مازالت أزمة فيلم "أصحاب ولا أعز" تطل برأسها على الشارع المصرى، وخاصة محركات البحث – جوجل – حيث تتباين الآراء بين مؤيد ومعارض لمحتوى الفيلم بين حرية الفن والإبداع باعتبار أن ليست هناك دولة في العالم يمكن أن تتقدم دون فتح المجال والآفق للإبداع، بينما يرى آخرين أن الفيلم يضرب ثوابت وقيم وعادات المجتمع وأعرافه، حيث تتعالى بعض الأصوات لمنع عرضه، وهو أمر نادر الحدوث سواء في شاشات السينما أو التليفزيون في مصر.
لكن في حقيقة الأمر – لم يكن الأمر قديمًا كذلك، حيث شهدت مكتبة الأفلام العربية، أشرطة كثيرة قُفلت عليها الأدراج ومُنعت من العرض على يد الرقابة على المصنفات الفنية بسبب مشاهدها الجريئة وللحفاظ على التقاليد العامة منها على سبيل المثال لا الحصر "حمام الملاطيلى، وذئاب لا تأكل اللحم، وصاحبة الأقمار السوداء، والمذنبون، والعقرب، وزائر الفجر" وغيرها من الأعمال، التي "تعددت فيها الأسباب والمنع واحد" ألا وهو المحتوى الإباحي أو مخالفة المعتقدات الدينية، وفى الحقيقة عادة ما يلعب قرار منع الأفلام من العرض دورا بارزا في نجاحها جماهيريا، لا سيما إذا صاحبتها عبارة "للكبار فقط".
بعد المطالبات بمنع بعض الأعمال الفنية.. ما هي المصنفات المحظور عرضها؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في الإجابة على حزمة من الأسئلة الخاصة بالرقابة على المصنفات خاصة، وما هو الهدف من الرقابة على المصنفات الفنية؟ وما هي المصنفات المحظور عرضها؟ وما هو دور القائمين على الرقابة على المصنفات الفنية؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى.
في البداية – قديما كان قرار منع الفيلم من العرض يعني انهيار الشركة المنتجة وإفلاسها، غير أنه مع ظهور التليفزيون ومن بعده شرائط الفيديو وتوزيعها في البلاد العربية، لم يعد قرار منع الأفلام أزمة كبيرة، ومنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، بدأت ظاهرة عرض الأفلام الممنوعة تلقى رواجا كبيرا، حتى تسلمت الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" الراية في عرض الأفلام المحظور تداولها في دور العرض السينمائي، وهو ما تعرض له فيلم "أصحاب ولا أعز" حاليا من دعوات المنع بسبب ما قيل إنه يروج لمحتوى إباحي وجنسي تتعارض مع ثقافة العرب والمسلمين وعلى رأسهم المصريين – وفقا لـ"الجعفرى".
ما هو الهدف من الرقابة على المصنفات الفنية؟
يعتقد البعض أن للرقابة على المصنفات الفنية دوراً كبيراً في مراقبة الأعمال وحجب الأعمال والمشاهد التي قد تشكل خطراً على المجتمع أو لا تتناسب حتى مع عاداته وتقاليده، ولكن الواقع يؤكد عكس ذلك تماماً فلابد من وجود تعديلات قانونية للحد من هذه الظاهرة وتمكين المختصين من مراقبة الأعمال الفنية فعليا، وذلك في محاولة لضبط المسألة والأسواق الفنية على المستوى العام سواء السينمائي أو الدرامي أو أغاني المهرجانات وغيرها من الأعمال الفنية، وفى الحقيقة كلمة رقابة هي كلمة مثيرة للجدل دائماً، بين مؤيد ومعارض وآخر يمسك بالعصا من المنتصف، ويظل هذا النقاش يستوعب الكثير من الآراء حول أهمية الرقابة أو ضرورة التخفيف من سلطاتها أو إلغاءها تماماً – وفقا لـ"الجعفرى".
