انتشرت في بعض المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي "شائعة" بدأ الكثيرون في تداولها ونقلها عن صدور حكم من محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة بمنع السيدات دون الأربعين من الإقامة بمفردهن في الفنادق دون محرم، وقد أثار هذا الأمر ضجة وحالة من اللغط والجدل بين المواطنين وخصوصاً المرأة.
وجاءت العناوين مضللة تماما للرأي العام، حيث إن حقيقة الأزمة المفتعلة أنه كانت هناك دعوى رفعها بعض السيدات أمام محكمة القضاء الإداري يطالبن فيها بإلغاء القرار الصادر عن وزارة الداخلية، والذي يمنع الفنادق من استقبال فتيات / سيدات بمفردهن، وهو الأمر المخالف لنصوص دستورية عدة خاصة بالمساواة ومنع التمييز، فقضت المحكمة منذ يومين بعدم قبول الدعوى - ولابد من قراءة منطوق الحكم بمنتهى الدقة - لأنه قانونا عدم القبول مختلف تماماً عن الرفض وعن التأييد.
حقيقة حكم منع السيدات دون الأربعين من الإقامة بالفنادق بمفردهن
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على كيفية الانتقال بالحكم من خبر إلى "شائعة"، وكيف يكون التلاعب بالألفاظ القضائية والقانونية، حيث إن ما حدث هو أن الحكم صدر بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري، والحكم ليس معناه الإقرار بمنعهن من الإقامة بمفردهن في الفنادق، ولكن يقصد به عدم وجود قرار بمعنهن من الأساس، ومن ثم انتفاء الشروط اللازمة لرفع الدعوي أي أن المحكمة لم تتطرق لموضوع الدعوي من الأساس لعدم وجود قرار بالمنع من الجهات الحكومية، وبذلك فليطمئن جميع المواطنين وخصوصاً المرأة لا يوجد حكم ضدهن بالمنع – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض هانى صبرى.
الفرق بين عدم قبول الدعوى ورفضها
في البداية – يجب أن نعلم أن كثيرا من الألفاظ القانونية تسبب حالة من الخلط لدي المواطنين، لذا وضع القانون اختلافات بين الألفاظ خاصة في الأحكام القضائية، فقد يصدر الحكم بعدم قبول الدعوي وفي حالة أخري يصدر الحكم برفض الدعوي ولا يعرف الكثيرين ماذا يقصد بتلك الألفاظ، السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما الفرق بين الحكم عدم قبول الدعوي والحكم برفض الدعوي؟ - وفقا لـ"صبرى".
1- عدم قبول الدعوى يعد دفع من الدفوع الشكلية، ويجب أن يدفع به المدعى عليه قبل إبداؤه للدفوع الموضوعية وألا سقط حق المدعى عليه في طرحة أمام المحكمة، والحكم بعدم قبول الدعوى تعنى عدم نظر المحكمة لموضوع الدعوى من الأساس، حيث إن عدم قبول الدعوى يفيد وجود خلل فيه، وإذا اقتنع بالحكم المدعي فما عليه سوى إصلاح الخلل وإعادة الدعوى أمام المحكمة، وإذا لم يقتنع يمكنه استئناف الحكم أمام محكمة الاستئناف.
2- أما في حالة رفض الدعوي: إذا قضت المحكمة برفض الدعوى، فهذا يعني أن المحكمة بحثت في موضوع الدعوي وتبين عدم أحقية المدعي في ادعائه وأنه لم يثبت حقه في الدعوي ولَم يستطيع المدعي إثبات دعواه، ولا يجوز معه رفع ذات الدعوي بذات الطلبات وإلا دفع فيها بعدم جواز نظر الدعوي لسابقة الفصل فيها، وليس أمامه إلا استئناف الحكم إذا كانت المدة تسمح.
