الأهلية تدور مع التمييز وجودًا أو عدمًا وتمامًا ونقصانًا، فإذا كان التمييز تاما كانت الأهلية تامّة، وإذا كان التمييز ناقصًا فالأهلية هي الأخرى ناقصة، وإذا كان منعدم الأهلية فالأهلية هي الأخرى معدومة، وعليه قد يبلغ الإنسان سن الرشد تامَ التمييز، ولكن يطرأ على تمييزه ما يخل به، فتختل تبعًا لذلك أهليته، وهنا ما يطلق عليها عوارض الأهلية، وهناك حالة قد تطرأ على الإنسان ولكنها لا تخل بتمييزه، بل تمنعه فقط من التعبير عن إرادته، ففي هذه الحالة تعين المحكمة وصيًّا عليه، كما هو الحال مع الشخص الأصم أو الأبكم أو الأعمى، حيث يتعذر عليه التعبير عن إرادتِه، فيجوز للمحكمة أن تنصب عليه وصيًّا، وتحدد تصرفات هذا الوصي.
تجدر الإشارة إلى أن هنالك حالات قد تطرأ على الإنسان فلا تؤثر على تمييزه، أو قدرته على التعبير، ولكنها تمنعه من إدارة شؤونه، ففي هذه الحالة تتولى المحكمة تنصيب قيم عليه، مثالها الشخص الغائب غيبة منقطعة، وحالة المحكوم عليه بعقوبة جنائية، وعلى هذا الأساس، ولما كان مناط الأهلية التمييز، فهي تتأثر بالسن دائمًا، وقد تتأثر بعوارض تقع أو لا تقع وهي حالة الجنون أو العته أو الغفلة أو السفه.
كيف تعامل القانون مع المسجون والمجنون والسفيه من الناحية المالية؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكاليات متعددة في غاية الأهمية تتعلق بأهلية التعاقد وعوارض الأهلية العقلية والصحية التي تؤثر على تمييز الإنسان، وقراءة قانونية وفقهية في ضوء أحكام الأهلية في القانون المدني المصري، حيث تنقسم الأهلية إلى نوعان، أهلية وجوب وهى صلاحية الشخص لكسب الحقوق والتحمل بالالتزامات، وأهلية أداء وهى صلاحية الشخص لأن يباشر بنفسه التصرفات القانونية التي يكون من شأنها أن ترتب تلك الحقوق والالتزامات أي صلاحية الشخص لصدور التصرف القانوني منه على وجه يعتد به القانون، وأهلية الأداء هي اللازمة لإبرام التصرفات القانونية أي أنها أهلية التعاقد، وقد نظم المشرع أحكام الأهلية بقواعد آمرة لأنها تعتبر من المسائل المتعلقة بالنظام العام، ومن ثم لا يجوز تعديلها أو مخالفتها – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض علاء العيلى.
في البداية - كل شخص أهل للتعاقد، ما لم تسلب أهليته، أو يُحدّ منها بحكم القانون فحالة التمييز لدى الشخص تتأثر بسنه فتمييزه يتدرج بتدرج سِنه، كما تتأثر حالة التمييز بحالة الإنسان العقلية والصحية فقد يبلغ الشخص سن الرُشد – الذي يتوافر عنده التمييز الكامل فى العادة أو هكذا يفترض القانون – ولكن يلحقه عارض عقلي أو صحي يؤثر على تمييزه وهذه هي عوارض الأهلية، وقد يكتمل تمييز الشخص، ولكن يلحقه مانع يمنعه من القيام بنفسه بالتصرفات وهذه هي موانع الأهلية، وقبل الخوض في الحديث يجب التطرق لعدة أمور كالتالي:
أولاً: تعريف الاهلية لغةً واصطلاحاً:
لغةً: الأهلية في اللغة هي الصلاحية والجدارة والكفاية لأمر من الأمور، فالأهلية للأمر هي الصلاحية له، يقول الله تعالى في حق المؤمنين: "وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهله" - سورة الفتح آية 26 - وقول سبحانه وتعالى: "هو أهل التقوى وأهل المغفرة" - سورة المدثر 56 - أما اصطلاحا: هي صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات، ومباشرة التصرفات القانونية التي يكون من شأنها إن تكسبه حقاً، أو تُحمِله التزام على وجه يعتد به قانوناً – وفقا لـ"العيلى".