وفقا للمادة الأولي من قرار وزير الإعلام رقم 220 لسنة 1976 بشأن القواعد الأساسية للرقابة على المصنفات الفنية: "تهدف الرقابة على المصنفات الفنية المشار إليها فى القانون رقم 430 لسنة 1955 إلى الارتقاء بمستواها الفني وأن تكون عاملا فى تأكيد قيم المجتمع الدينية والروحية والخلقية وفى تنمية الثقافة العامة وإطلاق الطاقات الخلاقة للإبداع الفني، كما تهدف إلى المحافظة على الآداب العامة والنظام العام وحماية النشء من الانحراف" – الكلام لـ"الجعفرى".
ما هي المصنفات المحظور عرضها؟
نصت المادة الثانية: "تحقيقا للأهداف المشار إليها فى المادة السابقة، لا يجوز الترخيص بعرض أو إنتاج أو الإعلان عن أى مصنف من المصنفات المشار إليها، إذا تضمن بوجه خاص أمرا من الأمور الآتية:
1-الدعوات الإلحادية والتعريض بالأديان السماوية والعقائد الدينية وتحبيذ أعمال الشعوذة.
2-إظهار صورة الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة أو رمزا، أو صور أحد من الخلفاء الراشدين وأهل البيت والعشرة المبشرين بالجنة أو سماع أصواتهم، وكذلك إظهار صورة السيد المسيح أو صور الأنبياء عموما، على أن يراعى الرجوع فى كل ذلك إلى الجهات الدينية المختصة.
3-أداء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وجميع ما تتضمنه الكتب السماوية أداء غير سليم أو عدم مراعاة أصول التلاوة، أو عدم مراعاة تقديم الشعائر الدينية على وجهها الصحيح.
4-عرض مراسم الجنائز أو دفن الموتى بما يتعارض مع جلال الموت.
5-تبرير أعمال الرذيلة على نحو يؤدى إلى العطف على مرتكبيها أو باتخاذها وسيلة لخدمة غايات نبيلة.
6-تصوير الرذيلة أو عرضها على نحو يشجع على محاكاة فاعليها أو تغليب عنصر الرذيلة فى سياق الأحداث اكتفاء بالعقاب الذى يناله فى النهاية مرتكب الرذيلة إذا كان الأثر العام الذى ينشأ عنه يوحى بتحريض على الرذيلة.
7-إظهار الجسم البشرى عاريا على نحو يتعارض مع المألوف وتقاليد المجتمع وعدم مراعاة ألا تكشف الملابس التى يرتديها الممثلون عن تفاصيل جسمانية تؤدى إلى إحراج المشاهدين أو تتنافى مع المألوف فى المجتمع، أو إبراز الزوايا التى تفصل أعضاء الجسم أو تؤكدها بشكل فاضح.
8-المشاهد الجنسية المثيرة أو مشاهدة الشذوذ الجنسي والحركات المادية والعبارات التى توحى بما تقدم.
9-المناظر الخليعة ومشاهد الرقص بطريقة تؤدى إلى الإثارة، أو الخروج عن اللياقة والحشمة فى حركات الراقصين والراقصات والممثلين والممثلات.
10-عرض السكر وتعاطى الخمور والمخدرات على أنه شىء مألوف أو مستحسن وعرض ألعاب القمار واليانصيب بطريقة تشجع على أن تكون مصدرا للرزق.
11-استخدام عبارات أو إشارات أو معان بذيئة أو تنبو عن الذوق العام أو تتسم بالسوقية وعدم مراعاة الحصافة والذوق عند استخدام الألفاظ المقترنة اقترانا وثيقا بالحياة الجنسية أو الخطيئة الجنسية.
12-عدم مراعاة قدسية الزواج والقيم المثالية للعائلة أو عرض مشاهد تتنافى مع الاحترام الواجب للوالدين ما لم يقصد بها الموعظة الحسنة.
13-عرض الجريمة بطريقة تثير العطف أو تغرى بالتقليد أو تضفى هالة من البطولة على المجرم أو تهون من ارتكاب الفعل الإجرامي والتقليل من خطورته على المجتمع بحيث يوحى بالمحاكاة.
14-عرض جرائم الانتقام والأخذ بالثأر بطريقة تدعو إلى تبريرها.
