رحلة طويلة وشاقة يقطعها أصحاب الأحكام القضائية ليحصلوا على حقوقهم بعد معاناة طويلة داخل أروقة المحاكم، وذلك للحصول على أحكام النفقات والتمكين والأجور وغيرها، وبعد طول انتظار ومعاناة مادية ونفسية يبدأ أصحاب الحقوق رحلة أخرى طويلة لتنفيذ الأحكام التى حصلوا عليها، فتأخر تنفيذ الأحكام بات ظاهرة سائدة سببها معوقات قانونية وبشرية وواقعية تحول دون تنفيذ الأحكام القضائية.
والواقع يؤكد أن صعوبة تنفيذ بعض أحكام محكمة الأسرة الذي يعاني منها ملايين الأسر، يعود نتيجة مخالفات قانونية متمثلة في بعض الأفراد وقلم المحضرين الذي يعد سببا رئيسيا في تأخير تنفيذ الأحكام بسبب الإهمال والتقصير تارة وغياب الرقابة تارة أخرى، ناهيك عن التعقيدات من الإجراءات وغيرها من الأمور الأخرى التي تحول دون تنفيذ أحكام محكمة الأسرة، وهو الأمر الذي يؤدى معه إلى مزيد من المشكلات.
معاناة استخراج صيغة تنفيذية بديلة في قضايا الأسرة
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية من خلال الإجابة على السؤال.. "عندي حكم مش عارف انفذه، الحكم صدر بإثبات نسب صغير لوالديه وفرض نفقة صغير على والده، بطبيعة الأمور محتاج عدد 2 صيغة تنفيذية رفعت دعوى للحصول على صيغة تنفيذية ثانية المحكمة رفضت لأن الصيغة الأولى لم تفقد، معندكش حل؟" – بحسب الخبير القانوني والمحامى سامى البوادى.
في البداية - الصيغة التنفيذية مستند ضروري للتنفيذ واقتضاء الحق ولا يمكن التنفيذ بدونه، فمن حق صاحب المصلحة الحصول على صورة من الحكم مزيلة بالصيغة تنفيذية، ولكن لمرة واحدة فقط حتى لا يتكرر التنفيذ أكثر من مرة للحصول علي حق واحد، لذلك فالسند التنفيذى مستند يجب أن تتوافر فيه شروط شكلية معينة لعل أهمها على الإطلاق هو ما يسميه قانون مرافعات "بصيغة التنفيذ"، وهي أمر صادر من الدولة إلى الجهة المنوط بها التنفيذ بالمبادرة باتخاذ اجراءاته وإلى السلطات المختصة بالمعونة على التنفيذ ولو باستعمال القوة متى طلب منهم ذلك – وفقا لـ"االبوادى".
شروط استخراج الصيغة التنفيذية
ويذهب رأى إلى أن الصيغة التنفيذية ليست سوى وسيلة لتمييز الصورة التنفيذية عن غيرها من صور السند التنفيذي فهي علامة فارقة بين ما يسمى بالصورة التنفيذية وغيرها من الصور وهناك شروطا لا بد من توافرها، فيمن يحق له استلام الصورة التنفيذية لحكم المحكمة، هذه الشروط هي:
1- أن يكون خصما في الحكم أو الأمر الصادر من المحكمة أو هيئة التحكيم.
2- أن تعود إليه منفعة من التنفيذ بأن يكون قد حكم له بشيء يستدعي التنفيذ وهو ما لا يتوافر إلا في الأحكام.
وأحيانا قد تثور مشكلة ضياع الصورة التنفيذية أو تلفها لدرجة يتعذر معها استعمالها، ولقد بين قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري أنه من حق الخصوم الحصول على صورة تنفيذية من الحكم، لكن لمرة واحدة، وفى حال المرة الثانية يتم الحصول عليها وفق ضوابط وشروط معينة، وعن مدى جواز التنفيذ بصورة ضوئية نقول إن هناك حالتين في هذه المسألة وهي:
الأولى: عند ضياع الصورة التنفيذية أو تلفها لدرجة يتعذر معها استعمالها ولكن الخصم يحتفظ بصورة ضوئية منها.
