عقد المزارعة يعتبر عقد على الزرع بين صاحب الأرض والمزارع، فيقسم الحاصل بينهما بالحصص التي يتفقان عليها وقت العقد، وتتميز عن الإيجار العادي بأن الأجرة فيها نسبة معينة من نفس المحصول الناتج من الأرض، فإذا لم تكن الأجرة حصة شائعة بل مقدار معين مثلاً عشرين طن أو عشرة أطنان، كان العقد إيجاراً لأرض زراعية، وتحدد مدة المزارعة تبعاً لاتفاق الطرفين، وإن لم تحدد فتكون المدة هي دورة زراعية سنوية.
وأما عن تعريف عقد المزارعة – فقد تجنب الكثير من التشريعات إيراد تعريف محدد لعقد المزارعة، وذلك تجنباً للإشكالات التي قد تنجم عن إيراد تعريف له وفضلت هذه التشريعات ترك ذلك للفقه، وتناولت معظم التشريعات العربية المزارعة، كالقانون المدني المصري في المادة "619" وما يليها، والقانون المدني الليبي في المادة "618" وما يليها، والقانون المدني العراقي في المادة "805" وما يليها ـ في باب الإيجار عقداً من العقود المسماة.
حزمة من الأسئلة الشائكة حول "عقد المزارعة"
ولم يرد في القانون المدني السوري أي تعريف لعقد المزارعة مع أنه قد خصص للمزارعة المواد من "586- 594"، إذ جاء في المادة "587" أنه تسري أحكام الإيجار على المزارعة، ويستنتج من نص هذه المادة أن المشرع اعتمد في هذا المجال مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، فقد أطلق حرية التعاقد في مجال العمل الزراعي، فإذا لم يكن ثمة اتفاق، فإنه يتعين الرجوع إلى العرف، فإن لم يكن ثمة عرف، يتعين تطبيق أحكام المزارعة والإيجار الواردة في القانون المدني.
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في عقود المزارعة، من حيث كيفية تنظيم القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 عملية إيجار الأراضي الزراعية، والإجابة على حزمة من الأسئلة أبرزها: ما هي أحكام المزارعة؟ ما جزاء الإخلال في التزامات المزارع المستأجر؟ كيف يكون انقضاء عقد المزارعة؟ ما أوجه الشبه والاختلاف بين عقد العمل الزراعي وعقد المزارعة؟ ما هي أركان عقد المزارعة؟ ما هي أوجه الشبه والاختلاف ببن عقد الإيجار وعقد المزارعة؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامي إسلام عاطف عبد العال.
للمزارعين.. كيفية تنظيم القانون المصرى لـ"عقود المزارعة"
في البداية - نظم القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 عملية إيجار الأراضي الزراعية وذلك في المواد من 619 وحتى المادة 627، وذلك من خلال تحديد التزامات لكل من المؤجر والمستأجر تجاه بعضمها البعض، وذلك لتجنب حدوث نزاعات بين الطرفين، حيث يجوز أن 1- تعطى الأرض الزراعية والأرض المغروسة بالأشجار مزارعة للمستأجر فى مقابل أخذ المؤجر جزء معينا من المحصول، وتسري أحكام الإيجار على المزارعة مع مراعاة الأحكام الآتية إذا لم يوجد اتفاق أو عرف يخالفها – وفقا لـ"عبد العال".
2-وإذا لم تعين مدة المزارعة، كانت المدة دورة زراعية سنوية، 3-كما أن الإيجار فى المزارعة تدخل فيه الأدوات الزراعية والمواشي التي توجد فى الأرض وقت التعاقد إذا كانت مملوكة للمؤجر، 4-ويجب على المستأجر أن يبذل فى الزراعة وفى المحافظة على الزرع من العناية ما يبذله في شئون نفسه، 5-كما أنه يعد مسئولا عما يصيب الأرض من التلف فى أثناء الانتفاع إلا إذا أثبت أنه بذل فى المحافظة عليها وفى صيانتها ما يبذله الشخص المعتاد، 6-ولا يلزم المستأجر أن يعوض ما نفق من المواشي ولا ما يلى من الأدوات الزراعية بلا خطأ منه، 7-وتوزع الغلة بين الطرفين بالنسبة المتفق عليها أو بالنسبة التى يعينها العرف، فإذا لم يوجد اتفاق أو عرف كان لكل منها نصف الغلة – الكلام لـ"عبد العال".
