يوما بعد يوم يثبت تراب هذا البلد أنه يحتوى على معادن نادرة، يمنحها فقط لمن ينمو منها، فلا عجب أن نجد وسط الظروف الحالية، المهيئة والمعدة لشىء واحد فقط، وعدم إشراق أى طاقة إبداعية، زيادة عدد براءات الاختراع، المخصبة بعقول شباب مصر بنسبة 39.4%، وفق إعلان الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء منذ أيام قليلة.
ووفقا لبيان الجهاز فإن تلك البراءات جاءت فى مجالات الكيمياء والفلزات، يليها عمليات التشكيل والنقل بنسبة 20.6 %، ثم الاحتياجات الإنسانية بنسبة 14.8%.
وأمام ذلك نكرر طرح السؤال المعتاد.. كيف يستثمر هذا الشباب المبتكر؟ وكيف تتحول البراءات إلى مشاريع ضخمة تنهض باقتصاد البلد؟ بالطبع لا توجد إجابة لذلك فالحكومة تنظر إلى تلك الأمور على أنها كماليات تندرج تحت باب الرفاهية، والأهم بالنسبة لها هو رغيف العيش، وفاتورة الكهرباء، والدليل على هذا هو تخفيض ميزانية مركز البحوث الزراعية من 70 مليون جنيه العام الماضى 2015 / 2016 إلى 3 ملايين فقط، وميزانية مشروع تطوير الرى الحقلى والثروة السمكية من 160 مليون جنيه إلى 38 مليونا، ومركز بحوث الصحراء من 32 مليون جنيه العام الماضى إلى 4 ملايين هذا العام، أى أنه تم خصم 83% من تلك الموازنة، ليتبقى فقط 45 مليون جنيه، وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الدولة تتعامل بإهمال شديد مع العلم والبحث العلمى، وكذلك العلماء.
اسمحوا لى أن أعطيكم بسمة أمل.. فهناك من كان أسوأ من ذلك، قبل ثلاثين عاما، وتحديدا فى شمال القارة العجوز "أوروبا"، نعم هى فنلندا التى أصبحت اليوم تحتل المركز الأول فى معيار توفر الباحثين والمهندسين اللازمين لعمليات الإبتكار، كما تحتل أيضا المركز الأول فى تعاون الجامعات ومراكز الأبحاث مع الشركات الصناعية وقطاع الأعمال بشكل عام.
المعيار الوحيد الذى لم تتواجد فيه فنلندا فى المراكز العشر الأولى كان مشتريات المؤسسات الحكومية من المنتجات التكنولوجية الحديثة حيث أحتلت المركز 33.
وماذا فعلت فنلندا حتى تقفز عبر الزمن وتتفوق على حضارات عريقة فى التقدم العلمى والبحثى، بالطبع لم تدعك مصباحا ليحقق لها ذلك، بل نظرت إلى علمائها القلائل، وشجعت صغارهم من خلالهم على سلك نفس الدرب، ووضعت استراتيجيات متكاملة لتطوير القطاع والاستفادة منه والاستثمار فيه أيضا، عبر مؤسسات تمتاز بالشفافية وارتفاع مستوى الكفاءة، ولهذا فإن مستوى التعليم والتدريب فى الصف الأول عالميا، أما قطاع الأعمال فهو الأكثر ابتكارية فى العالم.
وتدعم مؤسسة الاختراعات الفنلندية تطوير الاختراعات واستغلالها وتشجّع الابتكار، إلى جانب تقديمها المشورة القانونية والدعم المالى فيما يتعلق بإصدار براءات الاختراع، عبر تقسيم أنشطة المؤسسة إلى ستّ فئات تقابلها المراحل الستّ فى تطوير الاختراع:
أنشطة تشجيع الابتكار
1- تقييم الاختراعات (الفرص فى السوق والجدة والنشاط الابتكارى والإمكانيات التجارية وغير ذلك).
2- الخدمات الاستشارية (نصائح خاصة بالاختراعات وبحقوق الملكية الفكرية ونصائح أخرى).
