بسبب التعديلات الأخيرة التي وافق عليها مجلس الوزراء على مشروع قانون إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكنى، يحاول البعض إثارة الفتنة في الشارع المصرى باعتبار الأمر يهم ملايين الملاك والمستأجرين من خلال تأويلات خاطئة وشائعات ليس لها أي أساس من الصحة وحتى لا تحدث هذه الفتنة، فإن ما صدر من قرارات تخص الشخصيات الاعتبارية فقط لا غير وبما يتوافق مع أحكام المحكمة الدستورية، وبهذا نستطيع أن نقول إنه تم إغلاق ملف الايجار القديم – حتى كتابة تلك السطور - بما يتوافق مع أحكام الدستور لحين ورود أى مستجدات أخرى.
بالأمس الموافق 25 ديسمبر - كشف المركز الإعلامى لمجلس الوزراء إنه فى ضوء ما تردد من أنباء بشأن طرح الحكومة مشروع قانون بإخلاء الساكنين المتعاقدين بنظام "الإيجار القديم" من منازلهم، تواصل المركز مع وزارة العدل، والتي نفت تلك الأنباء، مُؤكدةً أنه لا صحة لطرح الحكومة مشروع قانون بإخلاء الساكنين المتعاقدين بنظام "الإيجار القديم" من منازلهم، مُشددةً على أن مشروع القانون الذي تمت الموافقة عليه من قبل الحكومة يأتي بشأن بعض أحكام قانون إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير الغرض السكني، مع فترة سماح 5 سنوات وزيادة محددة في القيمة الإيجارية خلال هذه الفترة، ولا علاقة له نهائياً بالأماكن المؤجرة للأشخاص العادية للغرض السكني.
تلك التعديلات التي وافقت مجلس الوزراء تعد بمثابة حجر جديد تم القائه فى مياه قوانين الإيجارات القديمة الراكدة حيث نص على إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير الغرض السكنى، وحددت المادة الأولى نطاق سريان مشروع القانون، وجاء قاصرًا على الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية والمقصود بها الجهات الحكومية مثل الشركات التابعة للحكومة ومقرات خدمة المواطنين والغير حكومية كشركات السياحة والجمعيات الأهلية.
"الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها"
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على عدة نقاط تهم ملايين الملاك والمستأجرين حول مشروع قانون إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكنى، والإجابة على حزمة من الأسئلة أبرزها.. كيف المحكمة الدستورية ميزت فى قانون الايجار القديم بين ثلاثة أنواع من الإيجارات؟ وما المقصود بالأشخاص الاعتبارية والطبيعية؟ وما هي شروط تطبيق هذا القرار؟ وماذا عن إشكالية التطبيق في ظل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا عام 2018 - بحسب الخبير القانوني والمحامى هانى صبرى.
7 ملاحظات وإيجابيات على مشروع القانون
في البداية - في تقديري مشروع هذا القانون جيد ومتوازن ويعد تطبيقا متميزا لحكم الدستورية العليا، لا يمس الشخص الطبيعي الإنسان البسيط لا داعي لقلق الأشخاص العاديين حيث أنه غير مرتبط بأماكن إيجار هؤلاء الأشخاص، ولكنه خاص بالأشخاص الاعتبارية ويحقق التوزان بين طرفي العلاقة الايجارية بينهم، وايماءا إلى موافقة الحكومة على مشروع قانون خاص بالأشخاص الاعتبارية، لابد من توضيح التالي – وفقا لـ"صبرى":
1-أن هذا المشروع نفاذا للحكم الدستوري رقم 11 لسنة 23 دستورية الصادر في مايو 2018.
2-المشروع اقتصر فقط على الأشخاص الاعتبارية للأماكن المؤجرة لغير أغراض السكن.
3-يستمر العقد لمدة خمس سنوات مع زيادة للقيمة الايجارية.
4-هذا المشروع لا يمس السكنى ولا التجاري الطبيعي.
5-المشروع المقدم هو ذات المشروع الذي قدمته الحكومة في دور الانعقاد الرابع من البرلمان الماضي.
6-المشروع تأكيد على ما اوضحناه من قبل ان الحكم الدستوري قاصرا فقط على الاشخاص الاعتبارية لغير اغراض السكنى، وهو تأكيد من ناحية أخرى على تحصين المراكز القانونية للسكنى والتجاري الطبيعي طبقا للأحكام الدستورية الصادرة فى شأنهما.
7-ملحوظة: الاشخاص الاعتبارية هي الشركات والمؤسسات والهيئات العامة والخاصة.
هذا القرار مقيد بشرطين:
الأول: أن يكون المستأجر من الاشخاص الاعتبارية فقط "الشركات بأنواعها - مؤسسات - هيئات منظمات".
ثانياً: أن يكون الغرض من الايجار غير معد للسكن كأن يكون "مقر إداري للشركة - مخزن - معرض … الخ".
3 تعريفات ميزت بهم المحكمة الدستورية فى قانون الايجار القديم
وفى حقيقة الأمر - المحكمة الدستورية مايزت فى قانون الايجار القديم بين ثلاثة أنواع من الإيجارات كالتالي:
أولاَ: السكنى وقصرت الامتداد فيه على أسرة المستأجر الأصلي وفقا لطبيعة الغرض من الايجار وهو السكنى.
ثانيا: التجارى والإداري " المحلات والمكاتب " للأشخاص الطبيعيين، وقصرت فيه الامتداد للورثة باعتباره مشروع مالي اقتصادي طبقا لطبيعته.
ثالثا: الاشخاص الاعتبارية وهو ذو طبيعة خاصة حيث لا تموت ولا تورث فأنهت عقودها على أساس أن عقدها لا يمكن تحديده قانونا، ولا يمكن تعيين من له حق الامتداد، ويصبح العقد ممتدا بلا تحديد، ولذلك قضت بعدم دستوريته إلا ما كان منه لغرض السكنى.
