مازالت عملية التبرع بالأعضاء البشرية وزراعتها ينقصها الكثير من التشريعات في الدول العربية، حيث أثارت تلك القضية جدلية تشريعية ودينية بين جواز التبرع بالأعضاء خاصة للمتوفى والضوابط الفقهية، بالإضافة إلى تشديد القيود لمنع عمليات الاتجار بالبشر، الأمر الذى أشغل عدد من البرلمانات العربية مؤخرا.
وأعادت كل من الجزائر والمغرب الجدل حول التبرع بالأعضاء بعد أن كشفت حكومة كلتا الدولتين عمل الجهات المعنية على تحديث التشريعات في هذا الشأن، بما يتواكب مع التطور العلمى والاحتياجات الإنسانية، وتطوير جراحات نقل وزراعة الأعضاء.
وفى الجزائر بدأت وزارة الصحة على صياغة مشروع قانون جديد سيتم عرضه على مجلس الحكومة قَريباً للمصادقة عليه قبل عرضه على البرلمان، لتشجيع عمليات التبرع وزرع الأعضاء في البلاد، حيث قال وزير الصحة الجزائرى عبد الرحمان بن بوزيد إنّ الغرض من القانون الجديد، هو رفع عدد عمليات نقل وزرع الأعضاء في الجزائر، في ظل تزايد الحالات المرضية التي تحتاج لعمليات زرع، خصوصاً وسط المصابين بالقصور الكلوي.
وبموجب التشريع قيد التحضير، يمكن اعتبار كل شخص متوفى لم يُسجِّل نفسه في دفتر الرفض، بأنّه موافق تلقائياً على نقل أعضائه وذلك بعد استشارة الأب والأم والزوج أو الزوجة بالإضافة إلى الولد أو الطفل.
وذكر بن بوزيد "ما يهمنا أكثر اليوم، هو نزع الأعضاء من متبرعين أموات دماغياً"، بالإضافة إلى إطلاق نشاط "نزع وزرع الأعضاء وعمليات زرع الخلايا الجذعية وكذا الكبد"، كما يرتقب إطلاق عملية زرع القرنية من متبرع ميت، قريباً على مستوى المركز الاستشفائي الجامعي مصطفى باشا، بالعاصمة الجزائرية.
وقبل أيام، أدرج المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر، عملية التبرع بالأعضاء ضمن "مرتبة التعاون والإيثار وبذل الجهد لإنقاذ الأنفس وإحيائها".
وأعرب المجلس عن أسفه لكون هذه العمليات "تعرف نقصا كبيرا في المستشفيات الجزائرية" داعياً المواطنين إلى التبرع بأعضائهم بعد وفاتهم من خلال "التوقيع على سجل وطني يعطي الحق للجهات المختصة في التصرف بأعضائهم عند الحاجة"، إذ يقول أطباء ومختصون إنّ المفاهيم والمعتقدات الخاطئة هي من تعيق عمليات التبرع.
يأتي هذا في الوقت الذى شهدت به المغرب نقاشا موسعا حول مسألة التبرع وزرع الأعضاء، بين مؤيد ومعارض، بعد الإعلان عن أن وتيرة عمليات زرع الأعضاء في البلاد بطيئة، رغم وجود أرضية قانونية ومؤهلات تقنية ولوجستية وبشرية مهمة.
وأطلقت جمعيات حقوقية ومدنية حملات توعية بأهمية التبرع بالأعضاء وزرعها، مما استدعى الصحة والحماية الاجتماعية وزير وفي هذا الصدد، أعلن خالد أيت الطالب، وزير الصحة والحماية الاجتماعية المغربى، أن الحكومة تعمل على إخراج قانون جديد خاص بالتبرع وزرع الأعضاء يمكن من توسيع شروط الاستفادة من عمليات الأخذ والزرع لعلاج الحالات المرضية التي تتطلب زرع الأعضاء أو الأنسجة.
وكشف أيت الطالب، في جواب عن سؤال كتابي من برلمانيين حول "حصيلة زرع القرنية بالمراكز الاستشفائية الجامعية بالمغرب"، أن استراتيجية وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في مجال زرع القرنية، اعتمدت إحداث بنوك الأنسجة تمكن من توفير قرنيات قابلة للزرع ومستوفاة لشروط السلامة الصحية عبر اتفاقيات مع بنوك أنسجة دولية.
ويرجع قانون تنظيم التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية في المغرب إلى العام 1998 حيث أكد هذا القانون ما استقر عليه المجمع الفقهي الإسلامي على أنه " لا يجوز التبرع إلا بموافته الصريحة و الواضحة " كما يعطيه إمكانية إلغاء هذه الموافقة متى أراد و ذلك من خلال المادة 13 من القانون.
وينص القانون على أنه "يمكن لكل راشد يتمتع بأهليته أن يعبر و هو قيد الحياة ووفق الأشكال والشروط المنصوص عليها في هذا الفصل الثاني عن إرادته ترخيص أو منع وأخذ أعضائه أو أعضاء معينه بعد مماته".
