يعد النمو السكانى المتسارع من أهم التحديات التى تواجه الاقتصاد المصرى لما له من تداعيات اقتصادية واجتماعية بالغة الخطورة، حيث يعصف بكافة الجهود الإنمائية، ويحول دون جنى ثمارها فى تحسين الأحوال المعيشية للمواطنين والارتقاء بمستوى رفاهتهم.
وجاءت خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المقدمة من وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد، ووافق عليها البرلمان بغرفتيه (النواب، الشيوخ) لتستعرض تفصيلا مخاطر الزيادة السكانية، بدءاً من المنظور الاقتصادى حيث يترتب على تنامى السكان على نحو متسارع تواضع معدلات الادخار والاستثمار، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وانخفاض مستويات الناتج المحلى الإجمالى ، وتفاقم عجز الموازنة العامة والميزان التجارى للدولة .
ومن المنظور الاجتماعى، تتمخض الزيادات السكانية غير المنضبطة عن ارتفاع معدلات الفقر، وضعف القوة الشرائية للمواطنين ، واتساع التفاوتات الداخلية بين الفئات الاجتماعية ، وتصاعد معدلات الأمية بشكل مطرد ، فضلًا عن تدهور حال المرافق العامة والبنية الأساسية ، وتدنى مستوى الخدمات العامة المقدمة للمواطنين وعدم التكافؤ فى توزيع السلع والخدمات العامة .
وتشير الخطة، إلى أنه من هذا المنطلق تعد قضية النمو السكانى المتسارع من أهم القضايا التى تبذل الدولة جهودا حثيثة لمجابهتها وتضعها على رأس سلم أولوياتها، بهدف الحد من تأثيراتها السلبية على مقومات التنمية الشاملة وعدالة التوزيع، اتفاقا ورؤية مصر2030 التى تهدف إلى الارتقاء بجودة حياة المواطن وترسيخ مبادئ العدالة والاندماج الاجتماعى.
وتوضح خطة التنمية، إلى أنه مما دعا إلى توكيد حتمية التصدى للقضية السكانية هو ما تلاحظ فى الآونة الأخيرة من عودة معدل النمو السكانى للارتفاع ليسجل 2.5% كمتوسط سنوى بين التعدادين الأخيرين 2006 و 2017، بعد أن كان فى تناقص مطرد فى التعدادات السابقة ، وهو معدل بالغ الارتفاع دون شك يجسد خطورة الزيادة السكانية التى تلتهم ثمار التنمية على نحولا يستشعر معها المواطن بالتحسن المنشود فى مستوى معيشته.
وتكمن خطورة تفاقم المشكلة السكانية إذا ما استمرت معدلات نمو السكان فى المستقبل بالوتيرة الراهنة، فوفقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، تجاوز عدد سكان مصر المائة مليون نسمة فى عام 2020، وقدر العدد فى 15 فبراير 2021 بنحو 101.5 مليون نسمة أى أنه فى غضون ثلاثة أعوام زاد عدد سكان الجمهورية بنحو 5 ملايين نسمة، وهو ما يعنى أن النمو السكانى ما زال مرتفعا فى حدود 2% سنويا.
واللافت أن آخر إحصائية كشفت أن عدد سكان البلاد يزيد بمعدل مولود جديد كل 15 ثانية، حسبما أفاد خالد ماهر رئيس الإدارة المركزية للتعبئة العامة والإحصاء، وذلك بواقع 4 أطفال يولدون كل دقيقة و254 طفلا كل ساعة، و6096 طفلا كل يوم.
هذا التنامى فى الكثافة السكانية لها أثرها على الجهد الإنمائى المطلوب لاستيعاب التدفقات الكبيرة من الأفراد الراغبين فى الانضمام لسوق العمل ، حيث تشير الحكومة أنه يتعين الارتقاء بمعدلات النمو الاقتصادى لتصبح ثلاثة أمثال معدلات النمو السكانى على الأقل لإمكان استيعاب المعروض من قوة العمل والحيلولة دون تنامى أعداد المتعطلين .
وإذا كان معدل نمو السكان السنوى مستقرا عند 2 ٪ ، فيتعين ألا يقل معدل النمو الاقتصادى الحقيقى عن 6 ٪ لمقابلة الزيادة فى عرض العمالة وفى ظل الزيادة المنشودة فى مستويات إنتاجية العاملين .
وتحذر الحكومة، أنه لو استمر الحال على ما هو عليه الآن، فإنه بحلول عام 2030، من المقدر أن يقفز تعداد مصر إلى 123 مليون نسمة، ثم إلى 150 مليون عام 2040، وإلى 193 مليون نسمة عام 2050، مسجلا بذلك ما يقرب من ضعف التعداد الحالى للجمهورية .
وتشير خطة التنمية، إلى أنه حال تراجع معدلات النمو السكانى فى الفترات البينية إلى 1,7 ٪ و 1,5 ٪ و 1,3 ٪ سنويا على التوالى ، لأمكن إبطاء عجلة النمو السكانى ليصبح التعداد المناظر 153 مليون نسمة فى نهاية الفترة ( 2050 ) ، أى قصر الزيادة السكانية على 52 مليون بدلا من 92 مليون نسمة ، بفارق 40 مليون نسمة .
وإدراكا لخطورة الزيادة السكانية غير المنضبطة، تستهدف الحكومة من خلال برامج تنظيم الأسرة خفض معدلات الإنجاب عن 3.4 طفل / سيدة عام 2017 بصورة تدريجية إلى نحو 2.1 طفل / سيدة عام 2023 ثم إلى 1.6 طفل / سيدة عام 2052 بفعل الإلتزام بالتدابير وتطبيق السياسيات الفاعلة لضبط النمو السكانى وذلك بالمقارنة بسيناريو متوسط يصل معه معدل الانجاب إلى 1.9 طفل /سيدة فى عام 2052.