صورة المرأة فى الزى العسكرى تحمل سلاحا ليست مألوفة على مجتمعاتنا العربية، والتى جنبت المرأة التجنيد فى الجيش وألزمت به الرجل فقط، فى حين فتحت دولا أخرى أبواب التطوع للمرأة فى المؤسسات العسكرية وقصرتها على المهام الطبية والإدارية بعيدا عن أرض المعركة.
ولكن بين الحين والآخر يطفو على السطح مجددا قضية إشراك المرأة فى الجيوش العربية وتوسيع دائرة اختصاصاتها، وانطلق الجدل هذه المرة من العاصمة الخليجية الكويت والتى شهدت شد وجذب بين البرلمان ووزير الدفاع، بعد أن أقدم الأخير على إصدار قرار بإشراك المرأة الكويتية فى الجيش ايمانا بدورها فى كافة مناحى الحياة.
وبعد خلافات جلل تحت قبة البرلمان حول القرار أعلنت السلطات الكويتية، تأجيل إقامة الدورة التدريبية للدفعة النسائية الأولى، مؤكدة أن التحاق أولى دفعات المتقدمات للجيش، سيكون بعد رأى شرعى رسمى بهذا الشأن، حسب صحيفة "القبس" الكويتية.
وخلال استقبال مجموعة من علماء ومشايخ الدين فى البلاد، اعتبر وزير الدفاع الكويتى، الشيخ حمد جابر العلى أن التمسك بالأحكام والضوابط الشرعية لديننا الإسلامى الحنيف لا مجال فيها للأهواء والآراء والرغبات الشخصية.
وأمر وزير الدفاع، بعد اللقاء الجهات المعنية بتأجيل إقامة الدورة لحين مخاطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فى هذا الشأن، كما وعد بأن العمل على التحاق أولى دفعات المتقدمات للجيش الكويتى سوف يكون بعد وصول رد هيئة الإفتاء الرسمى، والنظر فيما يتضمنه من أحكام وضوابط وشروط، يتم أخذها بعين الاعتبار والعمل بمقتضاها.
الكويت ليست الأولى التى انخرطت فى هذا التوجه، بل هى تسير على خطى أقرانها فى الخليج والذين اتخذوا خلال السنوات الماضية قرارات مماثلة، أصدر رئيس الدولة فى الإمارات العربية المتحدة، ففى 2014 أصدر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الامارات، قانوناً اتحادياً، يفرض الخدمة العسكرية الإلزامية على مواطنى الدولة الذكور، ويجعلها اختيارية للإناث مع اشتراط موافقة ولى الأمر.
وقالت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية أن رئيس الدولة أصدر "القانون الاتحادى رقم 6 لسنة 2014 بشأن الخدمة الوطنية والاحتياطية، تأكيداً على ما ورد فى المادة 43 من دستور دولة الامارات، التى تنص على أن الدفاع عن الاتحاد فرض مقدس على كل مواطن، وأداء الخدمة العسكرية شرف للمواطنين ينظمه القانون".
ووفقاً للقانون الذى تم نشره فى الجريدة الرسمية تنشأ فى الإمارات "هيئة الخدمة الوطنية والاحتياطية بالقيادة العامة للقوات المسلحة لتكون بمثابة الهيئة العليا المشرفة على شؤون الخدمة الوطنية، والتى تعد فرضا على كل مواطن من الذكور، ويكون التحاق الإناث بهذه الخدمة اختياريا وبموافقة ولى الأمر، وذلك وفقا للأحكام المقررة فى هذا القانون واللوائح والقرارات والأنظمة والتعليمات المنفذة له."
وأكد القانون على أن مدة الخدمة الوطنية للمجندين من الذكور لسنتين للحاصلين على مؤهل أقل من الثانوية العامة، ولمدة تسعة أشهر للحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها فأعلى، وتقرر أن تكون مدة الخدمة الوطنية للإناث تسعة أشهر بغض النظر عن المستوى الدراسى.
وكان قرار المملكة العربية السعودية فى أكتوبر 2019 بإشراك المرأة فى المؤسسة العسكرية هو الأكثر جدلا بالمنطقة، حيث جاء ضمن حزمة قرارات أخرى لتحرير المرأة السعودية ومنحها حقوق حُرمت منها لسنوات.
وتتضمن شروط تجنيد الإناث فى المملكة ألا تقل أعمارهن عن 21 عاماً وألا تتجاوز 40عاماً، كما أنه لا يجب أن يقل طولهن عن 155 سنتيمترا ويشترط فى المتقدمات العمل سابقاً فى القطاع الحكومى، بالإضافة إلى حمل الجنسية السعودية ومؤهلات التعليم العالى والتى تعد شروطاً إلزامية.