15-عرض مناظر القتل أو الضرب أو التعذيب أو القسوة عموما بطريقة وحشية مفصلة، واستخدام الرعب لمجرد الرعب وإخافة الجمهور أو بما يمكن أن يصدم المشاهد.
16-عرض الانتحار بوصفه حلا معقولا لمشاكل الإنسانية.
17-عرض الحقائق التاريخية وخاصة ما يتعلق منها بالشخصيات الوطنية بطريقة مزيفة أو مشوهة.
18-التعريض بدولة أجنبية أو بشعب تربطه علاقات صداقة بجمهورية مصر العربية وبالشعب المصرى، ما لم يكن ذلك ضروريا لتقديم تحليل تاريخى يقتضيه سياق الموضوع.
19-عدم عرض أى موضوعات تمثل جنسا بشريا أو شعبا معينا على نحو يعرضه للهزء والسخرية، إلا إذا كان ذلك ضروريا لإحداث انطباع إيجابى لغاية محددة مثل مناهضة التفرقة العنصرية.
20-عرض المشكلات الاجتماعية بطريقة تدعو إلى إشاعة اليأس والقنوط وإثارة الخواطر أو خلق ثغرات طبقية أو طائفية أو الإخلال بالوحدة الوطنية.
ما هو دور القائمين على الرقابة على المصنفات الفنية؟
طبقا للمادة الثالثة: على القائمين على الرقابة على المصنفات الفنية مراعاة عدم التصريح بالمشاهدة للأحداث الذين تقل سنهم عن 16 عاما، كلما كان العمل الفني منطويا على موضوعات العنف الزائد والجريمة والجنس بطريقة يمكن أن تؤثر على نفسية الحدث بما تولده من شك أو خوف أو إغراء بالتقليد أو زعزعة لثقته فى قيم المجتمع أو إشاعة لروح البأس والتشاؤم، ويحظر حظرا مطلقا التصريح للصغار الذين تقل أعمارهم عن 12 سنة بمشاهدة أفلام العنف والجنس، أو أفلاما تتضمن مشاهد العنف والجنس.
ووفقا للمادة الثامنة من قرار رئيس مجلس الوزراء المصري رقم 162 / 1993 بشأن اللائحة التنفيذية لتنظيم أعمال الرقابة علي المصنفات السمعية، والسمعية البصرية (يلتزم القائمون بالرقابة على المصنفات الفنية عند النظر في طلب الترخيص بأي مصنف مراعاة ألا يتضمن المصنف أو ينطوي على ما يمس قيم المجتمع الدينية والروحية والخلقية أو الآداب العامة أو النظام العام.
ولا يجوز على وجه الخصوص الترخيص بأي مصنف إذا تضمن أمراً من الأمور الآتية:
1 - الدعوات الإلحادية والتعريض بالأديان السماوية.
2 - تصوير أو عرض أعمال الرذيلة أو تعاطي المخدرات على نحو يشجع على محاكاة فاعليها.
3 - المشاهد الجنسية المثيرة وما يخدش الحياء والعبارات والإشارات البذيئة.
4 - عرض الجريمة بطريقة تثير العطف أو تغري بالتقليد أو تضفي هالة من البطولة على المجرم.
دور البرلمان في مسألة الرقابة على المصنفات؟
في منتصف شهر ديسمبر من العام الماضي 2021، تم رفض فكرة الضبطية القضائية لنقابة المهن الموسيقية، والتي قوبلت بعدم الموافقة من مجلس النواب، أو النقاشات الخاصة بالرقابة على السينما والدراما، ما يؤكد أن النقاشات حول قضايا الرقابة على المصنفات الفنية، ما زالت مستمرة في مصر وتطفو على السطح من حين لأخر، وكان أهمها ما أدلى به النائب الفنان يحيي الفخراني، عضو لجنة الثقافة والإعلام والسياحة والآثار، مؤكداً أهمية دور الرقابة والرقيب، وأنه منذ سنوات خرجت موجه تطالب بإلغاء الرقابة وهذا الأمر أثار الخوف لديه بشدة لأن الرقابة تحمى الفنان قبل الجمهور، على حد قوله، وأضاف الفخراني: "الرقيب له دور مهم لحماية الفنان ولكن لابد أن يكون هناك تدقيق لاختيار الرقباء وأن يكون الرقيب مصرى قوى، ويعرف المجتمع بشكل جيد ويعرف الشعب المصري وتقاليده".