ثانياً: تقسيم التصرفات القانونية من حيث أهلية الاداء
1-تصرفات نافعة نفعاً محضاَ مثل قبول الهبة
2-تصرفات ضارة ضرراً محضاً مثل الوصية بالنسبة للمُوصي والإبراء من الدين بالنسبة للدائن.
3-تصرفات تدور بين النفع والضرر.
ثالثاً: أنواع الأهلية:
وتنقسم الأهلية كما ذكرنا إلى: أهلية وجوب، وأهلية أداء، وكل منهما إما ناقص، وإما كامل، فالأقسام أربعة:
1-أهلية الوجوب الناقصة: وهي صلاحية الإنسان لأن تكون له حقوق، ولكن لا يصلح لثبوت الواجب عليه، مثل أهلية الجنين، فهي ثابتة له في بطن أمه، وبها يكون أهلاً لاستحقاق الإرث والوصية.
2-أهلية الوجوب الكاملة: وهي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق له، وثبوت الواجب عليه. وهذه الأهلية تثبت للإنسان من ولادته إلى موته، فيرث ويورث، وتجب له النفقة كما تجب في ماله.
3-أهلية الأداء الناقصة: وهي صلاحية الإنسان لصدور بعض التصرفات دون بعض، ومناط هذه الأهلية هو التمييز حتى يبلغ الانسان عاقلا.
4-أهلية الأداء الكاملة: وهي صلاحية الإنسان لصدور الأفعال منه على وجه يُعتَدّ به شرعا، وتثبت هذه الأهلية للبالغ الرشيد؛ فيكون صالحا لإبرام جميع التصرفات من غير توقف على إجازة غيره.
رابعاً: تدرج الأهلية بحسب السن
قسم المُشرع المصري حياة الإنسان فيما يتعلق بأهلية الأداء الى ثلاث مراحل:
-المرحلة الاولي: "الصبي غير المميز"
وهي تبدأ من الميلاد حتى سن التمييز وهي 7 سنوات.
وفي هذه المرحلة يكون الشخص فاقد التمييز، وبالتالي فاقد الأهلية، ولذلك يسمي عديم الأهلية وتكون جميع تصرفاته باطلة.
-المرحلة الثانية "الصبي الممـيز"
وهي تبدأ من سن التمييز إلى سن الرُشد، وهي الحادية والعشرين ويكون الصبي فيها ناقص الإدراك وبالتالي ناقص الأهلية.
-المرحلة الثالثة: "البالغ الرشيد"
وتبدأ من بلوغ الشخص سن الرشد وهي "إحدى وعشرين سنة ميلادية" وتنتهي بالوفاة، فاذا بلغ الشخص تلك السن أصبح بقوة القانون أي دون الحاجة صدور قرار بذلك من أي جهة كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية، بحيث تقع جميع تصرفاته صحيحة ولو كانت من التصرفات الضارة ضرراً محضاً، ولكن يشترط للتمتع بالأهلية الكاملة أن يبلغ الشخص سن الرشد متمتعاً بقواه العقلية.
خامساً: عوارض الأهلية لغة واصطلاحا
لغةً: العوارض جمع عارض والعارض بالفتح ما يعرض للإنسان من مرض ويقال اعترض الشيء دون الشيء أي حال دونه.
اصطلاحا: العوارض هي أمور تطرأ على الإنسان فتؤثر في أهليته بالزوال أو بالنقصان، وهي ليست من الصفات الذاتية له.