الثانية: عندما توجد الصورة التنفيذية في مكان لا يمكن استردادها منه مثال ذلك ما ينص عليه قانون الشهر العقاري من وجوب الاحتفاظ بأصل المحررات الموثقة المقدمة للشهر مع جواز إعطاء الخصم صاحب المصلحة صورة فوتوغرافية منها بعد التأشير عليها بمطابقتها للأصل، وأيضا شمول الحكم المذيل بالصيغة التنفيذية لأكثر من موضوع على أكثر من شخص فبتنفيذ أحدهما يحتفظ بالصيغة التنفيذية فكيف تنفذ على الطرف الآخر فهل يجوز التنفيذ في هذه الحالة بالصورة الضوئية فاتجه الفقه إلى رأيين:
الأول: اعتبار عملي يتمثل في صعوبة مطالبة الخصم بتقديم صورة تنفيذية قد حفظت.
الثاني: هو ما تنص عليه المادة 392 مدني المقابلة للمادة 12 من قانون الإثبات الحال من أنه إذا كان أصل الورقة الرسمية موجودا فإن صورته الضوئية سواء خطية كانت أو فوتوغرافية تكون حجة بالقدر الذي تكون فيه مطابقة للأصل.
وهناك رأيا آخر يتجه إلى عكس ذلك على أساس أن النص السابق يتكلم عن حجية الأوراق الرسمية وصورها في الإثبات والصورة التنفيذية ليست مجرد دليل على الإثبات، وإنما هي مستند ضروري للتنفيذ، كما أن إجازة التنفيذ بالصورة الضوئية يفتح الباب لاقتضاء الحقوق أكثر من مرة وأنه إن كان من المتعذر الحصول على صيغة تنفيذية أولى لضياعها أو تلفها أو حفظها فإنها يمكن استخراج صورة تنفيذية ثانية طبقا للإجراءات التي حددها القانون – الكلام لـ"البوادى".
كيفية استخراج صورة تنفيذية ثانية
وعن كيفية استخراج صورة تنفيذية ثانية "تنص المادة 183 من قانون المرافعات على أنه لا يجوز تسليم صورة تنفيذية ثانية لذات الحكم إلا في حالة ضياع الصورة الأولى وتحكم المحكمة التي أصدرت الحكم في المنازعات المتعلقة بتسليم الصورة التنفيذية الثانية عند ضياع الأولى بناء على صحيفة تعلن من أحد الخصوم إلى الآخر"، ومن هذا النص يتضح أنه إذا ضاعت الصورة التنفيذية فلا يكفي لإجراء التنفيذ أن يثبت صاحبها أنه سبق صدور صورة منها وأنه لم يستعملها وإنما لا بد من الحصول على صورة أخرى – هكذا يقول "البوادى".
ونصت المادة 182، من القانون على أنه إذا امتنع قلم الكتاب من إعطاء الصورة التنفيذية الأولى جاز لطالبها أن يقدم عريضة بشكواه إلى قاضى الأمور الوقتية بالمحكمة التي أصدرت الحكم ليصدر أمره فيها طبقاً للإجراءات المقررة في باب الأوامر على العرائض، وبذلك نري أنه لا يجوز تسليم صورة تنفيذية ثانية لذات الخصم إلا في حالة ضياع الصورة الأولى وتحكم المحكمة التي أصدرت الحكم في المنازعات المتعلقة بتسليم الصورة التنفيذية الثانية عند ضياع الأولى بناء على صحيفة تعلن من أحد الخصوم إلى خصمه الآخر.
واشترطت المادة 181، أن تختم صورة الحكم التي يكون التنفيذ بموجبها بخاتم المحكمة، ويوقعها الكاتب، بعد أن يزيلها بالصيغة التنفيذية، ولا تسلم إلا للخصم الذي تعود عليه منفعة من تنفيذ الحكم، ولا تسلم له إلا إذا كان الحكم جائز تنفيذه، وفى باب إصدار الأحكام نص القانون على عدد من الضوابط لصحة الحكم من بينها، أن يكون منطوق القاضي بالحكم بتلاوة منطوقه أو بتلاوة منطوقه مع أسبابه ويكون النطق به علانية، وإلا كان الحكم باطلاً، كما أنه يجب أن تشتمل الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها وإلا كانت باطلة.