الفرق بين الشخصية الطبيعية والاعتبارية
هذا التمييز الواضح من المحكمة الدستورية ردا على من يقولون بالتساوي فى المراكز القانونية فى الأماكن غير السكنية بين الأشخاص الاعتبارية والأشخاص الطبيعية، ومشروع هذا القانون حدد الأماكن المؤجرة لغير غير السكن من الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة المستأجرين لوحدات أو محلات تجارية ولا يسري علي الشخص الطبيعي المستأجر لمحل تجاري، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا.. ما المقصود بالشخص الاعتباري، والشخص الطبيعي المنصوص عليه في مشروع هذا القانون؟
فالشخصية الاعتبارية هي مجموعة من الأشخاص والأموال يتوفر لها كيان ذاتي مستقل تستهدف تحقيق هدف معين وتتمتع بالشخصية القانونية في حدود هذا الغرض وتُعدّ مجموعات الأشخاص والأموال هذه شخصاً اعتبارياً أو معنوياً مستقلاً عن الأشخاص الطبيعيين المشكلين له، والشخصيات الاعتبارية إما ان تكون عامة مثل الدولة وما يتفرع عنها من جهات إدارية، أو خاصة مثل الشركات التجارية والجمعيات والمؤسسات الخيرية – الكلام لـ"صبرى".
نصى المادتين الأولى والثانية
والشخص الطبيعي الأصل أن الإنسان هو وحده، بصفته كائنا بشرياً، يتمتع بالشخصية القانونية التي تمكنه من أن يكون طرفاً من أطراف الحق، وقد حددت المادة الأولى نطاق سريان مشروع القانون، وقد جاء قاصرا على الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لغير غرض السكنى، وفقا لأحكام القانونين رقمي 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن، وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، و136 لسنة 1981، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك، والمادة الثانية بينت أجل إخلاء الأماكن المؤَجرة للأشخاص الاعتبارية خلال مدة لا تجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون.
نصي المادتين الثالثة والرابعة
والعديد من الدستوريين والفقهاء يرون زيادة المدة المحددة للإخلاء بمدة لا تتجاوز سبع سنوات أو أيهما أقرب لانتهاء العلاقة الإيجارية وفقاً للقانون، والمادة الثالثة حددت القيمة الإيجارية خمسة أمثال القيمة القانونية السارية، وتُزاد سنوياً وبصفة دورية، بنسبة 15%، وفِي تقديري يجب أن تكون الزيادة السنوية بنسبة 15 % ثابتة من أصل الزيادة وليست تراكمية، والمادة الرابعة إلزام المستأجر بإخلاء المكان المؤجر في اليوم التالي لانتهاء المدة المبينة بالمادة الثانية من مشروع هذا القانون، وفي حالة امتناع المستأجر عن الإخلاء يكون للمالك أو المؤجر بحسب الأحوال أن يطلب من قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الكائن في دائرتهما العقار بطرد الممتنع عن الإخلاء، دون الإخلال بالحق في التعويض إن كان له مقتضى.
ويجب أن نأخذ في الاعتبار أن الحكم الصادر فى 5 مايو عام 2018 من المحكمة الدستورية ألزم مجلس النواب بإصدار تشريع خاص بالايجارات الخاصة بالاشخاص الاعتبارية فى خلال عام، فهى الوحيدة التى لديها صلاحية بتحديد مدة سريان الحكم أما بأثر رجعى أو إرجائه لمدة وهنا تم تأجيله لمدة عام ونصف وفى حالة عدم التزام مجلس النواب يعتبر الحكم نافذ، والحكم الصادر كان يتحدث عن تحرير الاشخاص الاعتبارية فقط والمقصود هنا الجماد وليس البشر، وهنا الجماد ليس له وارث أي ينقضى العقد بانهيار العقار أو تصفية المكان وإغلاقه، على عكس البشر والذى ينتهى عقد الايجار بوفاته وهو ما ينطبق على الحكم الصادر عام 2002 والذى استند إلى أحكام الأحناف.
ماذا عن من صدرت ضدهم أحكام وقاموا بإخلاء الأماكن المستأجرة؟
وفى عام 2019 قام مجلس النواب بإصدار تشريع طبقا لحكم المحكمة الدستورية قبل انقضاء الفترة التي ألزمته المحكمة بصدور القانون، ولكن لجنة الاسكان خالفت حكم المحكمة واَضاف التجاري الطبيعي، وهو لم يذكر بالحكم وهنا خالفت لجنة الاسكان حكم المحكمة الصادر فى 2002، حيث أن الاشكالية الحالية هو أن مجلس النواب حدد مدة للإخلاء وهى 5 سنوات، ولكن ماذا عن من صدرت ضدهم أحكام وقاموا بإخلاء الأماكن المستأجرة فهنا لم يستفيد من القانون الصادر؟ وماذا عمن صدرت لهم أحكام حالياً وفى مرة التنفيذ سيتم إيقاف الحكم، لحين توفيق الاوضاع ومرور خمس سنوات؟ فنحن أما إشكالية لأشخاص استفادت من حكم المحكمة الدستورية وأشخاص أخرى تضرروا.
جدير بالذكر صدور حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضية رقم 11 لسنة 23 قضائية دستورية بجلسة الخامس من مايو 2018 بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 " في شأن بعض الأحكام الخاصة، بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فيما تضمنه من إطلاق عبارة: "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير الغرض السكني، تحديد اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي السنوي لمجلس النواب اللاحق لنشر هذا الحكم تاريخًا لإعمال أثره"، وقد نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية العدد 19 مكرر ب في 13 مايو 2018.