مع بدء شهر رمضان المعظم بكل ما يحويه من أجواء روحانية تعلو فيها قيم التسامح والود بين الناس، يحرص الجميع خلاله على طاعة الله والتقرب منه بكافة الأوجه، وعلي الرغم من أن الشياطين تسلسل في شهر الرحمة، إلا أن شياطين الإنس لا يدخرون جهدا في دئبهم علي ارتكاب الشرور والأثام، الأمر الذى يجعل الكثيرين يتساءلون كيف تحدث مثل هذه الأفعال في هذا الشهر الكريم.
فئة من الضالين يعيثون في الأرض فسادا ويستبيحون ما حرم الله تعالى ثم القانون خلال الشهر الكريم، تسول لهم نفوسهم ارتكاب جرائم، دون رادع من دين أو أخلاق، رغم أن جميعها أمور حياتية تخص عادات وتقاليد المجتمع، فحينما يبدأ شهر رمضان تبدأ معه عادات وتقاليد توارثها المصريون منذ مئات السنين ومنها إضاءة الشوارع والألعاب النارية ورش الشوارع بالمياه، إلا أن خبراء علم النفس والاجتماع، والأمن، أكدوا أن الصيام برئ تماما من الجريمة فى رمضان، مؤكدين فى الوقت ذاته أن معتادى الإجرام لا يتغيرون فى رمضان، ولكنهم يقبلون على الجريمة أيضا.
احذروا.. عادات وتقاليد في رمضان تصل عقوبتها تصل للسجن المؤبد
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بعادات وتقاليد في رمضان تصل عقوبتها للسجن المؤبد، وذلك على الرغم وأن جميعها مظاهر للبهجة والسرور ومن مظاهر الاحتفال بشهر رمضان الكريم، لكن تلك العادات تخالف القانون وتصل عقوبتها الي السجن المؤبد، فقد يظن البعض أن الصيام سبب زيادة الجريمة في نهار رمضان، وبخاصة المشاجرات التي تزداد يوميا منذ اليوم الأول في الشهر الفضيل على الرغم من أن الصيام يعمل على تهذيب النفوس وحسن الخلق – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض حسام حسن الجعفرى.
أولا: الألعاب النارية.. وهل لها عقوبة؟
في البداية - الألعاب النارية أبرزها الصواريخ والشماريخ و"البومب" هي الأخطر في العقوبة فمع قرب أذان المغرب تنطلق من شوارع القاهرة أصوات الألعاب النارية تشبيها بمدفع رمضان، وتلك الألعاب والمتفجرات الصوتية البدائية من الأشياء التي يجرمها قانون العقوبات، حيث نص القانون على عقوبة لكل من أحرز مفرقعات أو حازها أو صنعها أو استوردها قبل الحصول على ترخيص بذلك، ووفقا للمادة 102 "أ" من قانون العقوبات:
"يعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد كل من أحرز مفرقعات أو حازها أو صنعها أو استوردها قبل الحصول على ترخيص بذلك، ويعتبر في حكم المفرقعات كل مادة تدخل فى تركيبها ويصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية وكذلك الأجهزة والآلات والأدوات التى تستخدم فى صنعها أو لانفجارها" – وفقا لـ"الجعفرى".
ثانيا: اضاءة الشوارع
تتميز أجواء شهر رمضان المبارك بالزينة والفوانيس والأنوار البهيجة التي تملأ الشوارع ويتم تزيين الشوارع والمساجد وتعليق الأضواء عليها بشكل جمالى وتعليق بعض الزينة وأفرع النور فى الشوارع والميادين، فتحولت العادة إلى طقس مستمر مرتبطا بشهر رمضان فقط ويبدأ بعض الأشخاص قبل رمضان بأيام في جمع مبالغ من السكان لزينة رمضان والمشارك في تعليقها بين العمارات والمنازل وإضافة إلى لمبات كهربائية بأسلاك طويلة لإنارة الشوارع المختلفة من توصيلات التيار العمومية، لتتلألأ شوارع البلاد بالأنوار المبهجة .وهو ما يشكل جريمة الاستيلاء علي تيار كهربائي بدون وجه حق – الكلام لـ"الجعفرى".
ماهي عقوبة من استولى بغير حق على تيار كهربائي بدون وجه حق؟
وفقا للمادة 71 من قانون الكهرباء برقم 87 لسنة 2015: "يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استولى بغير حق على التيار الكهربائي، وتنقضي الدعوى الجنائية في حال التصالح.
ثالثا: رش الشوارع بالمياه وعقوباتها
قد يلجأ بعض الأشخاص قبل الإفطار لمواجهة دراجات الحرارة المرتفعة في النهار ببرش الشوارع بالمياه، وهو الفعل المجرم ومخالف لقانون "تنظيم مياه الشرب والصرف الصحى"، حيث نص القانون على عقوبة من يقوم باستخدام مياه الشرب فى غير الأغراض المخصصة لها: "هي عقوبة الغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه لكل من يقوم باستخدام مياه الشرب فى غير الأغراض المخصصة لها، والحبس لمدة لا تقل عن 6 شهور وغرامة 10 آلاف جنيه لكل من يروج على أى وسيلة إعلامية أيا كانت أو وسائل التواصل ويقدم معلومات مغلوطة عن مياه الشرب والصرف الصحي".
