يبدو أن روسيا قررت أن تستخدم نفس السلاح الذى أشهرته الولايات المتحدة فى وجهها قبل 5 سنوات عندما بدأت مزاعم التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، والتى ظلت ترددها وسائل الإعلام الأمريكية، وتروج لها بعض تقارير الاستخبارات الأمريكية، بل وصل الأمر إلى حد إجراء تحقيق مستقل لم يسفر عن نتائج محددة فى هذا الشأن.
والآن، تعيد موسكو الكرة، بعد اتهامها لشركات التكنولوجيا الأمريكية بمحاولة التدخل فى انتخابات المجلس التشريعى التى عقدت هذا الشهر وحقق فيها الحزب الحاكم أغلبية، لكن بعد مساعى من المعارضة لتقويض فرصه عبر إستراتيجية التصويت الذكى التى اعتمدت بشكل كبير على شركات التكنولوجيا الأمريكية، لاسيما جوجل وأبل.
حيث قال نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي وزعيم حزب "روسيا الموحدة" دميتري ميدفيديف إنه من المحتمل إجراء تحقيق في تدخل "عمالقة تكنولوجيا المعلومات" الأمريكيين في انتخابات الدوما الروسية التي عقدت في 17 وحتى 19 سبتمبر.
وردا على سؤال حول ما إذا كان بإمكان موسكو بدء مثل هذه القضية قياسا على التحقيق فيما يسمى بالتدخل الروسي الذي أجرته واشنطن بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، أجاب ميدفيديف قائلا: "لا أعرف. ولكن إذا قدموا لنا مثل هذه الخدمة، فلماذا لا؟ أعتقد من الممكن طرح سؤال حول إجراء مثل هذا التحقيق".
واستدرك قائلا إنه مع ذلك، ينبغي أن تتخذ السلطات المختصة قرارها في هذا الشأن، بما في ذلك إنفاذ القانون ولجنة الانتخابات المركزية. واختتم تصريحاته بالقول إنه خلال فترة التصويت التي استمرت ثلاثة أيام، تعرضت خوادم لجنة الانتخابات المركزية للاتحاد الروسي لـ"قدر كبير من الهجمات".
وتحاكى تصريحات ميدفيديف، تعليقات سابقة من مسئولين أمريكيين عن التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية، والتى أشارت إلى أن موسكو عملت على تعزيز فرص المرشح الجمهورى دونالد ترامب أمام منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون فى انتخابات عام 2016، والتى ظل ترامب يصفها طوال سنوات رئاسته الأربعة بأنها أكبر حملة اضطهاد فى التاريخ ضد رئيس أمريكى.
ولا يتضح إذا ما كانت روسيا تعتزم بالفعل تحويل تلك الحرب الكلامية إلى إجراءات تشمل تنفيذ عقوبات على سبيل المثال بحق أطراف أمريكية، فى مقدمتها شركات التكنولوجيا، أم أن الأمر لن يتعدى مجرد تصريحات، خاصة وأن هذه الشركات تسعى لتفادى غضب السلطات الروسية منها بشكل أكبر فى ظل تهديدات مستمرة بفرض غرامات وعقوبات عليها تستهدف الأرباح التى تحققها فى السوق الروسى.
تأتى تصريحات ميدفيديف بعد تصعيد روسيا حملتها على عمالقة التكنولوجيا فى الآونة الأخيرة، فى صراع بدت أنها تتفوق فيه حتى الآن.
حيث أذعنت شركتا أبل وجوجل للضغوط من قبل السلطات الروسية، واضطرت قبل بدء التصويت فى الانتخابات إلى إزالة تطبيق التصويت الذكى للمعارضة الذى طرحه المعارض المسجون ألكسى نافالنى وكان يهدف إلى تقويض فرص المرشحين المدعومين من الكرملين فى انتخابات مجلس الدوما، والتى حقق فيها الحزب الحاكم روسيا الموحدة أغلبية أكثر من 300 مقعد، وجاء هذا بعدما اتهمت السلطات هذه الشركات، والولايات المتحدة، بالتدخل فى الانتخابات.
وتؤمن روسيا أن شركات التكنولوجيا، ورغم استقلاليتها عن الحكومة الأمريكية، إلا أنها وسيلة لتحقيق مصالح واشنطن السياسية والتى تسعى لتقويض نظام بوتين، وهو ما جعل موسكو تكثف من ملاحقتها لترك الشركات، غير مهتمة بالاتهامات الموجهة لها من قبل الغرب بالتعدى على حرية التعبير.
وكانت سلسلة من القوانين والقواعد التنظيمية التى تم سنها فى روسيا فى عامى 2018 و 2019 قد وسعت من قدرة السلطات على تنقيح المحتوى بشكل تلقائى على الإنترنت، بحسب ما ذكرت منظمة هيومان رايتس ووتش، وطلبت حكومة موسكو من مقدمى خدمات الإنترنت تدشين جهاز يمكنه منع المواقع الإلكترونية، وحذر الرئيس فلاديمير بوتين فى خطاب له فى مارس الماضى من أن المجتمع سينهار من الداخل ما لم يخضع الإنترنت ليس فقط للقواعد القانونية الرسمية ولكن أيضا للقوانين الأخلاقية للمجتمع الذى نعيش فيه.
كما تم تغريم فيس بوك 66 مليون روبل روسى، حوالى 900 ألف دولار هذا العام، بينما تم تغريم تويتر 38.4 مليون روبل، وجوجل 26 مليون روبل، وفقا لهيئة تنظيم الاتصالات الروسية روسكومنادزور.