يعزف بعض الأسر عن إقامة حفلات الزواج فى شهر رمضان المبارك، ومن ناحية العرف تنخفض حالات الزواج بشدة فى هذا الشهر، حيث يعتقد بعض الناس أن عقد القران والزواج محرم شرعا وقانونا فى رمضان، وهو ما يدفع أعدادا كبيرة منهم لتأجيل زواجهم الى ما بعد رمضان فهل يعتبر مكروها أو حراما أو مجرما اتمام الزواج خلال شهر الصيام؟ خاصة وأن المصريون ملتزمون بشكل مُجمع عليه والمسلمون عادة من إتمام الزواج فى شهر رمضان.
الإجابة على مثل هذا السؤال عادة ما يخلق فى مثل هذا التوقيت جدلاً واسعاً على المستوى الفقهى من جهة، والمستوى الاجتماعى والقانونى من جهة أخرى بين رافض له ومؤيد، وذلك فى الوقت الذى تعودنا فيه أن يكون الشهر للعبادة، وقلما نسمع عن أحد أقام عرسه فى رمضان، بل نكاد نرى معظم المقبلين على الزواج يضعون مواعيد أعراسهم بعد انتهاء الشهر الفضيل، وهنا يكون الزواج فى رمضان وقع بين الحكم الشرعى والعادات المتوارثة.
المشرع أباحه ولم يجرمه باعتباره "عقد رضائيا" بين الطرفين
فى هذا الصدد، يقول محمود البدوى المحامى بالنقض والدستورية العليا، والخبير الحقوقى، أنه أولاً يجب أن يتم الفصل كلياً بين شهر رمضان المعظم وبين فكرة إتمام الزواج شرعاً وقانوناً أيضاً، إذ أنه لا علاقة بين رمضان والزواج، ذلك أن الزواج هو عقد رضائى يرجع إلى إرادة طرفيه فى استكماله وفقاً لشروطه المتعارف عليها شرعاً أو فصم عرى هذا العقد أو تلك العلاقة، فيحق لطرفى هذا العقد استكماله أو عدمه، وبناء على ما يراه طرفاه، وبناء على قدرتهم على الصبر والتحمّل، وإن كان القرآن الكريم قد حثّنا على الصبر إلى أبعد ما يكون، وبذلك يكون عقد الزواج واتمامه فى رمضان مثل بقية الشهور حلال وليس مجرما، ولكن الأفضل كما تعودنا ان يكون بعد الانتهاء من شهر الصيام.
الطلاق كسائر المعاملات
وحتى من الناحية القانونية – وفقا لـ"البدوى" فى تصريح لـ"برلمانى" - أن الزواج هو كسائر المعاملات التى يقوم بها الناس خلال شهر رمضان والتى قد تطرح حولها علامات استفهام ليس من الناحية القانونية ولكن من الناحية الدينية، ومن ثم فإن الزواج يجوز فى شهر رمضان ولا شيء يحرمه خلال الشهر المبارك سواء من الناحية الشرعية وفقاُ لما تواترت عليه أراء الفقهاء أو حتى وفقاً لصحيح القانون والذى لم يرد به ذكر لصحة أو عدم صحة الزواج فى شهور أو أيام محددة من السنة، ولكنه جرى العرف بشكل الاتفاق تقريباً إلى أن الكثيرين يفضلون تأخير إتمام الزواج إلى ما بعد شهر رمضان، لاعتبارهم أنه شهر الخيرات والعبادات، مما يستوجب معه الصبر إلى أقسى حدود قبل اتخاذ قرار إتمام الزواج.
ويضيف "البدوى": حيث أن الزوجين فى بداية حياتهما الزوجية فى شهر رمضان قد تتغلب الرغبة الجسدية على ارادتهما وتدفعهما الى الإفطار والاتصال الزوجى بينهما، والصوم أساسا فرض لتربية الإرادة الإنسانية وتقويتها لتبعد عن المعاصى وتتقرب الى الله بالطاعات وهذا هو المعنى الذى الذى بينه القرآن الكريم، عندما تحدث عن الصوم، وبين الله عز وجل أنه قد شرعه لنا ليحدث فى نفوس الصائمين ما يبعدهم عن المعاصى ويقربهم من الطاعات وهو معنى التقوى والله سبحانه وتعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، ومعنى التقوى اتقاء عقاب الله تبارك وتعالى ولا يكون ذلك إلا بالامتثال لأوامره واجتناب نواهيه.
