 سنوات بطلاق والدى لوالدتى بعد إنجاب 6 أبناء غيرى، وتزوجت بآخر وتركت المنزل، وبعدها تزوج والدى من مطلقة تدعى "هناء"، وقال إنها مبتخلفش وتربى العيال، لكن حياتى انقلبت رأسا على عقب كانت تعاملنى معاملة سيئة، وتشتمنى دائما وتضربنى، الأمر الذى جعلنى أسرق منها مبلغ 400 جنيه وأهرب كى أتخلص من كل هذا الظلم، ولكن تمكنت من استرجاعى مرة أخرى".
وتضيف: "اتصلت بوالدى وقررا ربطى لعدم الهروب، واشترت زوجة أبى جنزيرا وقامت بربطى من رقبتى ومن يديا، وظللت على هذا الحال الفترة الأولى 8 أشهر، والثانية 4 أشهر، حتى أكملت العام بهذه الطريقة، حتى تعفن جلدى وظهر عظم يدى، وبالرغم من الألم ونزيف الدماء بشكل مستمر كانت تتعدى على بالضرب وكانت تمنحنى رغيفا واحدا فى الصباح، وإن تأخرت تعطينى إياه فى الغذاء، وتحضر لى "كنكة من الشاى" هى كل غموسى طوال اليوم، وعندما تنتهى ليس لى الحق فى زيادة، وأحيانا كانت ترمى لى الخبز مثل الكلب، فأنبطح على بطنى وأكله وأنام على الأرض، وفى يوم من الأيام قالت لأحد أخوتى أكويها بالنار مكدبش خبر وجاب سيخ حديد ووضعه فى النار، وعندما احمر وضعه على وجهى".
وتابعت حياة: "أه قبل ما أنسى بعد ما والدى طلق والدتى علشان يخلص منى راح مودينى اشتغل خادمة عند جماعة فى البلينا، واشتغلت 4 أشهر كاملة عندهم، وبعدما تزوج جابنى البيت وقال عار، وقعدت للعذاب وللذل دلوقتى بعد ما كنا 7 بقينا 10 والـــ11 جاى فى الطريق ها يتولد خلال ساعات، وبعد ما أبويا كان متجوز علشان مطلقة ومبتخلفش مبقاش فيه مكان ننام فيه".
وتضيف: "أنا اتنازلت عن أبويا ومرات أبويا فى النيابة علشان ما يتحبسوش علشان لو أبويا أتحبس ومرات أبويا طلعت علشان فى ساعة ولادة هتعمل معايا نفس اللى كانت بتعمله، وأنا مش عايزة أروح عندهم تانى، ودونى عند عمتى وجدى فى الوادى الجديد، ولو أبويا اتحبس فى الأحكام اللى عليه خلونى عندكم فى المركز ومروحش معاها تانى".
أما هناء زوجة الأب قالت لـ"برلمانى": "أنا عبد المأمور.. أبوها قال اربطيها علشان متهربش تانى وهى مسئولة منك، وأنا مقدرش ما سمعش كلامه بيضربنى، وأنا كنت بأكلها من الأكل الذى نأكل منه وكنت أعاملها بشكل حسن، وكنت أفك الجنزير لها علشان تأكل وتروح الحمام.. كنت بعاملها زى ولادى بس كانت دائمة الهروب من المنزل، فكان الحل الوحيد هو ربطها".
أما والدها فيقول: "أنا بين نارين.. جبروت مرات الأب وأولادى الـــ10 وأنا بشتغل سائق بالقاهرة على سيارة أجرة ودخلى ضعيف ويدوب مقضى، وبغيب عن البيت 3 أشهر وأرجع، وأنا خلفت الأطفال دى كلها لأنى وحيد على 5 بنات، والعيال عزوة برضه، وأنا هخلص من الأحكام الموجودة على وسأرسل ابنتى لتعيش مع والدى وأختى بالوادى الجديد بعيدًا عن زوجتى، وسأرسل لها مصاريف شهرية".
تلقى اللواء أحمد أبو الفتوح، مدير أمن سوهاج، إخطارا من مركز شرطة دار السلام يفيد بأنه أثناء تنفيذ حملة أمنية استهدفت منزل "على.ع" 41 عاما – سائق، مقيم بقرية أولاد سالم قبلى، أثناء ضبطه سمع الملازم أول أحمد الخولى، معاون مباحث المركز صوت استغاثة.
وبسؤال المحكوم عليه عن مصدر الصوت لم يذكر سببا، وتوجه الضابط للمصدر وعثر على ابنته "حياة" 18 عاما، مقيدة بالسلاسل والقيود الحديدية وعليها آثار تعذيب وحروق، وبفك قيودها وبسؤالها عن محدث تلك الإصابات أقرت بأن والدها وزوجته "هناء" قيداها منذ عام، ومنعاها من الأكل إلا للضرورة.
تم نقل الفتاة لمستشفى دار السلام المركزى، وبتوقيع الكشف الطبى عليها تبين وجود كدمات وزرقة بمناطق متفرقة بالجسم وفى الذراعين وفى القدمين، كما يوجد أثار خدوش أسفل الظهر، كما يوجد أثار جروح وتعفن حول معصمى الذراعين لليد اليمنى واليسرى، وتحتاج إلى عرضها على أخصائى جراحة لاستكمال العلاج وتحديد العلاج ومدته، والحالة العامة متوسطة ما لم تحدث مضاعفات.
تم تحرر محضرا بالواقعة رقم 3365 لسنة 2016 إدارى، وتولت النيابة العامة التحقيق، وأقرت الفتاة بالصلح والتنازل لوالدها وزوجته، وقررت النيابة إخلاء سبيلهم من ديوان المركز ما لم يكن الأب مطلوبا على ذمة قضايا أخرى، وطلب تحريات المباحث حول الواقعة، وتم تنفيذ قرار النيابة العامة واحتجاز الأب لتنفيذ الأحكام الصادرة ضده، واستدعى مأمور مركز شرطة دار السلام عمة الفتاة لاستلامها، لحين انتهاء الأب من تنفيذ الأحكام الصادرة ضده.