وزارة الداخلية تدحض الشائعة بالمستندات
ويضيف الخبير القانوني: يجب أن نعلم أنه يوجد إقرار صادر عن وزارتا الداخلية والسياحة يفيد عدم إصدارهما أي قرار أو تعليمات تحول دون تسكين أي سيدة أو فتاة بمفردها، وهذا مستند هام للغاية بأوراق الدعوي يؤكد حقها في الإقامة بمفردها بحرية كاملة، وأنه لم يصدر أي قرار أو توجيه بمنعهن من الإقامة دون مرافق من الأقارب، ونطالب النساء بالتقدم بالبلاغات ضد الفنادق التي تمنع إقامتهن إن حدث ذلك، وفِي حالة حدوث أي تمييز ضد النساء يعد انتهاكًا صارخاً للدستور والقانون وتشكل جرائم اعتداء على الحقوق الدستورية للمرأة وجرائم تمييز لا تسقط بالتقادم.
وتنص المادة 11 من الدستور المصري الحالي تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع المجالات دون تمييز بسبب الجنس أو لأي سبب آخر، وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل، كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية لها.
كما تنص المادة 53 من الدستور حظر التمييز بأشكاله وأن التمييز والحض علي الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كل أشكال التمييز، ونصت أيضاً المادة 62 من الدستور علي حرية التنقل والإقامة – الكلام لـ"صبرى".
والخلاصة:
ببساطة عدم القبول لأي دعوى معناه أن المحكمة وجدت انتفاء شرط من الشروط اللازمة لرفع تلك الدعوى، يعني لا علاقة له بوجود الحق أو نفيه، وإنما فقط خاص بشروط رفع الدعوى "مثل شرط الصفة أو المصلحة من الدعوى"، وغيرها من الشروط التي تختلف باختلاف الدعوى المنظورة.
ما سبب صدور الحكم بعدم قبول الدعوى المشار اليها؟
السبب ببساطة أن المدعى عليه "وزارة الداخلية" قدمت رسمياً للمحكمة ما يؤكد عدم وجود أي قرار إداري صادرعن وزارة الداخلية يمنع أي فتاة / سيدة من حجز أي غرفة بأي منشأة سياحية، ولما كانت الدعوى هنا تنصب على طلب المدعين إلغاء القرار الإداري الصادر عن وزارة الداخلية في هذا الشأن، وتبين للمحكمة انتفاء القرار الإداري، أصلاً، ومن ثم فلا مجال للدعوى لأنها تطعن على قرار غير موجود، ومن ثم قضت بعدم قبول الدعوى لانعدام القرار الإداري المطعون عليه أصلاً.
ماذا نفهم من ذلك؟
1- أن الحكم لم يتطرق على الإطلاق لأي شرط خاص بالمرأة فيما يخص حجز الغرف الفندقية.
2- أنه لا وجود أصلاً لهذا الشرط وبالإفادة الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية ذاتها ويحق لأي فتاة / سيدة الإقامة في أي منشأة فندقية بنفس المعايير المطبقة على كافة النزلاء دون تمييز، والمنشأة التي تمتنع عن ذلك تعد مخالفة للقانون.
3- قد يثور تساؤل هنا، ما سبب رفع الدعوى إذا كان القرار نفسه غير موجود؟، الحقيقة هذا إن دل فإنما يدل على أحد احتمالين، إما أنه لم يكن هناك قرار، ولكن كانت تعليمات شفهية لا تستند لأي سند تشريعي، أو أن بعض الفنادق كانت تجتهد "برمي العباءة الأخلاقية" من تلقاء نفسها في هذا الخصوص، وهو أيضاً مخالف للقانون.
ملحوظة هامة:
حضرتك تقدري تروحي تحجزي أي غرفة في أي منشأة سياحية وفق الشروط العامة للحجز وأي منشأة ستمتنع عن تنفيذ طلبك بسبب أن حضرتك امرأة أقل من 40 سنة ولوحدك تقدري تعملي فوراً محضر إثبات حالة، وتتخذي ضدها كافة الإجراءات القانونية، وبناء عليه ناشد الخبراء القانونيين والدستوريين كافة الجهات المعنية بإصدار تعليمات للفنادق بكل أشكالها ودرجاتها بقبول إقامة النساء دون أي تمييز عن الذكور وإلغاء كل العراقيل إن وجدت، والمطالبة بتحري الدقة فيما يتم نشره حفاظاً علي سلامة المجتمع، كما ناشدوا مجلس النواب استصدار مشروع قانون إنشاء مفوضية عدم التمييز المنصوص عليها في المادة 53 من الدستور الحالي.