تقسيمات عوارض الأهلية:
العوارض هي الأمور المنافية للأهلية، وهي ليست من لوازم الإنسان، ولا يتسنى الوقوف على طبيعة عوارض الأهلية إلا على أساس معرفة الأهلية ذاتها، ولما كانت الأهلية صفة يتصف بها الشخص تجعله صالحاً، لأن يباشر تصرفاته على وجه يعتد بها شرعاً نظراً لاكتمال تمييزه عن عقل ورشد، لذلك يلزم أن يكون العارض مُؤثراً في هذه الصلاحية، ولذلك يلحق بالشخص وصف انعدام الأهلية أو نقصها بسبب هذا الأمر الذي أثر في تمييزه ورشده.
-قسم يؤثر على الأهلية بنوعيها "الوجوب والأداء"، فيزيلها كالموت فإنه يقضي على خاصية الإنسان أي يقضي على أهليته.
-وقسم لا تأثير له على أهلية الوجوب، وإنما يؤثر على أهلية الأداء بالعدم أو بالنقصان مثل الجنون والسكر، وكل من المجنون والسكران معدوم أهلية الأداء، وقد يؤدي العارض إلى نقص أهلية الأداء كما في الصبي المميز والسفيه.
عوامل أخرى التي تتأثر بها الأهلية غير السن
عوارض الأهلية
1-المجنون:
نصت المادة 113 من القانون المدني الجديد على أن: "المجنون والمعتوه وذا الغفلة والسفيه تَحجر عليهم المحاكم، وترفع الحجر عنهم، وفقاً للقواعد والإجراءات المقررة في القانون"، والقانون المقصود هنا هو قانون المحاكم الحسبية، وقد قضت المادة 42 منه بأنه: " يُحكم بالحجر إلى البالغ للجنون أو للعته أو للغفلة أو للسفه، ولا يُـرفع الحجر إلا بحكم"، فالمجنون تحجر عليه المحكمة وتـنـصب له قيماً، إلا إذا كان قد حُكم باستمرار الولاية أو الوصاية عليه قبل بلوغه سن الرشد أو بلوغ هذه السن مجنوناً فتبقى ولاية وليه أو وصيه، وأهلية المجنون معدومة لأنه فاقد التمييز، وتصرفاته القانونية تقع باطلة لانعدام الإرادة.
وإلى هذا تشير المادة 114 من القانون المدني الجديد إذ تنص على ما يأتي:
أ - يقع باطلا تصرف المجنون والمعتوه، إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار الحجر".
ب - أما إذا صدر التصرف قبل تسجيل قرار الحجر فلا يكون باطلا إلا إذا كانت حالة الجنون أو العته شائعة وقت التعاقد، أو كان الطرف الآخر على بينة منها.
فالمجنون تصرفاته بعد تسجيل الحجر باطلة، وتصرفاته قبل تسجيل الحجر صحيحة ما دامت حالة الجنون غير شائعة وغير معروفة من الطرف الآخر، فإذا شاعت أو عرفها الطرف الآخر كان التصرف باطلا، وولاية القيم على المجنون كولاية الوصي على الصغير، يُـباشر القيِّـم وحده من التصرفات ما يباشره الوصي وحده، ويستأذن المحكمة في التصرفات التي يستأذن فيها الوصي، ولا يستطيع مباشرة التصرفات التي لا يستطيع مباشرة التصرفات التي لا يستطيع مباشرتها الوصي، وكالقيم على المجنون وصيه، أما الولي على المجنون فمثل الولي على الصغير من حيث سعة الولاية.
حُكم تصرفات المجنون في الشريعة الإسلامية:
يقول رسول الله صلى الله علية وآله وسلم "رُفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يحتلم، والنائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق " - صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - ومعنى رفع القلم أي رفع الإثم والمحاسبة عن هؤلاء الثلاثة فلا يؤاخذون ما داموا في هذه الحالة لأنهم غير مُكلفين فإذا ارتكبوا شيئاً فيه اعتداء على الآخرين كإتلاف المال وإتلاف شيء من الأنفس فإنهم يغرمون المال الذي أتلفوه وكذلك لو قتلوا نفساً في هذه الحالة فإنه يعتبر هذا من قتل الخطأ فتجب عليهم الكفارة والدية على العاقلة لأن حقول الآدميين لا تسقط بذلك لأن مبناها على المشاحة، وأما حقوق الله سبحانه وتعالى فمبناها على المسامحة.