واتخذت عدد من الدول العربية نفس المنحى خلال السنوات القليلة الماضية حيث تٌجيز الإمارات نقل وزارعة الأعضاء والأنسجة البشرية، وفقاً لأحكام المرسوم بقانون اتحادي رقم (5) لسنة 2016، الذى وضع عدد من الأهداف للقانون في مقدمتها تنظيم إجراء عمليات نقل وزارعة وحفظ الأعضاء والأنسجة البشرية وتطويرها، بالإضافة إلى منع الإتجار في تلك الأعضاء.
لم يقتصر الأمر في الامارات عند حد وضع تشريع بل أقدمت في سبتمبر 2020 على تأسيس المركز الوطني لتنظيم نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية، بهدف تنظيم وتنسيق إجراء عمليات نقل وزراعة وحفظ الأعضاء والأنسجة البشرية وتطويرها على مستوى الدولة.
فيما يعود التشريع لتنظيم التبرع وزراعة الأعضاء البشرية في العراق للعام 2016، والذى يهدف إلى تنظيم عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية لتحقيق مصلحة علاجية للمرضى، والحصول على الأعضاء البشرية بجسم الإنسان الحي، من خلال تبرع إنسان حي أو من جثث الموتى بالوصية بعد الوفاة، ومنع بيع الأعضاء البشرية والإتجار بها".
ويتكون التشريع العراقى من مجموعة مواد ومصطلحات تعريفية تستوجب الإشارة إليها، منها مصطلح التبرع، وهي عملية نقل أو زرع عضو بشري يأتي شخص متبرع بموافقته، أو عن متوف، والمتبرع هو الشخص الحي الذي يتنازل عن عضو من أعضائه من دون مقابل".
ويتضمن القانون عقوبات تبدأ بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات وتصل الى السجن المؤبد إذا خالف أحد المواد المنصوص عليها من هذا القانون"، كما حدد القانون السجن لمدة سبع سنوات وتصل الى السجن المؤبد في حال وفاة المتبرع، وغرامة لا تقل عن خمس ملايين دينار عراقي ولا تزيد عن أربعين مليون دينار عراقي لكل من استأصل أو زرع أحد الأعضاء البشرية، خلاف الأحكام القانونية، سواء كان إنساناً حياً أو متوفياً أو زرع أو شارك أو كان وسيطاً أو قام بالإعلان أو التحايل أو الإكراه بقصد زرعه بجسم آخر خلافاً لأحكام القانون".
وعلى الرغم من أن الأردن من أوائل الدول العربية التي تعاملت تشريعيا مع قضية نقل وزراعة الأعضاء، إلا أنها تواجه نقصا كبيرا في تلك العمليات، الأمر الذى استدعى مطالبات بتعديل التشريع الذى صدر في 1977 وتم تعديله العام 2000، وعرف القانون نقل العضو "نزعه أو إزالته من جسم الإنسان حي أو ميت حسب مقتضى الحال وتصنيعه أو غرسه في جسم إنسان حي آخر .
وكشف تقرير أردنى رسمي في 2020 ان عدد الراغبين بالتبرع بعد وفاتهم وحصلوا على بطاقة تبرع، وصل الى 5 اشخاص فقط، بينما كان عددهم في العام 2019 قد وصل الى 652، وهذا بدوره يستدعي تدخلا سريعا من القطاعات الوطنية كافة، يهدف لانعاش ثقافة التبرع بالاعضاء.
ووضع القانون الأردني عددا من الشروط منها الالتزام بالفتاوى الصادرة عن مجلس الإفتاء الأردني بهذا الشأن وبخاصة ما يتعلق منها بالموت الدماغي ، و أن يتم النقل في مستشفى تتوافر فيه الشروط والمتطلبات الفنية اللازمة لنقل الأعضاء وزراعتها من قبل فريق من الأطباء والفنيين المختصين .
كما اشترط القانون على أن يوافق المتبرع خطياً وهو بكامل إرادته وأهليته على نقل العضو من جسمه وذلك قبل إجراء عملية النقل ، وإذا قرر الطبيب الشرعي تشريح جثة المتوفى لأغراض قانونية لمعرفة سبب الوفاة أو لاكتشاف جريمة فإنه يسمح له بنزع القرينة منها، وذلك وفقاً للشروط.
وفى لبنان تم تنظيم عمليات التبرع بالأعضاء بعد 11 عاما من إجراء أول عمليّة زرع أعضاء في البلاد عام 1972، وفي العام 1984 صدر مرسوم تشريعى يحمل الرقم 1442 لتنظيم عمليات وهب الأعضاء وزرعها، إضافة الى تحديد المراكز المؤهلة لهذه العمليّات.
وفي العام 1985، افتتح أول مركز لزرع الأعضاء في لبنان بمستشفى رزق، وتوالت من بعده المراكز المشابهة في المستشفيات الأخرى. وتمت أول عملية زرع كلية من شخص متوفى، العام 1990، نفس المستشفى رزق، فيما كانت أول عملية زرع قلب بمستشفى حمود، العام 1998، وأول عملية زرع كبد كانت في العام 1997 بمستشفى أوتيل ديو.