"الإغتصاب الزوجى".. مصطلح ما إن أتى ذكره حتى أثار جدلا كبيرا سياسيا ودينيا، وهى القصة التى تتكرر بين حين وآخر عندما يطالب البعض بتشريعات تحمى المرأة من ممارسة العلاقة الحميمية مع زوجها دون موافقتها.
فى تلك المرة انطلق الجدل من الهند حيث سيطرت قضية تجريم الأغتصاب الزوجى على المناقشات بين الحكومة والبرلمان، ففى حين يضغط الآخير لتجريم الأمر، ترفض الحكومة وتعتبره اتباع أعمى للغرب، حتى وصل الأمر لساحات القضاء، حيث تنظر محكمة دلهي العليا في قضية اغتصاب زوجي نتيجة ضغط من قبل الحرية المدنية والجماعات الناشطة للاعتراف بالاغتصاب الزوجي كجريمة.
و قالت الوزيرة النقابية لتنمية المرأة والطفل فى الهند سمريتي إيراني خلال جلسة الميزانية للبرلمان في نيودلهي يوم الأربعاء :"إن حماية النساء والأطفال هي أولوية، لكن إدانة كل زواج على أنه عنيف وكل رجل مغتصب لا ينصح به".
كما أقرت الوزيرة في ردها الكتابي على النائب بأن التقرير رقم 146 للجنة البرلمانية الدائمة للشؤون الداخلية أوصى بأن نظام العدالة الجنائية الهندي يحتاج إلى مراجعة شاملة. وجاءت تصريحات الوزيرة الهندية رداً على استفسار تكميلي من الحزب الشيوعي الهندي وعضو البرلمان بينوي فيسوام حول جهود الحكومة لحماية النساء والأطفال، وقالت إيراني: "إدانة كل زواج في هذا البلد باعتباره زواجًا عنيفًا وإدانة كل رجل في هذا البلد باعتباره مغتصبًا ، لا ينصح به في هذا البيت المهيب".
وسعى الزعيم اليساري في البرلمان الهندى بينوي فيسوام إلى معرفة ما إذا كانت الحكومة قد أحاطت علما بالقسم 3 من قانون العنف الأسري لعام 2005 - الذي يصنف العنف الأسري كعنف عاطفي أو عقلي أو جنسي أو مالي، في حين أن المادة 2 من المادة 375 من قانون العقوبات الإسلامي يلغي تجريم الاغتصاب الزوجي ويفرض أن الجماع الجنسي من قبل الرجل مع زوجته، التي لم تكن الزوجة أقل من 15 عامًا لا يعتبر اغتصابًا.
وقالت الحكومة الهندية إن تجريم بعض الدول الغربية لما يسمى "الاغتصاب الزوجي" لا يعني أن نتبعها "كالعميان"، وحسب مذكرة أرسلتها الحكومة الهندية إلى محكمة دلهي العليا، ونشرها موقع صحيفة هندوستان تايمز، فقد رفضت أن تنساق المحكمة خلف تلك الدعاوى، مشددة على أن "الهند لديها مشاكلها الفريدة الخاصة بها بسبب عوامل مختلفة، وينبغي النظر فيها بعناية قبل تجريم ما يسمى "الاغتصاب الزوجي".
وهذه ليست المرة الأولى التى يُثير فيها مصطلح "الأغتصاب الزوجى" أزمات داخل أروقة البرلمانات، فهذا المصطلح حديث نسبيا حيث عرفته الدول الغربية فى سبعينيات القرن الماضى، وعلى الرغم من الجدل الدينى المسيحى الذى أثارته إلا أن الدول الأوروبية وأمريكا بدأت فى إصدار قوانين تشتمل على تعريف للجريمة وإقرار عقوبات رادعة ضدها.
وأصدرت فرنسا فى عام 2010 قانون يسمح لقاضي شؤون الأسرة بأن يصدر على وجه الاستعجال أمرا بالإبعاد المكاني للزوج المعتد على زوجته في ثلاث جنح من ضمنها الاغتصاب الزوجي.
وفى أمريكا منذ عام 1993، شرعت خمسين ولاية قوانين ضد الاغتصاب الزوجي مساوية بالاغتصاب من غير الزوج في بعض الولايات، وفقا لتقرير الحرة الأمريكية، وكانت ولاية مينيسوتا الأمريكية آخر ولاية أصدرت قانونا واضحا من تجريم المعاشرة الجنسية بالإكراه بين الأزواج أو الرفقاء، وذلك فى العام 2019.
وعدّلت الحكومة الألمانية في مارس2016 قانون عقوبات الجـرائم الجنـسية؛ بناءً على إرسالية وزارة العدل الألمانية، ووفق التعديل القانوني الجديد فإن مجرد التعبير عن الرفض لفظياً بكلمة لا، يكفي للتعبير عن رفض الضحية للجنـس وعدم الاقتراب منها.
وتعتبر الدانمارك من أحدث دول أوروبا التى عدلت قوانينها لتشمل الاغتصاب الزوجى، ودخل قانون الاغتصاب الدانماركى الجديد حيز التنفيذ فى بداية العام 2021، حيث ينص على تجريم إقامة العلاقة الجنسية بين الزوجين دون موافقة صريحة من المرأة بشكل كامل "إذن كتابى".
وقد وسّع قانون الاغتصاب، من حماية المرأة بحيث استبعد من شروطه تقديم الضحية دليلًا حول العنف أو التهديد، ما يسهّل عليها مقاضاة الجاني، علمًا أنّه يجرّم الاغتصاب الزوجي بشكل واضح، وحمل التعديل الأخير مرونة أكبر لتستطيع المرأة التقدم بدعوى في حال قيامها بعلاقة جنسية دون رضاها.
وتختلف العقوبات فى جرائم الاغتصاب الزوجى من دولة إلى آخرى وفقا للقوانين الوطنية، وتصل أحكام الإدانة في بعض الدول إلى السجن المؤبد مثل المملكة المتحدة، وكوريا الجنوبية، فيما تصل أحكام السجن في بعض الدول إلى أربعين عاماً، مثل الفلبين، أما في معظم الدول فقد تصل العقوبة في أقصى الأحكام إلى 15 أو 20 عاماً، مثل الأرجنتين، والدنمارك، وألمانيا، واليونان، وتشيلي، والبوسنة والهرسك، وأيرلندا.
ورغم أن الدول العربية توسعت فى تشديد عقوبة الاغتصاب عموما خلال السنوات الآخيرة من خلال تعديلات تشريعية، إلا أن أى منها ضمنت مصطلح "الاغتصاب الزوجى" فى تشريعاتها، وهو الأمر الذى يُثير خلافا مجتمعيا وجدلا دينيا كلما تم طرحه للنقاش.
وكانت لبنان أول دولة عربية تصدر قانونا للقضاء على العنف الأسري، في عام 2014، شمل في مسودته الأولى نصا يتعامل مع "الاغتصاب الزوجي"، إلا أنه لاقى إدانات واسعة من بعض القادة الدينيين المسلمين والمسيحيين، حتى حُذفت تلك المادة.