ويرى أصحاب المذهب الحنفي أن: المجنون هو الذي سُلب عقله فلا يعقل شيئا أصلا ولا يفيق بحال. أما الذي يعقل بعض الأشياء دون بعض ويكون قليل الفهم مُختلط الكلام فاسد التدبير إلا أنه لا يشتم ولا يضرب فإنه يُسمى معتوهاً، أما المجنون الذي يفيق أحيانا بحيث يزول ما به بالكلية فإنه في حال إفاقته يكون كالبالغ العاقل فلا يُحجر عليه وينفذ تصرفه في هذه الحالة.
حكم المجنون الذي لا يعقل أصلاً هو كحكم الصبي الذي لا يميز في جميع ما تقدم فكل تصرفاته تقع باطلة سواء كانت نافعة أو ضارة أو غيرهما، أما المعتوه فإنه كالصبي المُـميز في تصرفاته وقد عرفت أنه إن تصرف تصرفاً نافعا محضا كقبول هبة من الغير نفُـذ تصرفه بدون توقف على إجازة الولي، وإن تصرف تصرفاً ضار ضرراً محضا كطلاقه لامرأته وإقراضه ماله أو هبته لغيره لا ينفـُذ ولو أجازه الولي، وإن تصرف في شيء يَحتمِـل النفع والضرر عادة كالبيع والشراء فإنه ينعقد موقوفا على إجازة الولي فللولي أن يجيزه وله أن يرده.
أحكام القانون طبقاً لما أورده المُشرع:
وفقاً لنص المادة 114 من القانون المدني المصري أنه: "يقع باطلاً تصرف المجنون والمعتوه إذا صدر التصرف بعد تسجيل قرار الحجر، أما إذا صدر التصرف قبل تسجيل قرار الحجر، فلا يكون باطلاً إلا إذا كانت حالة الجنون أو العته شائعة وقت التعاقد أو كان الطرف الآخر على بينة منها، ويؤخذ من ذلك وجوب تسجيل قرار الحجر، وبطلان ما يقع بعد ذلك من تصرفات من المجنون أو المعتوه ولا فرق في ذلك بين ما إذا كانت حالة الجنون أو العته شائعة وقت التعاقد أو غير شائعة، معلومة للطرف الآخر أو غير معلومة، ولا بين ما إذا كان العته يذهب التمييز أو لا يذهب به مادام قرار الحجر لم يبين ذلك، وقد أجازت المواد 1026 وما بعدها من قانون المرافعات المصري طلب الحجر ورتبت عليه إمكان الاحتجاج على الغير بقرار الحجر من وقت تسجيل الطلب.
رأي محكمة النقض المصرية
قضت محكمة النقض بما يتفق ونصوص هذه المواد - ولكن فى شأن التصرفات السابقة على تسجيل قرار الحجر، أو على تسجيل طلب الحجر إن كان قد سجل، فيشترط في بطلانها ثبوت حالة الجنون أو العته الذي يذهب بالتمييز وقت التعاقد وذيوع هذه الحالة أو علم الطرف الآخر بها، ويكتفي بثبوت أحد هذين الأمرين لإبطال التصرف، ولا يشترط ـ كما هو الحال بالنسبة للسفيه وذي الغفلة ـ كون التصرف نتيجة استغلال أو تواطؤ، وذلك طبقا للحكم المقيد برقم 13 لسنة 45 قضائية.
3-المعتوه:
المعتوه كالمجنون يُـحجر عليه وينصَّب له قيِّٕم إذا لم يكن له ولى أو وصى والقيم على المعتوه ووليه ووصيه كالقيِّـم على المجنون ووليه ووصيه من حيث مدى الولاية، أما المعتوه نفسه فقد يكون غير ممَيز فتكون أهليته معدومة، شأنه في ذلك شأن الصغير غير المُـميـز والمجنون، وقد يكون ممـيـِّزاً فتكون عنده أهلية الصبي المـميز وقد سبق بيان ذلك.
4-ذو الغفلة والسفيه:
الفقرة الأولى من المادة 115 من القانون المدني الجديد نصت على أنه: "إذا صدر تصرف من ذى الغفلة أو من السفيه بعد تسجيل قرار الحجر سري على هذا التصرف ما يسري على تصرفات الصبي المُـمَـيِّز من أحكام"، ويتضح من ذلك أن ذا الغفلة والسفيه يحجر عليهما وينصب لهما قَيم، وتكون أهليتهما بعد تسجيل قرار الحجر ناقصة كأهلية الصبي المميز، فتثبت لهما أهلية الاغتناء، وتتقيد أهلية الإدارة وأهلية التصرف بالقيود التي سبق ذكرها في الصبي المُـمَـيِّز، وتنعدم أهلية التبرع.
واستثنى في أهلية التصرف نوعان من التصرفات هما الوقف والوصية، فهذان يكونان صحيحين إذا صدرا من السفيه أو ذى الغفلة وأذنته المحكمة فيهما، حيث ورد هذا الاستثناء بحكم الفقرة الأولى من المادة 116 إذ تنص على أن: " يكون التصرف المحجور عليه لسفه أو غفلة بالوقف أو بالوصية صحيحاً متى أذنته المحكمة في ذلك ".
هل يجوز للمحجور عليه للسفه أو الغفلة أن يتسلم أمواله كلها أو بعضها؟
كذلك يجوز للمحجور عليه للسفه أو الغفلة أن يتسلم أمواله كلها أو بعضها لإدارتها على النحو الذي رأيناه في الصبي المميز الذي بلغ الثامنة عشرة وفي الحدود التي سبق ذكرها هناك، وإذا كانت الفقرة الثانية من المادة 116 مقصورة في هذا الصدد على السفيه، إذ تنص على أن: "تكون أعمال الإدارة الصادرة من المحجور عليه لسفه المأذون له بتسلم أمواله صحيحة في الحدود التي رسمها القانون"، فإن المادة 43 من قانون المحاكم الحسبية تشمل كلا من السفيه وذى الغفلة إذ تنص على أنه: "يجوز للمحجور عليه للسفه أو الغفلة أن يقف أمواله أو يوصى بها متى أذنته المحكمة بذلك ، وكذلك يجوز له بإذن من المحكمة أن يتسلم أمواله كلها أو بعضها لإدارتها، فإذا أذنته المحكمة بذلك سرت عليه أحكام المواد 3و 4 و 5 من هذا القانون.
هذا هو حكم تصرفات السفيه وذي الغفلة بعد تسجيل قرار الحجر، أما التصرفات الصادرة قبل تسجيل قرار الحجر فهي في الأصل صحيحة، لأن انتقاص الأهلية لا يثبُـت إلا بالحجر، وهذا هو رأي الإمام أبي يوسف، خلافاً لرأي الإمام محمد الذي يذهب إلى أن الحجر للسفه يثبت بقيام السبب نفسه لا بحكم القاضي، ولا يسري الحجر في حق الغير إلا من وقت تسجيل القرار الصادر به وفقاً للمبادئ العامة، ولا يَحتج الغير بعدم علمه بالحجر متى كان القرار مُسجلا.
حالة التواطؤ وحالة الاستغلال لعديم الاهلية
لكن يقع كثيرا أن السفيه أو ذا الغفلة يتوقع الحجر عليه فيعمد إلى تبديد أمواله بالتصرف فيها إلى من يتواطأ معه على ذلك، أو أن ينتهز الغير هذه الفرصة فيستصدر منه تصرفات يستغله بها ويبتز أمواله، ففي هاتين الحالتين "حالة التواطؤ وحالة الاستغلال" يكون تصرف السفيه أو ذى الغفلة باطلاً إذا كان من أعمال التبرع، أو قابلاً للإبطال إذا كان من أعمال التصرف أو أعمال الإدارة، وهذا ما استقر عليه القضاء المصري في ظل القانون القديم، وأكده القانون الجديد في الفقرة الثانية من المادة 115 إذ تنص على ما يأتي : "أما التصرف الصادر قبل تسجيل قرار الحجر فلا يكون باطلا أو قابلا للإبطال إلا إذا كان نتيجة استغلال أو تواطؤ.
ويُـنصب القَـيم على السفيه وذي الغفلة على النحو الذي يُـنصَّب به القَـيم على المجنون والمعتوه أو يُعيَّن به الوصى على القاصر، ولا تستمر الولاية أو الوصاية على القاصر إذا بلغ سفيها أو ذا غفلة، بل يجب الحجر عليه ونصب قيم له كما قدمنا، وولاية القَـيِّـم على مال السفيه وذى الغفلة كولايته على مال المجنون والمعتوه وكولاية الوصي على مال القاصر، وقد تقدم ذكر ذلك.
سادساً: حالات تلحق بالأهلية – الغائب والمحكوم عليه بعقوبة جناية
يوجد حالتان تلحقان عادة بالأهلية، ولكنهما لا يتصلان بها إلا من حيث مظاهر الحَجر وإقامة نائب عن المحجور، وهما حالتا "الغائب والمحكوم عليه بعقوبة جناية":
الحالة الأولى: الغائب وردت بنص المادة 50 من قانون المحاكم الحسبية والتى تقرر بأن الغائب: "هو كل شخص كامل الأهلية لا تـُعرف حياته أو مماته، أو تكون حياته مُحققة ولكنه هجر موطنه راضياً أو مُرغماً وحالت ظروف قاهرة دون إدارته شؤونه بنفسه أو بوكيل عنه مدة أكثر من سنة، وترتب على ذلك أن تعطلت مصالحه أو مصالح غيره".
ومن قراءة النص يتضح أن الغائب شخص كامل الأهلية كما هو صريح النص، ولكن الضرورة قضت بإقامة وكيل عنه يدير شؤون حتى لا تتعطل مصالحه ومصالح الناس، ويُـلاحظ أن المُشرع استعمل لفظ "الغائب" لا لفظ "المفقود" لأن اللفظ الأول ينطوي على معنى أعم من المعنى الذي ينطوي عليه اللفظ الثاني، فالمفقود في الشريعة الإسلامية هو من يختفى بحيث لا يعرف أحيٌّ هو أم ميت، أما الغائب فهذا وغيره ممن تكون حياته محققة ولكنه بعد عن موطنه بحيث لم يعد يستطيع أن يدير شؤونه بنفسه.
المادة 51 من قانون المحاكم الحسبية
وقد قضت المادة 51 من قانون المحاكم الحسبية بأنه: " إذا ترك الغائب وكيلاً عاماً تحكم المحكمة بتثبيته متى توافرت فيه الشروط الواجب توافرها في الوصي، وإلا عينت غيره"، كما قضت المادة 53 من هذا القانون بأن: "يسري على الوكيل عن الغائب حكم المادة 33 من هذا القانون، وفيما عدا ما استـُثني بنص صريح في هذا الفصل يسري على الغيبة ما يسرى على الوصاية من أحكام أخرى"، كما قضت المادة 52 من القانون ذاته بأن: "تنتهي الغيبة بزوال سببها أو بموت الغائب أو بالحكم من جهة الأحوال الشخصية المختصة باعتباره ميتاً وفقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 52 سنة 1929".
الحالة الثانية: المحكوم عليه بعقوبة جناية فتقضى أحكام قانون العقوبات بأن: "يكون محجوراً عليه مدة تنفيذ العقوبة، ويختار قَـيِّـما تصد عليه المحكمة، أو يُـعين القـيم المحكمة المدنية الكلية التي يقع في دائرتها محل إقامته إذا لم يختر أحداً، ويتولى القَـيِّم إدارة ماله، أما أعمال التصرف فلا بد فيها من إذن المحكمة المدنية وإلا كانت باطلة، وعلى ضوء ذلك فإن الحَـجر على المحكوم عليه لا يرجع لنقص أهليته، فهو كامل الأهلية لأنه كامل التمييز وإنما وقع الحجر عليه لاستكمال العقوبة من جهة، وللضرورة من جهة أخري.
الخبير القانونى والمحامى بالنقض علاء العيلى