ويمكن الآن لجميع النساء اللواتى يستوفين هذه الشروط التقدم للخدمة العسكرية فى المملكة العربية السعودية، وأكدت السلطات حينها أن جميع المسارات الوظيفية مفتوحة الآن أمامهم، من القوات البرية مروراً إلى البحرية والجوية وقوة الصواريخ الاستراتيجية، والإدارة العامة للخدمات الطبية، كما يمكنها أن تتقلد رتب "جندى أول، وعريف، ووكيل رقيب، ورقيب".
وقدمت المديرية عدداً من الدورات التأهيلية والتدريبية للعسكريات، للتمكن من العمليات الأمنية والحراسات الداخلية وأمن وحماية السجينات، وصولاً إلى مكافحة المخدرات والأمن الفكرى، ضمن مركز تدريبى خاص هو الأول فى البلاد.
وفى العراق تقتصر مشاركة المرأة على المهمات الطبية والإدارة وغيرها من الأعمال غير العسكرية، إذ لا تعطى المرأة فى هذه المؤسسات الاهتمام بتدريبها على المهمات القتالية فيما تشكو ضابطات من عدم أداء التحية لهن من قبل الرجال.
وكانت المرأة العراقية عنصرا أساسيا بالقوات الأمنية فى معارك تحرير المدن العراقية من تنظيم "داعش"، إلا أن المهمات التى أوكلت لهن اقتصرت غالباً على نقل الجرحى وإجلاء العائلات.
وفى لبنان كان تحول دخول المرأة للمجال العسكرى فى العام 2017 حين تسلُّم قائد الجيش العماد جوزاف عون القيادة واتّخاذه قرار رفع عدد الإناث فى الجيش عبر فتح باب التطوّع.
بعد هذا القرار، تطوع أكثر من 3 ألاف إمرأة وامتدت مشاركة النساء إلى الحرس الجمهورى والقوات الجوية، وفى عام 2019 استقبلت الكلية الحربية 48 فتاة إلى جانب الذكور بصفة تلميذ ضابط فى السنة الأولى، لأول فى تاريخ الجيش اللبنانى، ومدة الدورة ثلاث سنوات يتخرّجنَ فى نهايتها بصفة ضابط برتبة ملازم.
ورغم أنه لا يوجد قانون فى سوريا لتجنيد الإناث إلا أن الحرب المستمرة فى الأراضى السورية منذ 2011 أجبرت المرأة على الانخراط فى العمل العسكرى، وفى 2013 انضمت حوالى 450 امرأة لقوات الدفاع الوطنى، وفى عام 2015 تم إنشاء كتيبة من الإناث للجيش السورى تضم 800 امرأة لمحاربة تنظيم داعش، وبين الأعوام 2013-2016 كان هناك 8500 امرأة متطوعة تقاتل إلى جانب الجيش السورى.
ورغم ظهور دعاوى متفرقة فى مصر لإشراك المرأة بالجيش إلا أنها قوبلت برفض دينى من مؤسسة الأزهر ومؤسسة القضاء، حيث رفضت المحكمة دعوى تم رفعها فى عام 2010، ضد رئيس الجمهورية حينها، ووزير الدفاع، ورئيس مجلس الشعب، ورئيس مجلس الشورى لإلزامهم بإقرار تجنيد الإناث إلزامياً مساواةً بالذكور، ورأى تقرير هيئة مفوضى الدولة، رداً على تلك الدعوة، أن مصلحة الأسرة المصرية وتوفيق المرأة بين واجباتها نحو أسرتها وعملها العام يقتضى أن يكون التجنيد الإجبارى محصوراً على الذكور فقط، وذلك "صوناً للمرأة المصرية وحماية لها باختيار مجالات العمل المناسب لطبيعتها".
وتجددت الدعاوى مجددا مع تزايد الهجمات الارهابية والتى تصدى لها الجيش بجدارة، إلا أن هيئة كبار علماء الأزهر أصدرت فى نوفمبر 2016، فتوى، قالت فيها إن تجنيد الفتيات "غير مستحب شرعاً"، معتبرة "مشاق التجنيد امتهاناً للمرأة" التى وصفتها الفتوى بأنها تتحمل مشاق أخرى لا تقل صعوبة عن مشاق التجنيد مثل الحمل والولادة.
وقالت الفتوى إن المرأة مطالبة بإكمال دور الزوج الغائب للمشاركة فى الجيش أو الحرب، عن طريق تربية الأطفال وإدارة شؤون المنزل وحسن معاشرته عند عودته.