لازالت أصداء الحديث عن تعديلات قانون الإيجارات مستمرة، وتحديداَ الخاصة بالتعديلات التى وافقت عليها الحكومة، والتى تقضى بإخلاء وحدات أو أماكن الإيجار القديم للأشخاص الاعتبارين لغير غرض السكن، وذلك خلال مدة لا تتجاوز الـ5 سنوات من تاريخ العمل بالقانون، وإلزام المستأجر بإخلاء المكان المؤجر ورده إلى المالك، وفى حالة امتناع المستأجر يحق للمالك اللجوء للقضاء، وتحديد القيمة الإيجارية 5 أمثال القيمة القانونية السارية، وزيادة سنوية وبصفة دورية بنسبة 15%، ليكون القرار مقيد بشرطين الأول أن يكون المستأجر من الأشخاص الاعتبارية فقط "الشركات بأنواعها - مؤسسات - هيئات منظمات"، والثاني أن يكون الغرض من الإيجار غير معد للسكن كأن يكون "مقر إداري للشركة - مخزن - معرض … إلخ".
والحقيقة فإن "مشروع قانون الإيجارات القديمة"، وكذا "مشروع قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر"، أصبح الحديث عنهما من الأولويات التي يهتم بها المواطن المصري، حيث تتوالى ردود الأفعال حولهما، مما يزيد معه الحالة ترقبا لما سوف يقره البرلمان من تشريع جديد، يراعى حساسية وأهمية هذا القانون، مع مراعاة التوازن بين مصلحة الطرفين المالك والمستأجر، حيث أن بعض المراقبون يصفون مجرد مناقشة هذا القانون – قانون الإيجارات القديمة - بالخوض فى حقل ألغام، كونه يتناول شأن ملايين من الآسر المصرية، ولكن ترك الأمر على ما هو عليه يزيد من حدة تفاقم المشكلة، ومعاناة المستأجرين والملاك على السواء، فالكل يشكو ويتذمر، خاصة من العلاقة الإيجارية فضلا عن إشكالية امتداد عقد الإيجار إلى ورثة المستأجر.
طليقى مات وأنا حاضنة هل يمتد عقد ايجار "شقته" لأولادي؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تضرب في جذور المعاناة بين الملاك والمستأجرين على السواء، تتمثل في الإجابة على السؤال.. هل يمتد عقد الإيجار للأبناء في حالة وجود نزاعات الحضانة ومسكن الحضانة؟ وهل يمتد عقد الإيجار إذا توفي المستأجر الأصلي وأولاده في حضانة الأم في مسكن أخر؟ وهل يمتد عقد الإيجار للأبناء في حالة موت مورثهم المستأجر الأصلي رغم أنهم في حضانة والدتهم أو حاضنتهم كحضانة الجدة أو غيرها؟ وما هي شروط الامتداد القانوني لعقد الإيجار في هذه الحالة؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامي معتز المهدى.
في البداية - إذا كان الأولاد لا يقيمون بالعين المؤجرة مع والدهم المستأجر الأصلي، ويقيمون مع والدهم بصفتها حاضنة في مسكن أخر، فمدى جواز أن يمتد لهم عقد الايجار حتي وإن كان المستأجر الأصلي هو من اعد لهم مسكن أخر الحضانة، فقد حسمت محكمة النقض في هذا الشأن في أحكامها هذا النزاع، حيث استقرت أحكامها علي أن لا يحول دون استمرار عقد ايجار المستأجر الأصلي لصالح أولاده القصر إقامتهم قبل وفاته لم يكن أخر مع الحاضنة لهم طالما كان ذلك بسبب عارض، وهو سبب قانوني نشأ من حضانة الأم لهم، وذلك لا يمنع من تطبيق المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 - وفقا لـ"المهدى".
المشرع أجاز امتداد العقد للأبناء بشروط
ولا يغير من ذلك إذا كان المستأجر الأصلي هو الذي أعد المسكن الآخر الحاضنة وأولاده أم لا، حيث أن فترة الحضانة فترة مؤقتة وهي مقصورة على فترة عمرية وسنية معينة حددها القانون – ومن ذلك نخلص إلى أن الأبناء يمتد لهم عقد الايجار عن المستأجر الأصلي حتى وأن لم يكونوا مقيمين معه وقت الوفاة نظرا لوجودهم بمسكن حضانة آخر مع الحاضنة، وذلك لأن إقامتهم مع المستأجر الاصلي هنا "حكمية"، حيث إن إقامتهم مع الحاضنة بمسكون آخر إقامة "ناشئة" عن سبب قانوني ومؤقت وهو سن الحضانة – الكلام لـ"المهدى".
رأى محكمة النقض في الأزمة
وفى هذا الشأن سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الإشكالية في الطعن المقيد برقم 1384 لسنة 56 جلسة 30 مارس 1988، حيث قالت المحكمة في حيثيات الحكم: " إذ كان البين من الأوراق أن الطاعنين - ولدى المستأجر - تمسكا أمام محكمة الموضوع بأنهما لم يتخليا عن الشقة محل النزاع - و حتى وفاة والدهما - وأن إقامتهما - بمسكن آخر مع والدتهما الحاضنة بعد طلاقها - كانت بصفة مؤقتة إذ لم يتخذا لهما مسكناً مستقلاً ويحق لهما بالتالي الاستفادة من حكم المادة 21 من القانون 52 لسنة 1969، وكان الحكم المطعون فيه قد استند فى قضائه باستمرار عقد إيجار تلك الشقة لصالح المطعون ضدها الأولى - زوجة أخرى للمستأجر - وحدها إلى أن الطاعنين لم تكن لهما إقامة فيها بشخصيهما قبل وفاة والدهما المستأجر الأصلى، وكان هذا الذى ساقه الحكم لا يواجه دفاع الطاعنين المشار إليه مع أنه دفاع جوهرى قد يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور فى التسبيب".
حكم أخر لمحكمة النقض
وفى حكم أخر لمحكمة النقض، قالت في حيثيات حكمها في الطعن المقيد برقم 296 لسنة -64 جلسة 13 نوفمبر 1995 - مفاد نص المادتين 18 مكرر ثالثاً 20 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 أن الحضانة التى تخول الحاضنة مع من تحضنهم الحق فى شغل مسكن الزوجية دون الزوج المطلق هي الحضانة التي تقوم عليها النساء لزوماً خلال المرحلة التي يعجز فيها الصغار عن القيام بمصالحهم البدنية وحدهم أن حق الحضانة فى شغل مسكن الزوجية يسقط ببلوغ المحضون مدة السن كل بحسب نوعه ذكراً كان أم أنثى وحينئذ يعود للزوج المطلق حقه فى الانتفاع بمسكن الزوجية مادام له من قبل أن يحتفظ به قانوناً ولا يغير من ذلك ما أجازه نص الفقرة الأولى من المادة 20 من القانون سالف الذكر للقاضى، بأن يأذن بأبقاء الصغير حتى سن الخامسة عشرة والصغيرة حتى تتزوج فى يد من كانت تحضنها دون أجر إذا أقتضت مصلحتها ذلك، إذ أن هذه المدة لم ترد فى النص حداً لمدة حضانة النساء ولا تعتبر أمتداداً لها إنما هى مدة أستبقاء بعد أن أصبح فى مقدور الأولاد الاستغناء عن حضانة وخدمة النساء سواء تم هذا الأستبقاء بأذن القاضى أو برضاء ذوى الشأن".
ماذا يقول القضاء الدستوري عن امتداد عقد الإيجار لورثة المتوفى بشكل عام؟
1 - إخلاء الأماكن السكنية:
في حكمٍ صادر عام 2002، أكدت المحكمة الدستورية العليا أن عقد إيجار "المسكن" لا ينتهي بوفاة المستأجر الأصلي أو تركه العين إذا بقيّ فيها زوجه أو أولاده أو أي من والديه - أقارب الدرجة الأولى - الذين كانوا يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك على أن يلتزموا بكافة أحكام العقد، وبذلك يكون العقد ممتدا إليه وليس مستأجراً أصليًا، على أن تعود العين المؤجر لمالكها الأصلي بوفاة آخرهم أو الترك وهو ما يعني أن امتداد العقد بات لمرة واحدة فقط.
