مفتى الجمهورية: التراث الإسلامى فى مجمله مشرف ونتعامل بعقل منضبط مع واقعه
ويؤكد: الأزمة هى الأخذ بما تم التعامل به فى واقع معين وتطبيقه فى واقع مغاير
كعادته وبصراحته المعهودة، تحدث الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، لـ"انفراد"، عن عدد من القضايا، حيث أبدى رأيه فى مسلسل الاختيار 2، الذى أذيع فى شهر رمضان، بالإضافة لتصحيح المفاهيم حول التراث الإسلامى، وكذا الحديث عن تعدد جهات الفتوى بمصر، وإلى نص الحوار:
لا شك أنه ليس كل الفن حراما، وأن هناك أعمالا ترسخ لمفهوم الوطنية والانتماء، وأيضا لكشف المفاهيم المغلوطة، أتحدث عن نموذج لعمل فنى وهو مسلسل الاختيار 2.. فهل شاهدتم فضيلتكم هذا العمل.. وما رأيكم فيه.. وهل تؤيد إنتاج مثل هذه الأعمال خاصة خلال تلك الفترة التى نعيشها؟
الفن بمنزلة قوة ناعمة يمكنها إيضاح الحقائق وبيانها، كما يمكنه أيضا الرد على الجماعات الإرهابية، ومجابهة الفكر بالفكر، وإبراز دور أفراد الجيش والشرطة فى المحافظة على أمن البلاد واستقرارها، وما قدموا من تضحيات فى سبيل ذلك، ومن شأن الفن أيضا أن يقدم ضربات موجعة لقادة حروب الجيل الرابع، الذين يستهدفون تثبيط الروح الوطنية ونشر الفرقة والاختلاف، ويكيدون لمصر بوابل من الشائعات والأكاذيب عبر صفحات التواصل الاجتماعى وفى وسائل الإعلام الحديثة.
ولا شك أن مسلسل «الاختيار 2» يعد عملا دراميا متميزا يقوم برسم لوحة للصمود والفخر الوطنى، وبث الروح الوطنية فى النفوس، ويبرز بطولات المصريين فى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وتضحياتهم خلال المواجهة مع أعداء الوطن والمخربين، الأمر الذى أعاد روح النصر والفخر والاعتزاز بقيم الفداء والوطنية والاعتزاز بالهوية، حيث نجح صناعه فى دمج وتوثيق الوقائع والأحداث فى قالب درامى، ذلك بهدف تقريب التاريخ للأجيال الجديدة، ولإحياء المشاعر الوطنية وتكثيفها فى سبيل مواصلة التصدى للفكر المتطرف والجماعات الإرهابية.
هل نجحت المؤسسات الدينية فى تصحيح المفاهيم المغلوطة والمتطرفة، أم ما زال هناك الكثير لم تقدمه مؤسستنا الدينية بعد؟
نحن نخوض حرب وجود ضد الأفكار الفاسدة، ونمضى قدما فى تصحيح المفاهيم الخاطئة بما يتواكب مع مستجدات العصر، حتى نتمكن من مواجهة الأفكار المتطرفة التى يعتنقها إرهابيون يكفرون بالمجتمع ويكفِّرونه، ذلك من خلال إعادة قراءة كتب التراث قراءة عصرية، وهذا لا يعنى هدم الدين، لكنه يعنى تنحية لأفكار متطرفة لا تناسب روح الدين الإسلامى ووسطيته، فنحن نهدف إلى معالجة فوضى الفتاوى الضاربة فى أرجاء العالم الإسلامى، ذلك على مسارات متنوعة فى الداخل والخارج، والمقصود من تجديد الخطاب الدينى هو تحديث الأدوات والآليات التى تعمل بشكل منضبط وفق ضوابط معينة لكى نستطيع من خلالها الوصول إلى خطاب دينى رشيد.
ولا شك أن هدف المؤسسات الدينية يسير جنبا إلى جنب فى هذا الإطار لنشر الوسطية والقيم الحسنة فى المجتمع المصرى، وإلا ما كان الرئيس قد كلَّف المؤسسات الدينية فى مصر بالقيام بهذه المهمة، وما كان ذلك إلا لثقته بعلماء الأزهر، لكن ثمة بعض العقبات التى تواجه المؤسسات الدينية فى هذه القضية، فهناك من يحاولون أن يصوِّروا أن هناك اختلافا، وهؤلاء يحاولون عرقلة التجديد، فبين الانقسام وتبادل الاتهامات، وبين الرمى بالجهالة، هناك عقبات كثيرة تواجهنا، وتنعكس سلبيا على تجديد الخطاب الدينى، وهناك تيارات تروِّج لمزاعم واهية حول قضية التجديد، ومن المتطرفين فكريا من يشعلون الأزمات، ولا تزال أفكارهم المتردية تسيطر على عقول بعض الناشئة.
