الجمعة، 22 نوفمبر 2024 12:11 م

ختام مجلس حكماء المسلمين.. ننشر نص كلمة شيخ الأزهر للأمة بحضور ملك البحرين

ختام مجلس حكماء المسلمين.. ننشر نص كلمة شيخ الأزهر للأمة بحضور ملك البحرين الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب
الأربعاء، 28 سبتمبر 2016 02:28 م
كتب لؤى على
ألقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، كلمته إلى الأمة العربية والإسلامية وذلك فى ختام لقائه وأعضاء مجلس حكماء المسلمين بالعاهل البحرينى الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، فى قصر الصخير بالعاصمة البحرينية المنامة، وإلى نص الكلمة.

بسم الله الرحمن الرحيم

جــلالة الملك/ حَمَــد بِنْ عِيسَى آل خَلِيفَــة – مَــلِك البَحْــرَين
السَّــادة الحضُــور!

السَّلامُ عليكُم ورَحمـــة الله وبركاته؛

فى بِدَايَةِ هذه الكَلِمَة المُتواضِعة يْسعدنى أن أتقدَّم باسْمِى وباسْم الأزهر الشَّريف ومَجْلِس حُكَمَاء المُسْلِمين بأسْمَى وأجلّ آيات الشُّكر والعِرفَان بالجَميلِ لِمَا تفضلتُم به من قبول استِضافتنا فى رحابكم الكريم وبلدكم المحفوف بحفظ الله ورعايته، واسْتِضافة هذا المَجْلِس الَّذى أبدَى رغبةً وأملًا فى أن يَعْقِد جلسته الثامنة فى هذا البلد الذى يتمتَّع بتاريخ حضارى عريق، إذ كان منذ آلاف السِّنين مركزًا لالتِقاءِ الثقافات وحوار الحضارات، وبما ميَّزه الله به من موقع جُغرافى فَريد، وشعب أكسبه امتزاج الثقافات خبرة واسعة، ودُربة على التوحُّد والتجمع، والاعتلاء فوق الاختلافات والفُروق المذهبيَّة والدينيَّة والعِرقيَّة، وهى ميزة تتميز بها هذا البلد الطَّيِّب من بين سائر البُلدان والأمصار الإسلاميَّة فى شرق البلاد وغربها.

ونرى دائمًا والحمد لله أن أهل البحرين تسرى فى دمائهم هذه الروح التى تجمع بين الأصالة، والمعاصرة المنضبطة بهدى الدين وحكمة الشرق، حتَّى باتت تستعصى على التنكر لتاريخه وميراثه العريق. وأصبح لا يتعامل إلَّا بالمبادئ والقيم الثابتة التى لا تعرف المقايضات ولا نزوات العِرق والعصبيَّة، فى الوقت الذى لا يرى كثيرون بأسًا من ممارسة اللعب على وتر الطائفيَّة واستغلال العاطفة الدينيَّة فى الهيمنة والتسلُّط، ولم يتورَّعوا فى انتهاج العنف طريقًا لتحقيق هذه المآرب التى لا تقرها أخوة الدين ولا حقوق الجوار.

وكانَ الظَّنُّ –جلالة الملك-أن تعصم هذه الروابطُ المتينة، هذا الثغرَ من ثغور العروبة والإسلام من الاهتزازات المُفتعلة، والاضطرابات المُصطنعة التى لا يستفيد منها إلَّا أعداء العرب والمسلمين ولا تخدم إلَّا مخطَّطات الأنظمة المتربِّصة شَرًّا بالمنطقةِ وأهلها، نعم كان الظن كذلك، لولا أن فريقا من أعيان الناس رضوا بأن يركنوا إلى منطق المصلحة غير المشروعة وغير المعتبرة، وضربوا صفحًا عن منطق الدين والواجب والضمير.

وأرجو جلالة الملك ألا يُفهم تشجيعى وتشجيع مجلس حكماء المسلمين لجلالتكم على أنَّه مدح أو إطراء لا يَلِيق بأهل العلم والمُنتسبين إليه، فيعلم الله أننى ما إلى هذا قصدتُ، لأنَّنى أعى جَيِّدًا قول النبى ﷺ «احْثُوا فِى وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ»، ولكن أعى أيضًا نهى النبى ﷺ أن ننقص من أقدار الناس، وأمره ﷺ بأن ننزلهم منازلهم فى قوله الشَّريف: «أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ»، وفى قوله: «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ».

