الجمعة، 22 نوفمبر 2024 09:34 ص

هل يشترط الإشهاد على الطلاق؟.. الآراء الفقهية تتباين بين وجوبه من عدمه.. المادة 21 من قانون الأسرة تزيد الأزمة.. والمحكمة الدستورية تحسم النزاع

هل يشترط الإشهاد على الطلاق؟.. الآراء الفقهية تتباين بين وجوبه من عدمه.. المادة 21 من قانون الأسرة تزيد الأزمة.. والمحكمة الدستورية تحسم النزاع الطلاق - أرشيفية
الثلاثاء، 24 مايو 2022 12:00 م
كتب علاء رضوان

الزواج ميثاق غليظ، وعقد أحاطه الإسلام بشرائع وآداب تحفظه من الانحلال والهدم، وهو من آيات الله ونعمه على عباده، به يعف العبد ويستمر النسل وتحفظ الأعراض، قال سبحانه وتعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" - الروم آية 21 - وقد نهي المسلم أن يعرض هذا الميثاق لكل ما يفسده، فحث الأزواج على حسن المعاشرة، وكل طلاق من دون بأس فهو ظلم وعدوان إما على النفس أو على الغير، أو عليهما معا لما يعرض الأولاد للسوء. 

 

وفى الحقيقة تواجه الأسرة في واقعنا المعاصر مشكلات وتحديات عديدة أفرزتها التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتحول التكنولوجي الهائل، وتهدد هذه المشكلات الآن مكانة الأسرة التي ظلت راسخة عبر قرون طويلة من الزمان، وقد نتج عن ذلك الآن على نطاق واسع من انحراف وجرائم الكبار والصغار وعزلة المسنين وتشرد المعاقين، وانتشار ما يعرف بالأسرة الفردية التي يمثلها فرد واحد "أرملة، مطلقة، مسن، عاجز"، وقد أدى هذا بالطبع وغيره إلى تغيير النظرة إلى الأسرة من حيث الوظائف التي تمارسها أو من حيث العلاقات بين أفرادها.  

 

Capture

 

في إطار الحوار المجتمعى.. هل يشترط الإشهاد على الطلاق؟

 

وتعاني الأسرة العربية مجموعة من التحديات والظروف الاقتصادية والاجتماعية بدأً من تكوينها بالرغم من الاهتمام الكبير بها من قبل كل الديانات السماوية والأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولقد تناول القرآن الكريم الزواج والأسرة في مجموعة كبيرة من الآيات، كما تناولت السيرة النبوية الأسرة بمجموعة من الأحاديث وحثت على أهمية الزواج وتكوين الأسرة وتربية الأولاد، مما يساعد على استقرارها، والأصل في الزواج عدم الطلاق ويبقى الطلاق تشريعاً استثنائياً وحلاً لحالات خاصة جداً فليس انتقاماً ولا تشفياً ولا إظهاراً للرجولة ولا هروباً من مواجهة المسؤولية. 

 

 

في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بمسألة "الإشهاد في الطلاق" خاصة بعد عملية فتح ملف "قانون الأحوال الشخصية" الذى يضعنا أمام العديد من المقترحات والرغبات من كلال الطرفين "الرجال – النساء"، وذلك بعد تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسي للقاضي الجليل عبدالله الباجا بتشكيل فريق من القضاة الأجلاء لتدشين حوار وطني مجتمعي قانوني حول قانون الأحوال الشخصية، وإمكانية تعديله بما يخدم الأسرة والمجتمع ويزيد الوعي الأخلاقي وينهي صراعات الرؤية والنفقة والطلاق، هو أمر محترم وحلقة مهمة من حلقات الحوار الوطني الذي بدأه الرئيس بحوار مائدة الإفطار ولجنة العفو الجديدة وخطوات الإصلاح السياسي داخليا وخارجيا – بحسب الخبير القانوني والمحامى مختار عادل.    

 

3

 

أما قضية الإشهاد في الطلاق:

 

في البداية - يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الطلاق/آية 1-2 : "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا، فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا"، وذهب جمهور علماء الأمة إلى أن الطلاق يقع من غير إشهاد، لأنه حق الزوج وله أن يتصرف في حقه كيف يشاء واستدلوا بأن المسلمين قديما وحديثا كانوا يطلقون ولم يشهدوا على هذا فدل على أن قوله تعالى:  "وأشهدوا ذوي عدل منكم"، إنما للندب مثل قوله تعالى  "وأشهدوا إذا تبايعتم"، فمن أشهد على طلاقه فحسن ومن لم يشهد فلا شيء عليه، بل هناك من قال أن آية سورة الطلاق ليست إلا للرجعة وليست للطلاق – وفقا لـ"عادل".