رابعا: السب والقذف عبر السوشيال ميديا
أحيانا ما يؤدى الصيام إلى حالة من الفراغ لدى البعض، فيكون الأقرب لهم الجلوس على مواقع التواصل الاجتماعي، ويكون السبيل الأقرب للتسلية لديهم كتابة البوستات والشير والتعليق، ثم يكتشف أنه وقع في المحظور الذى قد يبطل صيامه وهو السب القذف والحط من الاعتبار حيث يقع هذا التشهير غير الأخلاقي تحت نصوص المواد من 302 إلى 310 من قانون العقوبات بالباب السابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات فى صورة القذف والسب والبلاغ الكاذب وافشاء الإسرار متى تم النشر على شبكة الإنترنت واستطاع عوام الناس مشاهدته أو فئة لا تربطهم ببعضهم صلة خاصة.
الفرق بين السب والقذف وعقوبتهما
فى البداية - نصت المادة 302 / 1 على تعريف جريمة القذف بأنه: "يعد قاذفا كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة 171 من هذا القانون أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه"، كما عاقبت المادة 303/1 على عقوبة جريمة القذف بالنص على: "يعاقب على القذف بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة عشر ألف جنيه"، وبخصوص جريمة السب فقد نصت المادة 306 على تعريف جريمة السب والعقوبة المقرر له، "كل سب لا يشتمل على إسناد واقعة معينة بل يتضمن خدشا للشرف أو الاعتبار يعاقب عليه فى الأحوال المبينة بالمادة 171 غرامة لا تقل عن ألفى جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه".
العقوبة المشددة فى جريمتى السب والقذف
وبينت المادة 308 من ذات القانون الحالات التى يحكم فيها بعقوبة مشددة على المتهم فى جريمتى السب أو القذف بالنص على: "إذا تضمن العيب أو الإهانة أو القذف أو السب الذى ارتكب بإحدى الطرق المبينة فى المادة "171" طعنا فى عرض الأفراد أو خدشا لسمعة العائلات تكون العقوبة الحبس والغرامة معا فى الحدود المبينة فى المواد 179 و181 و182 و303 و306 و307 على ألا تقل الغرامة فى حالة النشر فى إحدى الجرائد أو المطبوعات عن نصف الحد الأقصى وألا يقل الحبس عن ستة شهور".
الخبير القانونى والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى
كما أن هذا السلوك جرم فى قانون جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 ورصد له المشرع عقوبة الحبس الذى لا تقل مدته عن سنتين ولا تزيد عن خمس سنوات وغرامة مالية كبيرة أو إحدى العقوبتين، إذ نصت المادة 26 من القانون المذكور على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تعمد استعمال برنامج معلوماتى أو تقنية معلوماتية فى معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى مناف للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه"، فهذا النص يجرم فى شق منه استعمال الجانى برنامج أو تقنية معلوماتية للمساس بشرف واعتبار المجنى عليه.
استشارى نفسى: بعض الشباب فى غيبوية دائمة لهذه الأسباب
فيما ترى الدكتورة إيمان البطران، الاستشاري النفسي، أن الصيام فى شهر رمضان لا يعتبر سببا إطلاقا لزيادة العنف والجريمة، ولكن سوء الأخلاق والبعد عن تعاليم الصيام وتزكية النفس هي السبب، خاصة أن هناك ظاهرة غريبة وهي انتشار الإفطار فى نهار رمضان بين الشباب، مما يتسبب فى زيادة المشاجرات، ويجب تجريم الجهر بالفطر فى نهار رمضان حيث إن الجهر بالفطر جريمة شرعية، ولو تدبرنا هذه الظاهرة نجد أن مرجعها إلى المشاكل الأسرية في المقام الأول، ثم إدمان الشباب للمخدرات التى لا يستطيعون الاستيقاظ والإفاقة بغيرها، كما أن زيادة الجريمة فى رمضان والعصبية والتوتر بسبب الجهر بالإفطار.
وتضيف "البطران" في تصريح لـ"برلماني": الجرائم والعنف في شهر رمضان المبارك تُعلق على شماعة الصيام من مرتكبيها، حيث أن كثيرا من الناس يعتقدون أن رمضان هو مجرد امتناع عن الأكل والشراب، وعندما يمتنع الإنسان عن الطعام والشراب يصبح لديه حالة من الجوع ويزيد توتره، وتصبح لديه حالة من الاستثارة والضيق والغضب، حيث لم يفهم هؤلاء أن قوة رمضان روحية وليست بدنية، وذلك على الرغم من أن رمضان هو شهر تهذيب العصبية والنفوس، والاستعلاء على الغرائز والشهوات، والعدوان ودوافع المشاجرة، كما أن الصيام لا يترتب عليه أعراض فسيولوجية خطيرة تؤدي إلى تأثيرات سلبية، وإنما الصيام راحة للقلب والدماغ والمعدة وسائر وظائف الجسم.
أسباب العنف فى شهر رمضان
وتؤكد "البطران": أن معظم الدراسات عن العنف في شهر رمضان، خلصت إلى أن المدخنين هم أكثر الناس عصبية خلال الصيام، وذلك لأن الانقطاع المفاجئ عن التدخين في هذا الشهر يؤدي إلى أعراض تسمى أعراض الانسحاب، والتي تزيد من التوتر والانفعال، كما أن قلة الوازع الديني وعدم الرقابة، والفقر والبطالة، وانخفاض مستوى المعيشة وغلاء الأسعار وصعوبة المواصلات وانخفاض مستوى الدخل بصفة عامة، وعدم التربية الصحيحة وتعاطي المخدرات، كل ذلك أسهم في انتشار العنف، يضاف إلى ذلك انتشار النت والفضائيات، وكثرة المسلسلات التي تحض على المشاجرات والعنف ونشر الموبقات والمخدرات.