ومعلومٌ أنَّ النبى ﷺ حين يُعلِّمُنا هذا الأدب فإنَّه يعلمنا فى الوقت نفسه أدب القرآن الكريم فى قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾{هود/85}، من هذا المنطلق القرآنى والنبوى أجدنى لا أتردَّد فى أن أحييكم جلالة الملك وأَشُدَّ على يديكم فى سياستكم الحكيمة التى ترعى حقوق المواطنة وتحقِن دماء الناس وتحفظ وحدة الصَّف، وتوفِّر الأمن والسَّلَام لشعبك ووطنك.. فَسِر على بركة الله واثبت على النهج الذى اخترته بعد أن هداك الله إليه وهو نهج: التآخى والإصلاح؛ فهو الطريق -الذى لا طريق غيره - فى هذا المنعطف الذى تمر به منطقتنا العربية وشرقنا الإسلامى.

هذا وإن مجلس حكماء المسلمين الذى يعقد دورته الثامنة فى المنامة، ليشاركنى هذه الرؤى التى عرضت طرفًا منها، ويُقلقه ما يُقلق كل مخلص من أبناء هذه الأمة ممَّا ألَمَّ ببلاد العروبة فى السنوات الأخيرة، من إصرار أعدائها على تمزيق هذه المنطقة وتفكيكها وإبقائها فى مرحلة ما بين الحياة والموت، يشعلون نار الفتنة وحرائق الحروب، لتبقى هذه الأمة رهن السيطرة والهيمنة، حتى يأتى يوم تجد الأمة نفسها فيه وجهًا لوجه أمام تقسيم جديد، لا يَبقى معه عَرَبٌ ولا عروبة.

ولَا يَمَلُّ الأزهر الشريف ولا مجلس حكماء المسلمين من التذكير الدائم والنداء المُتكرِّر لعلماء المسلمين -أولاً -وقبل الجميع أن يتَّقوا الله فى شعوبهم وأن يكونوا على قدر المسؤولية أمام الله تعالى وأمام ضمائرهم فى القيام بواجبهم فى إنهاء بث خطاب الفتنة والكراهية، وإعادة الثقة والأمل فى نفوس الناس.. وليعلم كل منا أننا سنُسأل أمام الله تعالى عن هذه الأمة الجريحة وعن شعوبها المرهقة بالدِّماء والقنابل والهدم والفرار على وجوهها فى الفيافى والقفار، فى غير ما ذنب اقترفته، وفى معارك ليس لها فيها ناقة ولا جمل.

واسمحوا لى – حضرة صاحب الجلالة – أن أعلن على لسان مجلس حكماء المسلمين حرص المجلس الشديد بل البالغ الشدَّة على وحدة الأمة الإسلامية، والرَّفض القاطع لأى عملٍ أو فكر يُؤدِّى إلى التنازع وإلى فشل المسلمين، أو يهدف إلى إقصاء المسلمين عن الإسلام، والإبقاء على فريقٍ بعينه، ومنح لقب الإسلام لطائفة، ومنعه عن طائفة أخرى، وأن شعار مجلس الحكماء فى هذه الفتنة العمياء المضلة هو شعار سيدنا محمد ﷺ الذى حسم الأمر بقوله الشريف: «من صلَّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذى له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله فى ذمته».

وقال شُرَّاح هذا الحديث: «فيه أنَّ أمور الناس محمولةٌ على الظاهر دون الباطن، فمَن أظهر شعائر الدِّين أُجريت عليه أحكام أهله».

حضرة صاحب الجلالة!

أُكرِّر شكرى لكم، وأتمنَّى لكم ولشعبكم الكريم دوام الحكمة والتوفيق فى كل أموركم؛ كبيرها وصغيرها، وجليلها ودقيقها، وأسأل الله تعالى الذى جمع شمل هذا الوطن على كلمة الحق والدِّين، وعافاه ممَّا ابتلى به غيرَه، أن يُدِيمَ على شعبه نعمة التآلف والأمن والرقى والرخاء اللهم آمين.

شُــــكرًا لكم.
والسَّلامُ عليكُم ورَحمـــة الله وبركاته؛

أحمـــد الطـيب شـــيخ الأزهــر


print