ويعني الحكم أنه في حالة وفاة المستأجر الأصلي أو تركه المكان المؤجر للسكن، يمتد عقد الإيجار لأقارب الدرجة الأولى "الأب والأم والأبناء والزوجة"، وذلك لمرة واحدة فقط "أي لا تمتد لأبنائهم".
2 - إخلاء الأماكن التجارية "المحلات"
قضت المحكمة الدستورية في حُكم سابق بدستورية المادة الأولى من قانون رقم 6 لسنة 1997 بتعديل الفقرة الثانية من المادة "29" من القانون 49 لسنة 1977 بشأن إيجار الأماكن غير السكنية "المحلات".
ونصت المادة الأولى من القانون المطعون عليه على أنه "إذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي، فلا ينتهي الحق بموت المستأجر الأصلي طبقا للعقد، ويستمر لصالح الأزواج والأقارب حتى الدرجة الثانية، ذكورا وإناثا من قصّر وبُلّغ، يستوي في ذلك أن يكون الاستعمال بالذات أو بوساطة نائب عنهم. واعتبارًا من اليوم التالي لتاريخ نشر القانون المعدل لا يستمر العقد بموت أحد من أصحاب حق البقاء في العين إلا لصالح المستفيدين من ورثة المستأجر الأصلي دون غيره ولمرة واحدة".
ويترتب على الحكم عدم انتهاء العقد بوفاة المستأجر الأصلي، بل يمتد لأقارب الدرجة الأولى والثاني، وينتهي العقد بوفاة آخر المستفيدين منهم ولمرة واحدة فقط.
3 - إخلاء الأماكن الاعتبارية "الشركات - الأندية - المستشفيات - البنوك – سفارات"
أبطلت المحكمة الدستورية صدر الفقرة الأولى من المادة "18" من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنه من إطلاق عبارة "لا يجوز للمؤجـر أن يطلب إخلاء المكـان، ولو انتهت المدة المتفق عليها في العقد، لتشمل عقود إيجار الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير غرض السكني".
ويعني الحكم الصادر أن المحكمة أبطلت "منع الملَّاك من المطالبة بإخلاء المكان إذا انتهت مدة العقد المتفق عليه"، وبالتالي يحق للمالك مطالبة الأشخاص الاعتباريين بالإخلاء فور انتهاء العقد ومنعت امتداده، وهو ما وافقت عليها الحكومة مؤخراَ من تعديلات ولكن بشروط حيث نصت على التالى:
موافقة الحكومة على تعديلات الأشخاص الاعتبارية وفقا للمحكمة الدستورية
"تقضى بإخلاء وحدات أو أماكن الإيجار القديم للأشخاص الاعتبارين لغير غرض السكن، وذلك خلال مدة لا تتجاوز الـ5 سنوات من تاريخ العمل بالقانون، وإلزام المستأجر بإخلاء المكان المؤجر ورده إلى المالك، وفى حالة امتناع المستأجر يحق للمالك اللجوء للقضاء، وتحديد القيمة الإيجارية 5 أمثال القيمة القانونية السارية، وزيادة سنوية وبصفة دورية بنسبة 15%، ليكون القرار مقيد بشرطين الأول أن يكون المستأجر من الأشخاص الاعتبارية فقط "الشركات بأنواعها - مؤسسات - هيئات منظمات"، والثاني أن يكون الغرض من الإيجار غير معد للسكن كأن يكون "مقر إداري للشركة - مخزن - معرض … إلخ".
يشار إلى أن المحكمة الدستورية استندت في جميع أحكامها الخاصة بتنظيم علاقة المؤجر والمستأجر إلى تطبيق نص المادة 54 من الدستور بشأن "الحرية الشخصية حق أصيل للفرد" واعتبرت أن حرية التعاقد وإرادة الاختيار ضمنها، وأوضحت أنه إذا امتدت عقود الإيجار بعد انتهاء المدة المتفق عليها دون تقييد، يكون قد أسقط حق المؤجر – مالك العين في الأعم من الأحوال – في استرداد العين المؤجرة بعد انتهاء مدة إجارتها، حال أن حق المستأجر لازال حقًا شخصيًا مقصورًا على استعمال عين بذاتها في الغرض الذي أُجرت من أجله خلال المدة المتفق عليها في العقد.