لماذا تتعدد جهات الفتوى فى مصر.. هل ترى أن تعدد جهات الإفتاء يفيد الفتوى أم يضرها؟
المؤسسات الدينية فى الدولة تعمل فى تكامل وتناغم مع بعضها البعض فى نشر صحيح الدين، وإصدار الفتوى بها يتم وفق المنهج الأزهرى القائم على مراعاة المآلات والأحوال والعادات والتقاليد التى تتفق والشرع الشريف، وكذا إدراك الواقع، وهو ما يفتح باب الاجتهاد أمام علماء الأزهر ودار الإفتاء للتفاعل مع قضايا الأمة، بما يعود عليها بالنفع، ويناسب العصر، ويسد الباب أمام الفتاوى المتطرفة والشاذة.
وعلى سبيل المثال، الفتوى فى دار الإفتاء علاوة على كونها مستمدة من منهج الأزهر الشريف، فهى أثناء التكييف الفقهى للمسألة تبحث فى الوقائع بصورة متخصصة، بالإضافة إلى التنقل بين المذاهب الفقهية المعتمدة، مع دراسة الواقع ومآلات الفتوى، من أجل الوصول إلى حكم شرعى صحيح يراعى الزمان والمكان والعوائد والأحوال.
والاختلافات الفقهية - وليست الخلافات - بين العلماء والمفتين تسهم بصورة كبيرة فى ثراء الحقل الفقهى، والدليل على ذلك تعدد المذاهب الفقهية، بل تعدد الآراء داخل المذهب الواحد، هذا بالإضافة إلى أن وجود أكثر من جهة للفتوى تعمل بمنهجية علمية منضبطة تحت مظلة الأزهر الشريف هو من باب الثراء الفقهى من جهة، وتيسير الأمر على طالب الفتوى للحصول على فتواه من المؤسسات المعتمدة فى الدولة من جهة أخرى.
المصريون بطبعهم شعب متدين.. لكن كيف تنظر إلى قيام الكثير منهم بالإفتاء على صفحة دار الإفتاء؟
عملية الإفتاء تتكون من 3 أركان أساسية، وهى: المفتى والفتوى والمستفتى، ولكل ركن من هذه الأركان عدة شروط وآداب، فيشترط فى المفتى - وهو الركن الأول من هذه الأركان - عدة شروط مهمة، أولها: الإسلام. وثانيها: العقل، فلا تصح فتوى المجنون. وثالثها: البلوغ، وهو أن يبلغ من يفتى الحلم من الرجال والمحيض من النساء، أو يبلغ 15 عاما أيهما أقرب، لأنه لا تصح فتوى الصغير والصغيرة. والشرط الرابع: العلم، فالإفتاء بغير علم حرام، لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله، ويتضمن إضلال الناس وهو من الكبائر. ويشترط التخصص، وهو شرط نضيفه فى هذا العصر، نظرا لطبيعته، ونعنى به أن يكون من يتعرض للإفتاء قد درس الفقه والأصول وقواعد الفقه دراسة مستفيضة، وله دُرْبة فى ممارسة المسائل، وإلمام بالواقع المعيش، وهناك شرط العدالة والاجتهاد والقريحة، وأيضا الفطانة والتيقظ، وجميع هذه الشروط إذا لم تتوافر فلا تصح الفتوى.
هناك من ينتقد التراث، وهناك من يدافع عنه.. فكيف نتعامل مع تراثنا دون غلو أو تفريط؟
التراث الإسلامى فى مجمله مشرف، تعامل بعقل منضبط مع واقعه، والأزمة هى الأخذ بما تم التعامل به فى واقع معين، وتطبيقه فى واقع مختلف مغاير، حيث يتم أخذ المنهج الصحيح لهذه الفتاوى وتطبيقها فى الزمن الحالى، وليس الفتوى نفسها، والجماعات المتطرفة تستند إلى فتاوى مغلوطة، أو تجتزأ من الفتاوى والنص، وهو أمر خطير، فالمطلع على التراث الفقهى الإسلامى يعلم يقينا أنه قد تناول سائر مناحى الحياة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، وأنه كما تناول مشكلات عصره ووضع لها المعالجات المناسبة، أسس كذلك للنظم والقواعد الحاكمة لما قد يظهر من قضايا وتحديات فيما يستقبل من زمان.