دعما من المجلس النيابى لحل أزمة الانفجار السكانى وبحث حلول عاجلة لها، ينظر مجلس الشيوخ برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، اليوم الاثنين، أول دراسة من نوعها تحت القبة بشأن النمو السكانى وتنمية الأسرة فى ضوء تقرير لجنة الصحة والسكان ومكتب لجنة حقوق الإنسان والتضامن الاجتماعى للدراسة ومقدمة من النائبة سهير عبد السلام، والتى استغرقت مناقشتها (21) اجتماعا على مدار شهرين ونصف الشهر فى حضور الحكومة من الوزراء ونوابهم فضلا عن ممثلى الهيئات المستقلة والكنيسة والمجلس القومى للسكان.
وأكدت اللجنة البرلمانية، أن المشكلة السكانية من أخطر التهديدات التى تواجه الأمن القومى المصرى لما لها من تأثيرات مباشرة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية على حد سواء، ولكونها عاملا سلبيا مباشرا على الجهود الكبيرة التى تبذلها القيادة السياسية فى تنمية موارد الدولة.
وانتهت اللجنة إلى توصيه هامه مفادها، إنشاء هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفنى والمالى والإدارى، تتبع رئيس الجمهورية تحت مسمى (الهيئة القومية للسكان وتنمية الأسرة)، لضمان منحها عوامل القوة والاستقلال واستقرار، وتحل الهيئة محل المجلس القومى للسكان، وغيره من الجهات والكيانات الإدارية ذات الاختصاص فى مجال السكان.
يأتى ذلك بعد بحث متأن للدراسة المقدمة والتى تناولت بشكل تفصيلى الأسباب الحقيقية التى أدت إلى تفاقم هذه المشكلة خلال العقود الماضية وآثارها السلبية على الدولة والمجتمع والفرد فضلا عن الجهود المبذولة للتغلب عليها، ومقارنتها بتجارب دول أخرى حققت نجاحات ملحوظة فى السيطرة على المشكلة السكنية بأساليب مختلفة، وكذا تضمنت إجراء تحليل رباعى (SWOT Analysis) للوقوف على عوامل القوة والضعف والفرص المتاحة والتهديدات المحتملة للوضع السكانى فى مصر وكيفية وضع خطة العمل المؤثرة انطلاقا من رؤية مصر 2030 التى تعتمد على عدة محاور منها المحور الصحى، ومواجهة الفقر، والأمية، والبطالة والتحول الرقمى، بالإضافة إلى دعم تمكين المرأة الذى شهد تطورا كبيراً خلال السنوات الماضية.
وحذرت الدراسة، من مواجهة مصر تهديدا حقيقيا حال عدم اتباع سياسة سكانية منضبطة وتحرك حاد من الدولة بكافة أدواتها ومؤسساتها، لاسيما وأنه من المتوقع فى ظل استمرار معدلات الزيادة غير المنضبطة أن يصل عدد السكان إلى 128 مليون نسمة بحلول عام 2030، و183 مليون نسمة بحلول عام 2050.
وأبرزت الدراسة محطات من الزيادة السكانية فى مصر، منوهه إلى عوده منحنى الارتفاع منذ عام 2010 حتى 2015 رغم انخفاض سابق، وذلك لانحسار دور المجلس القومى للسكان، وأنه بالرغم من انخفاض معدل المواليد المصاحب خلال الفترة التنفيذية لوضع الاستراتيجية القومية للسكان (2015-2030)، إلا أن معدل النمو السكانى عاد للارتفاع مرة أخرى مما يشير إلى صعوبة الوصول الى ما تهدف إليه الاستراتيجية بالوصول الى عدد السكان 110,9 مليون نسمة بحلول عام 2030، لاسيما وأن الفئة العمرية الأكثر عددا عام 2015 هى من عمر صفر الى 9 سنوات وبالتالى من المتوقع دخول هذه الفئة فى سن الزواج والإنجاب من سنة 2030 الى سنة 2040 مما ينذر بحدوث طفرة فى الزيادة السكانية خلال تلك الفترة.
وفى هذا الصدد، شددت الدراسة على ضرورة كبح جماح الزيادة السكانية العشوائية، لأن استمرار مستويات النمو على الوضع الحالى سيؤدى إلى تراجع العائد من جهود التنمية، وبما لا يؤثر على نوعيه الحياة فحسب بل سيشمل تهديدا للأمن القومى.
وألقت الدراسة الضوء على 3 صور من التجارب الناجحة للحد من الزيادة السكانية، أولها الصين التى اتبعت سياسة اجبارية للطفل الواحد واستثناءات للطفل الثانى، وعقوبات مالية وإدارية رادعه للمخالف، أما اليابان اتبعت سياسات تنموية فقط دون أى خفض معدل الخصوبة، وأخيراً الجمع بين التنمية الاقتصادية والسياسات السكانية الفاعلة مثل كوريا، سنغافورة، تايلاند.