شكل صيغة التنفيذ
إن صيغة التنفيذ ما هي إلا عبارات تقليدية توضع كختم مستطيل على صورة السند التنفيذي وهذه الصورة تعرف "بالصورة التنفيذية"، وهذه الصورة تختلف عما يعرف بمسودة الحكم والنسخة الاصلية، فأما مسودة الحكم فإنها ورقة مكتوبة بخط اليد تودع ملف الدعوى عقب المداولة، ويوقعها كل من اشترك في المداولة من قضاة وتشتمل على منطوق الحكم واسبابه، أما النسخة الاصلية فيحررها القاضي بعد النطق بالحكم وتحفظ لدى المحكمة، والصورة التنفيذية للحكم فهى أيضا صورة بسيطة طبق الاصل لنسخة الحكم الاصلية ولكنها تكون ممهورة بالصيغة التنفيذية، ولا تسلم الا للخصم صاحب الحق فى التنفيذ الجبري ولا تسلم له إلا مرة واحدة وذلك حتى لا تتاح الفرصة امام الدائن لاقتضاء حقه اكثر من مرة.
والعلة من وضع الصيغة التنفيذية من ناحية أن يكون بيد طالب التنفيذ علامة مميزة تدل على أنه صاحب الحق فى التنفيذ، ومن ناحية أخرى فإن الصيغة التنفيذية تكون سندا بيد معاون التنفيذ يعطيه صفة فى مواجهة المنفذ ضده، ويلاحظ أن الصيغة التنفيذية مهمة لذلك فإن انعدامها أو تعييبها لا يؤدى الى بطلان السند التنفيذي وانما إلى بطلان اجراءات التنفيذ.
تسليم الصورة التنفيذية
تختلف أوضاع تسليم الصورة التنفيذية حسب نوع السند التنفيذي، فإن كان حكما قضائيا فإن كاتب المحكمة التي اصدرته هو الذى يقوم بالتسليم، حيث نصت المادة 181 مرافعات على أن "تختم صورة الحكم التي يكون التنفيذ بموجبها بخاتم المحكمة ويوقعها الكاتب بعد أن يذيلها بالصيغة التنفيذية ولا تسلم إلا للخصم الذى تعود عليه منفعة من تنفيذ الحكم ولا تسلم له إلا إذا كان الحكم جائزا تنفيذه"، فالصورة التنفيذية للحكم يسلمها قلم الكتاب الى الخصم الذى تعود عليه منفعة من التنفيذ.
وإذا كان السند التنفيذي امرا وليس حكما فقد نصت المادة 196 مرافعات بالنسبة للأمر على عريضة على أنه: "يجب على قلم الكتاب تسليم الطالب النسخة الثانية من عريضته مكتوبا عليها صورة الأمر وذلك في اليوم التالي لصدوره على الأكثر"، وذلك أيضا بالنسبة لأمر الأداء، ونفس الشيء بالنسبة لحكم المحكمين حيث يودع الحكم فى قلم كتاب المحكمة المختصة اصلا بنظر النزاع ويقوم هو بتسليم الصورة التنفيذية من الحكم ومن أمر التنفيذ، وفى جميع الأحوال يجب على الجهة التي تسلم الصورة التنفيذية مراعاة آمرين:
الأول: التأكد من صحة مضمون السند التنفيذي وصلاحيته للتنفيذ الجبري، لأن الصيغة التنفيذية مجرد شرط شكلي خارجي لا يغنى عن المضمون الداخلي للسند التنفيذى.
-وثمة فرض على قوامه اجراء تنفيذ جبرى بناء على سند تنفيذى باطل فى مضمونه، ومع ذلك كان ممهورا بالصيغة التنفيذية، فلا شك فى بطلان هذا التنفيذ بطلانا مطلقا متعلقا بالنظام العام.
الأمر الثاني: الذي تجب مراعاته عند تسليم الصورة التنفيذية ألا يتم التسليم إلا للخصم الذي تعود عليه منفعة من تنفيذ الحكم.
والسائد في الفقه أن الشخص الوحيد الذى له صفة في استلام الصورة التنفيذية هو صاحب الحق في التنفيذ وهو المحكوم له فى الحكم او الامر كسند تنفيذى أو الدائن في غيرهما من السندات التنفيذية الأخرى وخلفهما العام والخاص على أن تكون الخلافة قد نشأت بعد تكوين السند التنفيذي وأن تكون ثابتة ونافذة فى مواجهة الخصم، فلا يجوز اعطاء الصورة التنفيذية لغير صاحب المصلحة، ولذلك ليس للدائن المتضامن الذى لم يكن خصما فى الدعوى التى انتهت بصدور الحكم الحصول على صورة تنفيذية من هذا الحكم، وذلك ما لم يكن قد انخرط فى الخصومة الصادر فيها هذا الحكم كطرف فيها.