 

جمهور الفقهاء يرى أن الطلاق يقع بدون إشهاد

 

وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الطلاق يقع بدون إشهاد لأن الطلاق من حقوق الرجل ولا يحتاج إلى بينة كي يباشر حقه، ولم يرد عن النبي ولا عن الصحابة ما يدل على أن الإشهاد على الطلاق شرط لصحته ولا أن أحدا منهم توقف عن الطلاق لاستحضار شاهدين مع كثرة ما روى عنهم من ذلك، ولو كان الإشهاد شرطا لنقل إلينا لأنه يتكرر وقوعه في كل زمان، وعلى هذا فإن الإشهاد وإن لم يكن شرطا لصحة الطلاق، إلا أنه مستحب خشية الجحود عند النزاع.    

 

4

 

الآراء فقهية تشترط الاشهاد عند الطلاق

 

وقد خالفت الجمهور الشيعة الإمامية، واشترطوا لصحة وقوع الطلاق أن يحضره شاهدان يسمعان إنشاء الطلاق، فلا يقع بشاهد واحد ولو كان عدلا ولا بشهادة فاسقين، بل لابد من حضور شاهدين ظاهرهما العدالة، ولا تقبل عندهم شهادة النساء في الطلاق لا منفردات ولا منضمات إلى الرجال، واستندوا في ذلك إلى قوله تعالى في أحكام الطلاق وإنشائه في صورة الطلاق: "وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"، فهذا الأمر بالشهادة جاء بعد ذلك شاء الطلاق، وجواز الرجعة، فكان المناسب أن يكون راجعا إليه، وإن تعليل شهاد بأن يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر يرشح لذلك، ويقويه لأن حضور الشهود العدول لا يخلو من موعظة حسنة يزجونها إلى الزوجين، فيكون لهما مخرج من الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله سبحانه وتعالى - هكذا يقول "عادل".

 

 

وممن ذهب إلى وجوب الإشهاد واشتراطه لصحته من الصحابة: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعمران بن حصين رضي الله عنهما، ومن التابعين: الإمام محمد الباقر، والإمام جعفر الصادق، وبنوهما أثمة آل البيت رضوان الله عليهم، وكذلك عطاء، وابن جريج وابن سیرین رحمهم الله، وقد ذهب ابن حزم في "المحلی" إلى اشتراط الإشهاد لصحة الطلاق كما ذهب الشافعي إلى ذلك في القديم. 

 

6

 

الإشهاد بالطلاق من الناحية القانونية

 

أما الاشهاد بالطلاق من الناحية القانونية – يقول "عادل": القانون رقم "1" لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في بعض مسائل الأحوال الشخصية نص في المادة 21 منه على أنه: "لا يعتد في إثبات الطلاق عند الإنكار، إلا بالإشهاد والتوثيق، وعند طلب الإشهاد عليه وتوثيقه يلتزم الموثق بتبصير الزوجين بمخاطر الطلاق، ويدعوهما إلى اختيار حكم من أهله وحكم من أهلها التوفيق بينهما، فإن أصر الزوجان معا على إيقاع الطلاق فورا، أو قررا معا أن الطلاق قد وقع، أو قرر الزوج أنه أوقع الطلاق، وجب توثيق الطلاق بعد الإشهاد عليه".

 

رأى المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض في الاشهاد بالطلاق

 

إلا أن المحكمة الدستورية العليا قضت بتاريخ 15 يناير سنة 2006 في القضية رقم 131 لسنة 26 ق "دستورية" بعدم دستورية النص المذكور فيما تضمنه من قصر الاعتداد في إثبات الطلاق عند الإنكار على الإشهاد والتوثيق، وقد أخذت محكمة النقض - دائرة الأحوال الشخصية - برأي الجمهور فقضت بتاريخ 23 / 11 / 1982 في الطعن رقم 25 لسنة 51 بأن: "وإن اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية في اشتراط الإشهاد على الطلاق - فبينما أوجبه البعض ذهبت الغالبية إلى أنه ليس شرطا لوقوعه لأن الأمر به في قوله تعالى: "فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ"، هو للندب لا للوجوب غير أن أحدا منهم لم يستلزم لوقوع الطلاق أو ثبوته أن يكون موثقا. 

 

2

 

لما كان ذلك - وكان ما نصت عنه المادة الخامسة مكررا من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1979 المضافة بالقانون رقم 44 لسنة 1979 من وجوب مبادرة المطلق إلى توثيق إشهاد طلاقه لدى الموثق المختص لم يهدف - وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية - إلى وضع قيد على حق الطلاق الذي أسنده الله تعالى للزوج أو على جواز إثباته قضاء بكافة الطرق وإنما هدف إلى مجرد عدم سريان آثاره بالنسبة للزوجة إلا من تاريخ علمها به، فإنه لا على محكمة الموضوع إذا سمعت إثباتا للطلاق المدعي به إلى غير الشهود الموقعين على الوثيقة المحررة عنه.

 

الاثار المترتبة على اشتراط توثيق الطلاق  

 

وأري من وجهة نظري – طبقا لـ "عادل" - أن اشتراط توثيق الطلاق لوقوعه وترتيب آثاره عند إنكار الزوج يثير مشاكل عملية:

 

-إذا طلق زوجا زوجته شفويا ورفض توثيق الطلاق، فأقامت زوجته دعوى لإثبات الطلاق قضى بعدم سماع دعواها لعدم توثيق. 