3- تمويل حماية الاختراعات (البراءات وسائر حقوق الملكية الفكرية).
4- تمويل تطوير المنتجات (التخطيط والتصميم وإعداد النموذج الأوّلى والمشورة التقنية والتجارية).
5- تمويل التسويق (بما فى ذلك المشورة بشأن الترخيص)
ويتعلق جزء كبير من أنشطة مؤسسة الاختراعات الفنلندية بالخدمات الاستشارية، وتسدى المؤسسة المشورة للشركات بشأن طائفة متنوعة من القضايا كالمسائل التقنية الخاصة بالاختراعات مثلا وإجراء تقييم لفرص المنتجات فى الأسواق والمساعدة على إعداد النموذج الأولى وإسداء المشورة القانونية بشأن إصدار البراءة وترخيص الاختراع، ويقدّر عدد الذين استفادوا من نصائح المؤسسة منذ إنشائها فى سنة 1971 بحوالى 150,000 مبتكر.
ويخضع التمويل المقدّم لتطوير الاختراعات وتسويقها عموما للإجراءات الأربعة التالية:
تمويل "كيكسى" ("Keksi"): يغطى التكاليف الأوّلية اللازمة لتطوير الاختراع بمبلغ أقصاه 8,000 يورو دون أى التزام بإعادة تسديد المبلغ.
الدعم بالتمويل: يوظَّف لتسديد تكاليف إصدار البراءة وتطوير المنتج وتسويقه، ويقتضى إعادة التسديد لفائدة المؤسسة حسب النجاح الذى يحققه المشروع والإيرادات التى يحصل عليها المخترع من المشروع، ولا تفرض أية فوائد على هذا التمويل.
المنح: إتاحة مبالغ مالية أقلّ دون أى التزام بإعادة تسديدها.
القروض: تزويد المخترعين والشركات الصغيرة والمتوسطة برأس المال العامل فى المراحل الأولى من تسويق الاختراع.
ويتراوح التمويل بين 1,500 و100,000 يورو حسب طبيعة الاختراع وفرصه التجارية. ويأتى معظم أموال تشغيل المؤسسة من وزارة التجارة والصناعة الفنلندية.
وتولى المؤسسة اهتماما كبيرا لحماية الاختراعات بموجب حقوق الملكية الفكرية ولا سيما البراءات، ويعدّ النشاط الابتكارى فى الاختراع وأهليته للحماية بموجب براءة المعيار الرئيسى، الذى تعتمد عليه المؤسسة فى اختيار المشروعات التى ستحصل على التمويل.
ويحصل المخترعون والشركات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى ما سبق، على المساعدة القانونية لحماية البراءات فى فنلندا وأسواق التصدير المحتملة وعلى المشورة لوضع استراتيجية بشأن جوانب الملكية الفكرية فى الاختراع.
وفى آخر مرحلة وهى مرحلة التسويق، تسدى المؤسسة أيضا المشورة بشأن الترخيص، وهناك سوق للاختراعات تجمع بين المخترعين والباحثين عن التراخيص، وعلى مرّ السنين، استلمت مؤسسة الاختراعات الفنلندية 16,000 طلب تمويل وبلغ عدد الاختراعات التى حصلت على دعم مالى، بما فيه التمويل الخاص بإصدار البراءة، 2,000 اختراع.
وحتى هذا التاريخ، تم تسويق 500 منتج جديد بدعم من المؤسسة على يد المخترعين أو المقاولين مباشرة أو فى إطار عقود ترخيص.
وفيما يخص عالمنا العربى، فنجد أن الإمارات اتخذت نفس طريق فنلندا، حيث يقدم برنامج "تكامل" الإماراتى جميع سبل الدعم فى تسجيل براءات الاختراع دولياً وضمن الفصل الأول من معاهدة التعاون الدولية لبراءات الاختراع (فى حال وجود براءة اختراع مسجلة دولياً)، كما هو موضح بالجدول التالى..