لماذا الجدل المستمر والممتد على مر التاريخ الفني حول الفن والرقابة؟
لقد حمل الفن منذ نشأته قوانينه الخاصة التي تصطدم دائماً بقوانين الرقابة بأشكالها المتعددة، سواء دينية أو سياسية أو أخلاقية، والغاية واحدة هي التزام المبدع بما تمليه هذه الرقابة عليه، والسينما من أكثر الفنون شهرة في اصطدامها بالرقابة منذ نشأتها قبل مائة عام، وهناك دائماً ثمة رقابة شئنا أم أبينا سواء كانت رقابة أجهزة أو مؤسسات أو رقابة جماهيرية أو حتى رقابة المبدع ذاته، رقابة تفترض في ذاتها القدرة على الحكم على مستوى العمل الفني، ومدى ارتقائه بالمشاعر والأحاسيس.
وتاريخ الرقابة على المسرح والسينما في مصر يعود إلى بداية القرن العشرين، عندما تعرض المسرح المصري إلى الثورة العرابية التي وقعت أحداثها عام 1881، وانتهت بهزيمة الثورة والاحتلال البريطاني العسكري لمصر، ومنذ استخدام المطبعة العربية في مصر أيام محمد علي كانت هناك رقابة على الكلمة المطبوعة يتولاها محمد علي بنفسه، ويتولاها بعض كبار رجال الدولة، ومنذ استخدام الفيلم السينمائي في العروض العامة خضع للرقابة شأنه في ذلك شأن العروض المسرحية والصحفية والمطبوعات خاصة أثناء العرب العالمية الأولى.
هل يمكن أن تُلغى الرقابة في مصر؟
العمل الفني في مصر يمر بعدة مراحل قبل التصوير لكي يحصل على موافقات كتابية وتصاريح من الرقابة، حيث يتقدم صاحب العمل بكشف أسماء طاقم العمل لغرفة صناعة السينما، ثم كشف أسماء طاقم العمل لنقابة المهن السينمائية، وأن تقوم النقابة بتبليغ جهاز الرقابة على المصنفات الفنية لموافقتها على طاقم العمل، فيما بعد يتنازل كاتب السيناريو عن العمل للمنتج في الشهر العقاري، ويُقدم السيناريو للرقابة على المصنفات، وبعد الحصول على موافقة الرقابة، يتم تبليغ قطاع العلاقات العامة بوزارة الداخلية، وذلك في حالة احتياج الفيلم لتصاريح بالتصوير الخارجي.
على أن تقدم جميع الوثائق الخاصة بالفيلم لوزارة الداخلية، واستخراج تصريح صالح لمدة 20 يومًا قابلة للتجديد وذلك للتصوير الخارجي، وذلك مقابل مبلغ مادي، وفي حالة وجود مواقع تصوير تابعة للدولة يتم استصدار تصاريح من الوزارات المسؤولة عن كل موقع، وبعد الانتهاء من الفيلم، يتم تقديمه للرقابة مرة أخرى لاستخراج تصريح بالعرض العام، حيث تتعالى الأصوات خلال هذه الفترة أن يكون المنع حسب الفئات العمرية، كما حدث العام الماضى في دولة الإمارات.
المنع على حسب الفئات العمرية في دولة الإمارات
يشار إلى أنه في نهاية 2021 اختتمت دولة الإمارات العربية العام الرقابة على الأعمال الفنية من خلال تصنيفات تنبيه المشاهدين على حسب الفئات العمرية، فيما أدرجت تصنيف "+21"، في 19 ديسمبر، عبر تغريدة على تويتر، قال مكتب تنظيم الإعلام في وزارة الثقافة والشباب الإماراتية، إنه أدرج فئة "+21" ضمن فئات التصنيف العمري للأفلام السينمائية، وأوضح المكتب أنه "حسب هذا التصنيف، سيتم عرض الأفلام في دور السينما حسب نسختها الدولية، ويتم منحها التصنيف بناء على معايير المحتوى الإعلامي في الدولة".