فلابد أن يصدر الحكم متضمنا أسم هذا الدائن الآخر وإلا فلن تسلم له الصورة.
أولاً: حالة الامتناع عن اعطاء الصورة التنفيذية الاولى قد يمتنع الكاتب أو الموظف المختص عن تسليم الصورة التنفيذية لأى سبب كما لو لاحظ عدم تطابق اسم طالب الصورة مع الاسم الوارد فى السند التنفيذى.
وهنا نصت المادة 182 مرافعات على أنه: "إذا امتنع قلم الكتاب عن اعطاء الصورة التنفيذية الاولى جاز لطالبها ان يقدم عريضة بشكواه الى قاضى الامور الوقتية بالمحكمة التى اصدرت الحكم ليصدر امره فيها طبقا للإجراءات المقررة في باب الاوامر على عرائض".
ويقصد بقاضي الامور الوقتية هنا فى المحكمة الابتدائية رئيسها او من يندب للقيام بذلك وفى المحكمة الجزئية هو قاضيها، وهو القاضي بالمحكمة التى صدر منها الحكم أو الامر على عريضة او امر التنفيذ، حسب نوع السند او المحكمة التى صدقت على محضر الصلح وإذا تعلق الامر بمحرر موثق فيكون هو القاضي الذى يقع مكتب التوثيق بدائرته، وفى كل الاحوال ليس هو قاضى التنفيذ لان ولاية قاضى التنفيذ تبدأ مع بداية التنفيذ وليس قبل ذلك.
وفى حالة رفض الامر بإعطاء الصورة فيجوز التظلم من قبل طالب الامر كما يجوز للمنفذ ضده التظلم من الامر بإعطاء الصورة، أما قلم الكتاب الممتنع لا يجوز له التظلم لأنه ليس خصما حقيقيا فى المنازعة.
ثانياً: حالة ضياع او تلف الصورة التنفيذية الاولى الاصل انه لا تسلم الا صورة تنفيذية واحدة وذلك حتى لا يتكرر التنفيذ بموجب نفس السند التنفيذية. فاذا كانت قد اعطيت صورة تنفيذية للسلف فلا يجوز اعطاء صورة تنفيذية اخرى للخلف ولو كان السلف لم يستعمل الصورة المسلمة له غير أنه قد تضيع الصورة التنفيذية الاولى أو تتلف عندئذ يجب إعمال المادة 183 مرافعات
ومن البديهي ألا تمكن المحكمة طالب التنفيذ او خلفه من الصورة الثانية إلا إذا قام بإثبات فقد الصورة الاولى وعدم استعمالها من قبل، وهذا الاثبات لا يكون امام الكاتب الذي عليه الامتناع القاطع عن تسليم صورة ثانية وانما يكون هذا الاثبات امام نفس المحكمة أو الجهة التي صدر عنها السند التنفيذي حتى ولو كانت هي محكمة الدرجة الثانية، ولا يختص بذلك قاضى التنفيذ لان ولايته لا تبدأ إلا عند الحصول على سند تنفيذى فعلا، ويكون اثبات ضياع الصورة الأولى أو تلفها بكافة طرق الاثبات لأن محل الاثبات هنا واقعة مادية.
ثالثاً: حالة تعدد طالبي التنفيذ
إذا كان الأصل هو عدم تسليم أكثر من صورة تنفيذية إلا أنه قد يتعدد طالبى التنفيذ، فالقاعدة أنه لا تتعدد الصورة التنفيذية بتعدد المحكوم عليهم، إذ يملك المحكوم له التنفيذ على كل منهم بمقتضى صورة واحدة مع مراعاة وجود التأشير عليها بما حصل من تنفيذ على كل منهم حتى لا يتكرر التنفيذ.
وانما تتعدد الصور التنفيذية بتعدد المحكوم لهم بشروط معينة كما يلى:
- أن يكون كل منهم طرفا حقيقيا فى الخصومة التي صدر فيها الحكم.
- ألا يكون بينهم تضامن أو أى تنظيم قانونى أو اتفاقي يجيز لأحدهم اقتضاء كل الدين.
-أن يكون قد صدر لكل منهم قضاء يقتضي تنفيذه استعمال القوة الجبرية.