يشكل ملف الأحوال الشخصية فرصة للأسر المصرية لتجديد الدماء وردم فجوة غياب التسامح بين الأسر – إلى حد ما – حيث يضعنا ملف "قانون الأسرة" أمام العديد من المقترحات والرغبات من كلال الطرفين "الرجال – النساء"، وذلك بعد تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسي للقاضي الجليل عبدالله الباجا بتشكيل فريق من القضاة الإجلاء لتدشين حوار وطني مجتمعي قانوني حول قانون الأحوال الشخصية، وإمكانية تعديله بما يخدم الأسرة والمجتمع ويزيد الوعي الأخلاقي وينهي صراعات الرؤية والنفقة والطلاق، هو أمر محترم وحلقة مهمة من حلقات الحوار الوطني الذي بدأه الرئيس بحوار مائدة الإفطار ولجنة العفو الجديدة وخطوات الإصلاح السياسي داخليا وخارجيا.
فتح الملف يؤكد أن لدى الرئيس عبد الفتاح السيسي اهتمام أصيل بملف الأسرة، فمنذ 2014 تضمنت أجندة العمل، المطولة للجنة الإصلاح التشريعي التابعة لمجلس الوزراء تعديل قانون الأحوال الشخصية، حيث بات حقا أصيلا أن تتفرغ مؤسسات الدولة لإعادة ترتيب الأوضاع المجتمعية بما يُعزز استقرار الأسرة المصرية ويصبح المجتمع أكثر انضباطا وأقل قابلية للتمرد والمشاكل الأسرية التي باتت تهدد الأسرة واستقرارها وعلى رأسها قضية "الطلاق" التي يُحذر منها الرئيس السيسي مرارا وتكرارا، ووفقا لهذه الرؤية فالطلاق مُهِددٌ حقيقي لمحاولات الضبط والاستقرار إلى جانب إنتاجه لأزمات اجتماعية تعجز الدولة عن معالجتها لاحقا، تبدأ بالأعباء المالية التي تتحملها الدولة بسبب إجراءات الطلاق وتشرد الأطفال، وتمتد للإرهاب وإقبال الشباب على التنظيمات المتطرفة.
قانون الأحوال الشخصية بين المذاهب الفقهية والقوانين الوضعية
وفى الحقيقة تعكف الحكومة المصرية بشكل جاد على إعادة هيكلة منظومة التقاضي ومنها تقاضي الأسرة والذي يُثقل كاهل المحاكم المصرية، في ضوء هذه الأسباب، اتجهت الحكومة لإنتاج مشروع قانون يميل للتوسع في التفاصيل للقضاء على الثغرات القانونية التي تفضي إلى إشكاليات في التطبيق، ذلك المشرع الذى وافق عليه مجلس الوزراء المصري بشكل نهائي بإصدار قانون الأحوال الشخصية المقدم من الحكومة بتاريخ 20 يناير 2021، والذي أرسله الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري مشروع قانون الأحوال الشخصية إلى رئيس مجلس النواب الذي أحاله إلى اللجان المختصة لدراسته "لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، والتضامن ولجنة الشؤون الدينية والأوقاف".
إلا أنه تسبب تسريب مسودة القانون إلى وسائل الإعلام في إثارة عاصفة من الانتقادات بسبب انتقاصه لحقوق النساء تارة والرجال تارة أخرى، وتبعا لذلك تم سحب مشروع القانون ووعد الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن القانون الجديد سيكون متوازنا، وذلك في الوقت الذي خرج فيه العديد من نواب البرلمان وبعض المنظمات النساوية بمشاريع قانون للأحوال الشخصية كانت محل انتقاد لدى الكثيرين بين معارضين للتعديلات لأنها لم يتجاوز المذاهب الفقهية وانحصر في الشأن الدينى بعيدا عن القانون الوضعي وبين آخرين يرون أن التعديلات يجب ألا تتجاوز المذاهب الفقهية، ومن ثم اقتضى الميل للشمول والتفصيل في تنظيم قواعد الأسرة الرجوع للمرجع الأساسي وهو الفقه الإسلامي لتغطية التفاصيل المطلوبة باعتبار أن الدستور المصرى يقر بأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسي للتشريع.
القدرة على التعامل مع نصوص الشريعة والاختيار منها وتقنينها
معظم مشاريع القوانين المقدمة خلال الأعوام الماضية شُحنت بتفاصيل فقهية عديدة، رأى بعض المتخصصين أنها جعلت المسودة أقرب للمحتوى الفقهي منها لشكل القانون الحديث، لتصبح مشروعات القانونين بمثابة قطيعة مع تقليد التشريع وأسلوب الجمع والدمج القانوني المصري على مستوى المحتوى والصياغة، وتضمنت المشروعات كل المواد التي قد ترتبط بالأحوال الشخصية، بعد أن كانت متفرقة بين قوانين كثيرة متعددة، وهو جزء من توجه عام نحو التجميع والدمج الموحد والمركزي للقوانين، وفي ملف الأسرة، يهدف اتجاه التجميع والدمج الموحد للمواد القانونية إلى تقليل هامش الاجتهاد والسلطة التقديرية للقضاة والعاملين في الجهاز القضائي، خاصة مع ملاحظة وزارة العدل للتفاوت في تطبيق الأحكام بين النيابات والمحاكم المختلفة، وهو ما يتعارض مع مبادئ الوحدة والمركزية القانونية.
التحدي الأساسي لقانون الأحوال الشخصية يكمن في القدرة التامة على التعامل مع نصوص الشريعة والاختيار منها وتقنينها تقنينا مُحكما في نصوص تستوعب التوازنات الدينية والاجتماعية المختلفة، وهو ما يتطلب أن يساهم في مشروع القانون القادم اشتراك أكثر من جهاز في الدولة على مشروع قانون أسرة مستقل به، فضلا عن ضرورة وجود تداخل وتبادل بين لجان إعداد القوانين المختلفة، حيث يكون بكل لجنة تعمل على إعداد قانون في جهة ما ممثل للجهات الأخرى التي تعمل في الوقت ذاته على تصور خاص بها لقانون الأسرة، مثل المجلس القومي للمرأة والأزهر، اللذين كانت لهما بصمة واضحة على مشروع قانون الحكومة السابق.
دمج نصوص الشريعة في نصوص قانونية
وفى الحقيقة المأزق في قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته المقررة هو وقوعه في شبكة من المتناقضات والاختلافات، أول هذه التناقضات عدم إمكانية تجاوز الدين والمذاهب الفقهية في هذا الملف، في الوقت يتضح فيه دعم الدولة المصرية لحقوق المرأة حيث كانت له بصمة واضحة في كسب المرأة المزيد والمزيد من الحقوق خلال الفترة الماضية، بينما التناقض الثاني يتمثل في عملية جمع ودمج كافة المبادئ المنظمة لشؤون الأسرة في نمط أقرب لدليل استرشادي مفصل، بحيث يُمكن للقضاة والعاملين بنيابات الأسرة العودة إليه.