مما يخفى على الكثير أن "الشيك" يقوم مقام النقد، وهو أداة وفاء لا ضمان في كثير من القوانين العالمية، وهذا ما نصت عليه أنظمة الأوراق التجارية المختلفة: "الشيك مستحق الوفاء بمجرد الاطلاع عليه.."، و"الشيك" استخدم كأداة ضمان في كثير من العقود حتى فقد قيمته القانونية مع كثرة "الشيكات" المرتجعة لعدم كفاية الرصيد، ومع معاقبة نظام الأوراق التجارية للساحب (مصدر "الشيك") حال إصداره شيكا دون رصيد بسوء نية، وكذلك المستفيد حال تسلمه "الشيك" كضمان إلا أن هناك فراغا قانونيا في هذا الجانب، ما جعل التعامل مع "الشيك" في المجتمع من الصعوبة بمكان.
من المعلوم أن الاختصاص في جرائم الشيكات ينعقد في مكان تحرير أو توقيع الشيك ما لم ينص على مكان آخر، ولكن نظراً لطبيعة الدولة المصرية وتباعد المحافظات بين بعضها البعض تطرح التساؤلات والفرضيات التالية للمناقشة فيها: ما المحكمة المختصة محليا بنظر جنحة شيك بدون رصيد؟ هل هي المحكمة التي تم في دائرتها تم إعطاء الشيك للمستفيد؟ أم أنها المحكمة التي بدائرتها البنك المسحوب عليه - بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض علاء مبروك.
تحذير لملايين المستثمرين.. أثر مكان توقيع الشيك
في البداية - جريمة اصدار شيك بدون رصيد من الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات بقولها: '' يعاقب كل من أصدر بسوء نية شيكا لا يقابله رصيد قائم وقابل للصرف أو كان الرصيد اقل من قيمة الشيك ...''، حيث يظهر من استقراء المادة السابقة أن العبرة في قيام الجريمة هي بإصدار الشيك وطرحه وتسليمه، ومكان تسليم الشيك للمستفيد – وفقا لـ"مبروك":
1-المكان الذى وقعت فيه الجريمة.
2-الذى يقيم فيه المتهم.
3-الذى يقبض عليه فيه.
وفقا لنص المادة 217 من قانون الاجراءات الجنائية قد نصت على أن يتعين الاختصاص بالمكان الذى وقعت فيه الجريمة أو الذى يقيم فيه المتهم أو الذى يقبض عليه فيه وهذه الأماكن الثلاثة قسائم متساوية فى ايجاب الاختصاص ذاك، وكانت جريمة اعطاء شيك بدون رصيد تقع بالمكان الذى حصل فيه تسليم الشيك للمستفيد، ومن المقرر أن القواعد المتعلقة باختصاص المحاكم الجنائية فى المواد الجنائية بما فى ذلك قواعد الاختصاص المكاني تعد جميعا من النظام العام بالنظر الى أن الشارع قد أقام تقريره اياها على اعتبارات عامة تتعلق بحسن سير العدالة الاجتماعية – الكلام لـ"مبروك".
الاختصاص المكاني يؤثر على جريمة اعطاء شيك بدون رصيد
هذا ولما كان الاختصاص المحلى يتعين كأصل عام بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة أو الذي يقيم فيه المتهم أو الذي يقبض عليه فيه وفقا لما جرى به نص المادة 217 من قانون الاجراءات الجنائية إلا أن الجريمة اعطاء شيك بدون رصيد المنصوص عليها فى المادة 534 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 والتي تنص على أن:
1-يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاز 50 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب عمدا أحد الأفعال الآتية:
أ-اصدار شيك ليس له مقابل وفاء قابل للصرف.
ب-استرداد كل الرصيد أو بعضه أو التصرف فيه بعد اصدار الشيك بحيث يصبح الباقي لا يفي بقيمة الشيك.
ج - اصدار أمر للمسحوب عليه بعدم صرف الشيك فى غير الحالات المقررة قانونا.
د - تحرير شيك أو التوقيع عليه بسوء نية على نحو يحول دون صرفه.
بمجرد اعطاء الساحب الشيك إلى المستفيد مع علمه بأنه ليس له مقابل وفاء للسحب إذا يتم طرح الشيك فى التداول، فتنعطف عليه الحماية القانونية للشيك باعتباره أداة تجرى مجرى النقود فى المعاملات والأفعال السابقة على ذلك من تحرير الشيك وتوقيعه فتعد من الاعمال التحضرية.
تطبيقات حول الاختصاص المكاني لجريمة اعطاء شيك بدون رصيد
تتلخص الواقعة بأن المتهم قد أصدر شيك لصالح المستفيد بدولة الإمارات وقد تم تسليمه الشيك بتلك الدولة، ومسحوب على بنك بدولة الامارات إلا أن المستفيد يقيم فى مصر، وقد قدم الشيك للصرف من البنك إلا أن الافادة لعدم وجود رصيد، وقام بتحريك الدعوى الجنائية وتحصل على حكم وأصدر أمر بالمنع من السفر وعند وصول "مصدر الشيك" المطار، تم القبض عليه وعمل معارضه في ذاك الحكم أول درجة، وهذا الحكم صدر دون بحث الاختصاص المكاني ومكان وقوع الجريمة ومكان تسليم الشيك حيث أن الدفع بالاختصاص المكاني من النظام العام.
حكم أخر لمحكمة النقض
هذا وقد سبق لمحكمة النقض المصرية، التصدي لمثل هذه الإشكالية في الطعن المقيد برقم 1208 لسنة 30 قضائية حيث ذكرت في حيثيات الحكم: تتم جريمة إعطاء شيك بدون رصيد بمجرد إعطاء الساحب الشيك إلى المستفيد مع علمه بأنه ليس له مقابل وفاء قابل للسحب - ......- فإذا كانت الجريمة قد وقعت بدائرة قسم بولاق التابع لمحكمتها، ولم يكن للمتهم محل إقامة بدائرة قسم السيدة زينب، ولم يقبض عليه في دائرتها، فإن الاختصاص ينعقد لمحكمة بولاق، ويكون ما ذهب إليه الحكم من جعل الاختصاص لمحكمة السيدة زينب الجزئية بدعوى وجود البنك المسحوب عليه بدائرتها قد بني على خطأ في تأويل القانون امتد أثره إلى الدفع وإلى الموضوع - حين تناولته المحكمة، ومن ثم يتعين نقض الحكم والقضاء بإلغاء الحكم المستأنف وعدم اختصاص محكمة السيدة زينب الجزئية بنظر الدعوى.