وعلى الجانب المصرى حللت الدراسة الجهود المبذولة للحد من الزيادة السكانية فى ضوء أهداف التنمية المستدامة "رؤية مصر 2030" للارتقاء بجودة الحياة والمواطن وتحسين مستوى المعيشة، والتى تضمنت 6 محاور، تمثلت فى توفير الخدمات الصحية فى مجال تنظيم الأسرة، مواجهة الفقر والعشوائيات، ومواجهة الأمية والبطالة والتسرب من التعليم، تمكين المرأة، التحول الرقمى، التوعية والتثقيف.
وبالنظر للمحاور السته، لفتت الدراسة لجهود الدولة فى إطار البرنامج الوطنى لدعم النمو الاقتصادى وخفض العجز فى الموازنة العامة للدولة، مع تحييد أثر البرنامج على محدودى الدخل من خلال تقوية شبكات الأمان الاجتماعى والتوسع فى برامج الحماية الاجتماعية، وكذا توفير الدولة السلع التموينية من خلال بطاقات التموين الذكية يستفيد منها 18 مليون و11 ألف مواطن بنسبة 18.31% من السكان عام 2019، مع زيادة مخصصات ودعم السلع التموينية بنسة 83.3% خلال 4 سنوات لحماية محدودى الدخل من الار برنامج الإصلاح الاقتصادى، واستمرار دعم رغيف الخبز واسطوانات الغاز المنزلية.
وعلى جانب تمكين المرأة، نوهت الدراسة إلى الاهتمام الكبير الذى توليه القيادة السياسية لتمكين المرأة اقتصاديا وسياسيا وعلميا باعتبارها قوة قادرة على تحسين محيطها الأسرى والاجتماعى، بما يؤدى إلى تحسن الخصائص السكانية والأوضاع الاقتصادية والصحية والتعليمية للأسرة.
وترى الدراسة، عدم تمكن الهيئة العامة لمحو الأمية من تحقيق المستهدف فى محو الأمية، مما يتطلب تطوير ومتابعة وتقويم عمل الهيئة العامة لمحو الأمية، وربط مشروعات محو الأمية بمشروعات تخرج طلاب الجامعات المصرية، بحيث يتم إلزام كل طالب بمحو أمية 3 أفراد على الأقل كشرط تخرج وتشجيع الجمعيات الأهلية على تقديم خدمات محو الأمية.
وشددت الدراسة، على أهمية وضع سياسات مناسبة للحد من البطالة التى تمثل عائق فى طريق التنمية وتحسين الأحوال المعيشية للأسرة ومحاربة انتشار الفقر بين المتعطلين عن العمل، مشيره لضعف الدور التوعوى والتثقيقى فى مصر خلال العقدين السابقين، وعدم قيام وزارتى الثقافة والإعلام بدورهم المنوطة بهم فى التوعية والتثقيف فى مجال الزيادة السكانية أو فى أى مجال يتطلب التوعية المخططة والعلمية.
وأشارت الدراسة، إلى أن تفعيل المحاور على أرض الواقع يوجب خطه تنفيذية تدريجية على مدار زمنى قصير على أن يتم البدء فورا فى المحافظات الأكثر فقرأ والأعلى فى نسبة الإنجاب الكلى، لكن سيظل التحدى الأكبر هو النظام الإدارى الغير مترابط فى التعامل مع القضية فى ظل وجود أكثر من عشرين جهه مستقلة ما بين وزارات وهيئات ومجالس متخصصة وغيرها معنيين جميعاً بالقيام بأدوار هامة بل محورية دون أدنى تنسيق أو توزيع واضح للأدوار، ليظل نجاح تطبيق هذه المحاور أشبه بأمنية بعيدة المنال.
ومن هذا المنطلق، انتهى التقرير البرلمانى لصياغة عدد من التوصيات الهامة من واقع دراسة البحث المقدم والاطلاع على أكثر من 30 بحثا فى هذا المجال ونقاشات مستفيضة بين أعضاء اللجنة المشتركة والضيوف من الوزراء ورؤساء المجالس المختصة والخبراء المهتمين بهذه القضية، والواجب العمل عليها بصفة عادلة وإنزالها إلى أرض الواقع، تتعلق بتنظيم الأسرة والصحة الانجابية، وفى مقدمتها توفير رصيد كافى من الوسائل وتيسر الحصول على خدمات الأسرة والصحة الإنسانية، إلى جانب التوصيات الثقافية والتوعوية والدينية ومنها التوعية الطالبات فى المدارس بخطورة الزواج المبكر، تجديد الخطاب الدينى وعرض القضية من منظور دينى وسطى، وفيما يخص التوصيات التحفيزية كان أبرزها دراسة وثيقة تأمين مؤجلة للسيدات اللاتى تلتزمن بضوابط تنظيم الأسرة، ومنح الاسر النموذجية كارت ذكى يحتوى على بعض الخدمات، وتخصيص نسبة لقضاء فريضة الحج للأبوين بالأسر النموذجية، ونسبة من الاسكان الاجتماعى.
ودعت اللجنة على الجانب التنموى، إلى أهمية تعزيز جهود التحاق الفتيات بالتعليم الثانوى والجامعى وخلق فرص عمل لهم، ودعم المشروعات الصغيرة فى هذا الصدد.