لكون أن بطء التقاضي نوع من الظلم للمتقاضين الذين يسعون للحصول على حقوقهم بالقضاء ولكون أنهم وللأسف يحصلون عليها بعد فوات الأوان خاصة عند الطعن بالنقض فى قضايا الجنح والذي قد يستغرق سنوات نظرا لزيادة الطعون بالنقض، فلقد صدر القانون رقم 7 لسنة 2016 بتعديل بعض أحكام قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض رقم 57 لسنة 1959 لتخفيف معاناة المتقاضين.
ولأجل ذلك جعل المشرع الطعن في أحكام محكمة الجنح المستأنفة بالحبس أمام محكمة النقض حر طليق على اعتبار أن هذه الأحكام تقيد حرية المحكوم عليه، ولكن في كثير من أحكام وقضايا الجنح قد يكون معاقب عليها بغرامة فقط، وفى هذه المسألة لم يطلق المشرع الطعن فيها بالنقض، بل حددها بنصاب تجاوز الغرامة الـ 20 ألف جنيه، وذلك في محاولة للتصدي لمسألة تفويت الفرصة على القضاة في بذل مجهودات مضنية من قبول طعن ونظر جلسات ومداولات بسبب غرامة لم تتجاوز 20 ألف جنيه.
إشكالية الطعن بالنقض في الجنح المعاقب عليها بالغرامة فقط
وفى هذا الشأن – يقول أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق - من المعلوم أن الغرامة من العقوبات الأصلية التي قد يجعلها المشرع العقوبة الوحيدة لبعض الجنح، أما إذا كانت تخيرية مع الحبس أو وجوبية جاز الطعن في الحكم الصادر فيها، ولو قضي بالغرامة فقط بغض النظر عن مقدارها أي ولو لم تجاوز العشرين ألف جنية، إذ مناط الطعن العقوبة المقررة للجريمة وليس ما ينطق به القاضي في حكمه.
وبحسب "فاروق" في تصريح لـ"برلماني" - هذا ولقد قضت جنح النقض أن مفاد نص المادة "30" من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض رقم 57 لسنة 1959 المستبدلة بالقانون 74 لسنة 2007 أنها لا تجيز الطعن في الأحكام الصادرة في مواد الجنح المعاقب عليها بالغرامة التي لا تجاوز 20 ألف جنيه، وكانت الجريمة التي أُدين بها الطاعن "السب" المعاقب عليها بالمادتين 171/3-4 ، 306 من قانون العقوبات تعاقب بالغرامة التي لا تزيد على 10 آلاف جنيه، فيكون الطعن مفصحاً عن عدم جوازه وهو ما يتعين التقرير به مع مصادرة الكفالة وتغريم الطاعنة مبلغاً مساوياً لمبلغ الكفالة عملاً بنص المادة 36 من القانون رقم 57 لسنة 1959 المارِّ ذكره وألزمتها المصاريف.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الأزمة في الطعن المقيد برقم 3945 لسنة 5 قضائية، حيث قالت في حيثيات الحكم أن الطعن بالنقض فى مواد الجنح المعاقب عليها بالغرامة التي لا تجاوز 20 ألف جنيه، غير جائز، فلما كانت المادة 30 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنـة 1959 والمعدلة بالقانون رقم 74 لسنـة 2007 نصت على عدم جواز الطعن بالنقض فى مواد الجنح المعاقب عليها بالغرامة التى لا تجاوز 20 ألف جنيه، ومن ثم فإن مناط عدم جواز الطعن هو قدر العقوبة التى تضمنها النص تقديراً من المشرع أن العقوبة المذكورة فى قصارى حدها الأقصى ليست من الخطورة أو الأهمية التى تتناسب مع إجازة الطعن فيـها بطريق النقض.
وبحسب "المحكمة": حول الطعن الذى يتعلق بجريمة عدم تقرير الإقرار الضريبى، "ومن ثــم فإن الحـكم الـصادر فى هذه الجرائم إذا لم يلتزم الحد الأقصى للعقوبة المقررة بأن جاوزه أو أوقع عقوبة أشد منها فلا يسوغ أن يغلق أمام المحكوم عليه طريق هذا الطعن بعد أن أهدر الحكم الاعتبارات التى قدرها المشرع، وكانت أساس هذا الحظر، والقول بغير ذلك أمر تأباه العدالة وينفر منه منطق القانون؛ وهو يخالف قاعدة شرعية الجرائم والعقاب ويكون استدراكه بإجازة الطعن فيه بطريق النقض.
عقوبة جريمة عدم تقديم الإقرار الضريبي
وتضيف "المحكمة": لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة عدم تقديم الإقرار الضريبي المعاقب عليها بغرامة لا تقل عن خمسين جنيهاً ولا تجاوز خمسمائة جنيه إلا أن الحكم لم يلتزم الحد الأقصى للعقوبة بل جاوزها إلى عقوبة نوعية أخرى ـــــ أشد ـــــ بأن عاقبه برد مبلغ الضريبة المستحقة فإنه يكون من المتعين إجازة الطعن فيه بطريق النقض باعتبار أنه السبيل القانوني أمام المحكوم عليه لتصحيح الخطأ الذى تردى فيه الحكم.
يشار إلى أن الحكم المطعون فيه قد أوقع على الطاعن ــــــ كما سلف القول ـــــ عقوبة رد مبلغ الضريبة المستحق وهى عقوبة ليس لها وجود فى المادة 187/ ثالثاً من القانون رقم 157 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 187 لسنة 1993 التى دانه بها فإنه يكون خالف القانون ويتعين تصحيحه بإلغاء ما قضى به من عقوبة رد الضريبة المستحقة ورفض الطعن فيما عدا ذلك.