المشرع وضع القانون رقم 131 لسنة 1948 لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر
فإذا هلكت الغلة كلها أو بعضها بسبب قوة قاهرة، تحمل الطرفان معا تبعة هذا الهلاك ولا يرجع أحد منهما على الآخر، 8-ولا يجوز فى المزارعة أن ينزل المستأجر عن الإيجار أو أن يؤجر الأرض من الباطن إلا برضاء المؤجر، 9-ولا تنقضي المزارعة بموت المؤجر، ولكنها تنقضي بموت المستأجر، 10-وإذا انتهت المزارعة قبل انقضاء مدتها، وجب أن يرد للمستأجر أو لورثته ما أنفقه المستأجر على المحصول الذى لم يتم نضجه مع تعويض عادل عما قام به المستأجر من العمل، ومع ذلك إذا انتهت المزارعة بموت المستأجر، جاز لورثته عوضا عن استعمال حقهم فى استرداد النفقات المتقدم ذكرها أن يحلوا محل مورثهم حتى ينضج المحصول ما داموا يستطيعون القيام بذلك على الوجه المرضى – هكذا يقول الخبير القانونى.
أحكام عقد المزارعة
يترتب على عقد المزارعة عدة أحكام، فيما يتعلّق بالعاقدين أو الأرض المعقود عليها، أو الناتج وتقسيمه عند جني المحصول الناتج من العمل في زراعة الأرض، كما ينتهي عقد المزارعة بحالات معيّنة، وعن أحكام عقد المزارعة، يتم تقسيم المحصول الناتج من الأرض حسب ما يُتّفق عليه بين العاقدين، ولا يستحق منهم أي شيء إن لم يكن هناك ناتج من زراعة الأرض، وإذا أراد أحد أطراف العقد أن يُطالب بالزيادة في حصته من الناتج، أو الإنقاص من حصة آخر فهذا جائز، لكن برضا العاقدين، ومن المتعارف عليه أن ما يحتاجه الزرع خلال العمل به يتكفّل به الطرف العامل، وعلى العاقدين تقاسم النفقة التي تُنفق على الأرض بعد إدراك ما زرعه العامل، وذلك كلّ حسب ما له من حصص.
ويتم تقاسم نفقات السماد والنقل بحسب حصة كل طرف من العاقدين، إلّا في حال تم الاتفاق على غير ذلك وبرضا الجميع، وفي حال لم يتم الاتّفاق على بعض الأعمال الخاصة في الأرض، مثل الحراثة والسقي، يُؤخذ بعُرف الناس، وإن اشترط صاحب الأرض ذلك خلال العقد، ورضي العامل المزارع بذلك، فعليه الوفاء بهذا الشرط، وإن كان الزرع بحاجة للسقي، فعلى المزارع عدم التقصير في ذلك، فلو هلك الزرع بسبب عدم السقي، على المزارع ضمان ما تسبّب في هلاكه في عقد المزارعة الصحيح، وفي الفترة من إنشاء العقد إلى ما قبل تمام الزرع، يكون العقد غير لازم ويجوز فسخه، أما بمجرد إتمام عملية الزراعة فعلى الرأي الراجح يُصبح عقد المزارعة عقداً لازماً.
حالات انتهاء عقد المزارعة:
ينتهي عقد المزارعة في الحالات التالية: ينتهي عقد المزارعة بانتهاء مدة العقد، لكن قد يحتاج العاقدان إلى مدة أطول مما تم الاتفاق عليه، وذلك لإدراك الزرع وتحصيله وتقاسمه، ويحق لصاحب الأرض مطالبة العامل بأجرة المثل على الأرض، خلال الفترة من انتهاء العقد حتى تسليمها، تنتهي المزارعة بموت واحد من الأشخاص المتعاقدين، ففي حال موت صاحب الأرض، تبقى الأرض للمزارع حتى يُدرك الزرع ويجني المحصول، ويُسلّم الأرض للورثة بمجرّد الانتهاء من العمل، وإن كانت مدة العقد لفترة أطول من الفترة اللازمة لذلك، أمّا إن مات المزارع فعلى الورثة إتمام العمل الذي بدأ به، لحين إنهاء جميع الإجراءات اللازمة لذلك، وإن لم يقدر الورثة على ذلك، فعلى صاحب الأرض استئجار مزارع آخر، بنفس حصة المزارع الأول، وإن تم الاتفاق على حصة أقل، فورثة المزارع الأول هم الأحق بما يزيد عن أجر المزارع الجديد.