"منع البوركينى".. جدل لم تتخلص منه أوروبا حتى اليوم، حيث يتجدد الخلاف كل عام حول أحقية الحكومات الأوروبية والغربية في منع المحجبات من ارتداء زى السباحة الشرعى، لتخرج أصوات مؤيده للقرارات الحكومية على اعتبارها حماية للتوجهات العلمانية للدولة، في حين يٌعارض آخرون من منطلق أنها اعتداء على الحريات الشخصية والدينية.
وعلى الرغم من أن الدول الغربية لا تملك حتى اليوم قاعدة تشريعية واضحة تمنع المرأة المسلمة من ارتداء البوركينى على شواطئها وفى حمامات السباحة، إلا أن تطبيق المنع يتم من قبل جهات تنفيذية حكومية، وعبر قرارات منفردة لرؤساء البلديات والذين يمتلكون صلاحيات مثل تلك القرارات، ويستندون في قراراتهم إلى قوانين قائمة بالفعل ولكن يتم تطويعها لتتماشى مع حالة "البوركينى".
وتضرب فرنسا أعظم مثلا في هذا الخلاف الذى لا ينتهى، فخلال الأيام الماضية تفجرت من جديد قضية ارتداء البوركينى، وذلك مع إعلان رئاسة بلدية مدينة غرونوبل الفرنسية مؤخرا السماح للمحجبات بارتداء البوركينى في حمامات السباحة التابعة لها، وذلك ضمن قرارها بتخفيف الشروط المشددة المعمول بها في حمامات السباحة في عموم فرنسا.
وقال عمدة مدينة غرونوبل إيريك بيول، وهو أحد أبرز السياسيين في حزب الخضر، إن الغاية هي أن يكون بمقدور الناس ارتداء ملابس سباحة "كما يحلو لهم"، مضيفا "لا يتعلق الأمر باتخاذ موقف مع البوركيني أو ضده على وجه التحديد".
هذا القرار أثار موجه غضب في عموم فرنسا بمخالفة البلدية لقواعد قانون حماية علمانية الدولة، وواجه معارضة شديدة من جانب الحكومة، إذ طالب وزير الداخلية بالتصدي قانونياً للوائح الجديدة واصفاً إياها بأنها "استفزاز غير مقبول"
وانتقد وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، قرار السماح بارتداء البوركيني، واعتبره يتعارض مع قيم العلمانية التي تتبناها فرنسا، وأكد أنه سيلجأ إلى القضاء سعيا لإلغائه، كما وصل الأمر إلى اتهام إيريك بيول بـ"عقد صفقات مع الجاليات المسلمة لشراء الأصوات" خصوصا أن القرار يأتي قبل بضعة أسابيع من موعد الانتخابات التشريعية.
وكانت مدينة غرونوبل الواقعة في منطقة الألب شهدت احتجاجات على منع "لباس السباحة الإسلامي" نظمتها جمعية "تحالف المواطنة"، وفي عام 2019 نزلت مجموعة من الناشطات النسويات مع محجبات يرتدين البوركيني إلى بركة السباحة في أحد مسابح المدينة تحديا لهذا المنع، وتكرر الأمر عامي 2020 و2021.
ورغم أن فرنسا لا تمتلك قانون صريح يمنع ارتداء البوركينى، إلا أنه بموجب قانون جديد لمكافحة "الانفصالية" أقره البرلمان عام 2021، يمكن للحكومة الطعن في القرارات التي تشتبه في أنها تقوض التقاليد العلمانية الصارمة في فرنسا والتي تهدف إلى فصل الأديان عن الدولة، ويلزم القانون جميع الأطراف، بما في ذلك الشركات الخاصة التي تمثل الدولة أو تقدم خدمات حكومية على "ضمان احترام مبادئ العلمانية وحيادية الخدمة العامة".
وليست فرنسا حالة فريدة في الجدل حول البوركينى حيث تشهد أغلب دول أوروبا على وجه التحديد هذا الخلاف، فتأتى ألمانيا والنمسا في مقدمة الدول التي تتخذ بعض بلدياتها قرارات متحيزه لمنعه، ففي النمسا أقر مجلس ولاية "النمسا السفلى"، قانونا ينص على منع المحجبات من ارتداء "البوركيني"، أثناء دخول المسابح في مدينة "هاينفيلد".
وذكرت وسائل إعلام محلية، أن مجلس الولاية قرر منع اتداء "البوركيني" بدعوى "جعل المسابح صحية أكثر"، وأعرب رئيس بلدية هاينفيلد "ألبرت بيترلي"، في تصريح صحفي وقتها، عن تأييده لقرار المنع، مشيرا أن ذلك جاء وفقا لقواعد السباحة في البلاد.
وفى إيطاليا منعت بعض الشواطئ الإيطالية النساء من ارتداء المايوه الشرعي، في العام 2009، وأقرت غرامة تصل إلى 500 يورو في حالة ظهور امرأة به في المسابح أو الشواطئ، ووفقًا لـ"dw"، قال جان لوكا بونانو عمدة بلدة في مقاطعة بيمونتي، شمال إيطاليا، إن ارتداء النساء لـ"البوركيني" يزعج الأطفال الصغار وأيضًا يسبب مشاكل صحية.