 

-فهب أن تلك الطلقة كانت الثالثة بين الزوجين، أو أن الزوجة انقضت عدتها بعد وقوع الطلاق دون مراجعة وأنكر الزوجة على زوجته تلك الطلقة فما هو الحال؟

 

الوضع هنا وقوع الطلاق شرعا ولكنه لم يقع قانوناً، وبالقطع وفقا للرأي القائل باشتراط التوثيق ستجبر الزوجة على اللجوء إلى الخلع متنازلة عن كافة حقوقها الشرعية، لانقضاء رابطة الزوجية شرعاً – إذن - اشتراط توثيق الطلاق لوقوعه وترتيب آثاره عند الإنكار مخالف للشرع من حيث وقوع الطلاق بقول الزوج دون شرط الاشهاد عليه لأن الأخير للندب لا للوجوب، ومخالف من جهة أخرى للمستقر عليه شرعا في طرق الإثبات لاقتصار الإثبات على الاشهاد فقط دون البينة.     

 

111

لأول مرة محكمة الجنايات تتصدى لتوثيق الطلاق

 

هذا وقد سبق لمحكمة جنايات الجيزة – وأن أصدرت حكما فريدا من نوعه، يهم ملايين الأسر المصرية، حيث يعد من أوائل الأحكام الجنائية التي تتصدى للطلاق الشفوى، فقد ناشدت المحكمة المشرع بتحديد مدة زمنية لإثبات الطلاق الشفوى، وذلك في الحكم المقيد برقم 3424 لسنة 2019 جنايات مركز الجيزة.

 

المحكمة فى حيثيات حكمها قالت إن هناك نوعان من الحقائق، أولهما الحقيقة الافتراضية، وهى تلك الثابتة بالمحررات الرسمية سواء أكانت محررات رسمية أو محررات عرفية، وهناك حقيقة أخرى هى الحقيقة الواقعية، وهذه الحقيقة هى تلك الوقائع التى حدثت بالفعل فى الحياة سواء كان هناك دليل على وجودها وانتفى الدليل عليها، فهناك من يهدف إلى إخفاء الحقيقة الواقعية سواء بعد الإخطار بها أو التبليغ عنها أو إثباتها بالدفاتر والسجلات الرسمية. 

 

22

 

وثبت للمحكمة من شهادة الشهود - أن المتهمة كانت متزوجة من "أحمد. ز"، وقد طلقها الطلقة الثالثة البائنة، وأنه ارتكب أبشع الجرائم الاجتماعية التى لا يعاقب عليها القانون الجنائى، ألا وهى الطلاق الشفوى دون إثباته، أمام المأذون الرسمى، وأن تلك الجريمة الاجتماعية البشعة التى تدخل البيوت بمعرفة شياطين الإنس من مثل هؤلاء الأزواج، فتكون العلاقة الزوجية أمام الله سبحانه وتعالى قد انقطعت بالطلاق، ويكون من حق المطلق الملعون حقوقه الزوجية تجاه زوجته اغتصابا على الرغم من انتفاء المستند الرسمى للطلاق للدفاع على شرفها وعرضها وعدم ارتكابها لجريمة الزنا مع طليق خائن للعهد وللدين وللإنسانية .

 

 

"الجنايات" تطالب بإصدار تشريع يحدد مدة زمنية لإثبات الطلاق الشفوي

 

وانتهت المحكمة إلى أن المتهمة كانت وقت الزواج خالية من الموانع الشرعية عند تحرير وثيقة زواجها، ومن ثم يجوز لها الزواج من آخر، ويكون عقد زواجهما خاليا تماما من ثمة تزوير لأنه صادف الحقيقة التى لا ينال منها عدم وجود قسيمة طلاق لاحقة من الزوج الأول لأنها فى حقيقة الأمر وثيقة تصديق على طلاق حدث فى 2016، ويكون ما توصلت إليه المحكمة هى الحقيقة الواقعية.

 

 

أهابت المحكمة بالمشرع المصرى سواء من ناحية قوانين الأحوال الشخصية، وما يخص الزواج أو الطلاق أو المشرع الجنائى فيما يخص عن عدم التبليغ عن واقعة الطلاق الشفوى الصادر من الزوج وتجريم هذا الفعل السلبى، بأنها جريمة سلبية بالامتناع عن توثيق واقعة الطلاق خلال مدة يجب أن يحددها المشرع ويخطر بها الزوجة المطلقة، وذلك لإشباع حاجة المجتمع من تنظيم هذا الأمر الذى يجد خلوا من التشريعات المنظمة له، ويسند عبء ثقيل على المحاكم يمكن تجنبه ويضاف إلى ذلك خلال مدة التقاضى ما تلاقيه هذه المرأة من معاناة يعلم الله بها.

 

33
44
 

 

55
 

 

77

 

113073-113073-المحامى-مختار-عادل
الخبير القانونى والمحامى كختار عادل  
 
 

print