رأى مفتى الديار المصرية فى الإشكالية
هذا وقد سبق للدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، التصدى لهذه الإشكالية حيث أكد إنه ليس هناك نص شرعى يمنع الزواج فى شهر رمضان، ولكن الناس اعتادوا على عدم الزواج فيه احتياطًا، لعدم فساد الصوم بالجماع فى نهار رمضان، حيث أنه ليس فى الشريعة أى نهى عن الزواج فى رمضان لذات رمضان، ولا فى غيره من الأشهر، بل الزواج جائز فى أى يوم من أيام السنة لكن الصائم فى رمضان يمتنع عن الطعام والشراب والجماع من الفجر إلى غروب الشمس، فإن كان يملك نفسه ولا يخشى أن يفعل ما يفسد صيامه فلا حرج عليه من الزواج فى رمضان.
الخبير القانونى والمحامى بالنقض محمود البدوى
ويضيف: الجماع أعظم مفسدات الصيام، فإنه تجب فيه الكفارة والذى يريد أن يبدأ حياته الزوجية فى رمضان، ويغلب على ظنه أنه لا يستطيع الصبر عن عروسه طوال النهار، فيُخشى عليه من الوقوع فى المحظور، وانتهاك حرمة الشهر الفضيل، فيقع فى الإثم الكبير، مع وجوب القضاء والكفارة المغلظة، وهى عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، وإذا تكرر الجماع فى عدة أيام تكررت معه الكفارة بعدد الأيام فالنصيحة لكل مقبل على الزواج إذا خشى ألا يملك نفسه أن يؤجل زواجه إلى ما بعد رمضان مباشرة، وليشغل نفسه فى هذا الشهر بالعبادة وتلاوة القرآن وقيام الليل، ونحو ذلك من القربات والطاعات.
وشدد مفتى الجمهورية، على أن تقبيل الزوجة أثناء الصيام بقصد اللذة مكروهٌ للصائم عند جمهور الفقهاء؛ لِمَا قد يجر إليه من فساد الصوم، وتكون القبلة حرامًا إن غلب على ظنه أنه يُنْزِل بها، ولا يُكرَه التقبيل إن كان بغير قصد اللذة؛ كقصد الرحمة أو الوداع، إلا إن كان الصائم لا يملك نفسه، فإن ملك نفسه فلا حرج عليه؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِى اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ" أخرجه مسلم فى "صحيحه". وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه: "أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ، فَرَخَّصَ لَهُ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ فَنَهَاهُ، فَإِذَا الَّذِى رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ، وَالَّذِى نَهَاهُ شَابٌّ" أخرجه أبو داود فى "سننه".
داعية آخر يوضح متى يجوز المنع ومتى يجوز الإباحة
بينما يرى محمد عثمان، الداعية الإسلامى بوزارة الأوقاف المصرية، أنه يعزف الكثيرون عن إقامة حفلات الزفاف خلال شهر رمضان الكريم، بسبب تفرغ كثير منهم للعبادة فقط وعدم القدرة على تنظيم أى حفلات للزفاف، حيث إنه ليس فى الشريعة أى نهى عن الزواج فى رمضان ولا فى غيره من الأشهر، كما أنه جائز طوال العام إلا فى موسم الحج، وهو أمر خاص بالحجاج، أما الزواج فى رمضان "غير مستحب"، وأنه من الأفضل عقد النكاح وإقامة حفل الزفاف عقب انتهاء الشهر الكريم، حتى يتفرغ العباد للطاعات والصلوات والتراويح، مستندا للقاعدة الفقهية التى تقول: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح".
وبحسب "عثمان" فى تصريحات صحفيه: إذا كان الزواج ضروريا فى هذا الشهر المبارك فلا حرج، وعلى الزوج والزوجة امتلاك نفسهما حتى لا يسقطا فى فخ وشهوة الجماع بنهار رمضان ويفسدا صيامهما، وفى حالة جماع الزوج لزوجته نهار رمضان فيصبح عليه كفارة صيام شهرين متتابعين دون فواصل، بالإضافة لليوم الذى جامع فيه زوجته ليكون العدد الإجمالى 61 يوما، أو إطعام 60 مسكينا، ويفضّل الزواج عقب شهر رمضان الكريم لأمرين أولهما استغلاله فى الطاعات والعبادات وتلاوة القرآن الكريم والصلوات الـ5 والتراويح، والثانى لتجنب السقوط فى المحظورات وتخطى الحدود الشرعية التى فرضها الله سبحانه وتعالى.
واستند الداعية الإسلامية إلى حديث النبى الذى يقول: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِى فِى رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِى النَّبِى بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْر، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ".