نظرا لتبعات حالات الوفاة بسبب فيروس كورونا اوجدت نوع من القلق للآباء، فأصبح تفكيرهم في ذويهم أكثر، فمنهم من يريد تقسيم ثروته حال حياته على أبنائه، ومنهم من يريد عرض الهبة وأخر وصية، فقد فرض الله – عز وجل - المواريث وقسمها بين أهلها بحكمته وعلمه، وجاءت آيات قرآنية صريحة وواضحة تبين أحكام الميراث والتفصيل، والإرث في اللغة هو انتقال شيء عيني كأن تكون أرض أو مجوهرات، وربما غيرها من شخص إلى آخر بعد موته، وفي الاصطلاح هو استحقاق وتقسيم جزء من تركة الشخص المتوفى على شخص أو مجموعة أشخاص تربطهم به علاقة قرابة أو وصية أو غير ذلك.
ومن المتعارف عليه أن أحكام الإرث وتعيين نصيب كل وارث فى التركة من النظام العام، وكل تحايل على مخالفة هذه الأحكام وما يتفرع عنها من التعامل فى التركات المستقبلة باطل بطلاناً مطلقاً بما يتنافى مع إمكان إجازة التصرف الذي ينشأ عنه هذا التحايل، إلا أنه إذا كان التصرف وصية فإن المسألة تختلف عن غيرها، وكما ذكرنا من قبل فالعديد من الأباء منهم من يريد تقسيم ثروته حال حياته على أبنائه، ومنهم من يريد عرض الهبة وأخر وصية... هنا السؤال هل هذا حلال ويتفق والقانون المصري أم حرام؟ أو بمعنى أدق هل توزيع ثروة الأب في حياة عينه حلال أم حرام؟ والمثال الأقرب لهذا الأمر هو ما حدث مع الفنان رشوان توفيق.
توزيع ثروة الأب في حياة عينه حلال أم حرام شرعا؟
فى التقرير التالي، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية فى غاية الخطورة والأهمية بمكان تمس ملايين الأسر المصرية وهي حُكم الوصية والهبة لوارث في الشرع وفى القانون حيث عرفها فقهاء الشرع بأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع سواء كان الموصى به عيناَ أم منفعة، بينما عرفها قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 بأنها تصرف فى التركة مضاف إلى ما بعد الموت، بينما الهبة هي هدية ليست أكثر من ذلك يهبها الواهب للموهوب له بشرط قبولها من الطرف الأخر.
في البداية – تقول الخبير القانوني والمحامية المتخصصة في الشأن الأسرى رانيا هيكل - علينا أن نتطرق أولاَ لمعنى الهبة، فهي هدية ليست أكثر من ذلك يهبها الواهب للموهوب له بشرط قبولها من الطرف الأخر، وقد يضيف الواهب في عقد الهبة شروط سواء كان عدم انتقال ملكية الشيء الموهوب للموهوب له إلا بعد الوفاة أو أي شروط أخرى تتفق والنظام العام، فهنا إذا أراد الشخص تحرير "عقد هبة" لأحد ابناؤه لأنه أصغرهم أو أنه يحتاج لرعاية أكثر من ابناؤه ويخشى عليه هنا تصرفه صحيح وإلا عيب عليه، فالأصل في التصرفات الصحيحة هي النية الصحيحة، وأن لا يتعدى عرض الهبة أكثر من كونها هدية وليس تحايل على حدود الله سبحانه وتعالى في المواريث، فإن كانت الهبة غطاء على تعدي حدود الله فهو "آثم شرعا"، فهنا معيارنا الرئيسي في هذه الموضوع هو النية السليمة.
الهبة شرعا وقانونا
وبحسب "هيكل" فى تصريح لـ"برلمانى" - لما كان من المقرر فى المادة 486 من القانون المدني أن – "الهبة" عقد يتصرف به الواهب في مال دون عوض، ويجوز للواهب دون أن يتجرد عن نية التبرع أن يفرض علي الموهوب له القيام بالتزام معين - ومن ثم تكون "الهبة" عقداً لابد فيه من إيجاب وقبول متطابقين ولا تنعقد بإرادة الواهب المنفردة، كذلك من حق المورث في حياته أن يمنح وصية وجبه لأي شخص سواء كان من أحد ورثته أو غريب عنهم، ولكن في حدود الثلث وأن زادت عن الثلث يشترط اجازة الورثة لتلك الزيادة، وذلك استنادا لقول الله سبحانه وتعالى: "كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ"، وبناء عليه أباح القانون المصري الوصية في حدود ثلث التركة بموجب القانون رقم 71 لسنة 1946 – الكلام لـ"هيكل".
كذلك حققت الشريعة الإسلامية حق الوصية الوجبة للورثة، وتكون أيضا في حدود الثلث على سبيل المثال إذا توفي الإبن حال حياة ابيه فلأولاده نصيب من تركة الجد تعادل نصيب الأب أو الثلث كوصية واجبة أيهما أقل، وخلاصة القول إن من حق أي شخص أن يدير ماله في حياته كيفما يشاء، ولكن عليه مراجعة نيته التي يعلمها الله سبحانه وتعالى، وأن يبتعد تمام عن ثمة تحايل على حدود الله في المواريث، قال تعالى: "تلك حدود الله فلا تعتدوها"، فالنية هي أساس الثواب والذنب فعلينا الانتباه، وعلينا الانتباه أيضا أن لا يعود تفضيل أحد الابناء أو مساعدة أحدهم لا ينقص من ود الأخوات بعضهم لبعض أو أن تكون سببا في قطع صلة رحم، فيجب أن نحتاط جيدا لأي تصرف تجاه ابنائنا حتى نتركهم في الدنيا متحابين، وأن يذكرونا دائما بالدعاء لا الملامة أو أن تكون في صدورهم في صدورهم، ولنجعل أما أعيننا الآية الكريمة: "لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ" – هكذا تقول "هيكل".
الخبير القانونى والمحامية رانيا هيكل
ما هو حُكم الوصية لوارث شرعاَ وقانوناَ؟
وفى سياق أخر – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمد على شليل - ثبتت الوصية بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول، أما الكتاب فمنه قوله تعالى: "من بعد وصية يوصى بها أو دين"، ونحوه مما جاء فى آية المواريث من سورة النساء فقد شرع الله سبحانه وتعالى الميراث مرتبا على الوصية فدل على أن الوصية جائزة، ومنه قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض"، فقد ندبنا سبحانه وتعالى إلى الأشهاد على حال الوصية فدل على أنها مشروعة، وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم زيادة فى أعمالكم فضعوها حيث شئتم أو حيث أحببتم"، فجوز النبى "ص" الوصية بالثلث، وغير ذلك من الأحاديث الدالة على مشروعية الوصية.
ويضيف "شليل" في تصريح لـ"برلماني": تنقسم الوصية من حيث صفتها إلى خمسة أقسام:
1-واجبة:
وهي وصية المديون بما عليه لله تعالى من الزكوات والكفارات وفدية الصيام ونحو ذلك من الفرائض والواجبات التى قصر فيها فى حياته وكذا الديون التى فى ذمته للعباد والتى لا تعلم إلا من جهة الموصي كدين ووديعة لا يعلم بها من تثبت بقوله لأن الله تعالى فرض أداء الأمانات وطريقة هذا الباب الوصية، وتكون الوصية واجبة لازمة التنفيذ في حال وجود دين على الموصي أو وديعة له، وذلك لعدم ضياع الحقوق بعد وفاة الميت.
2-الوصية المحرمة:
وهي ما يترتب عليه ضرر بالورثة أو تفريق بين الناس أو أذى.
3-الوصية المستحبة:
وهي أن يوصي الميت بجزء من تركته للفقراء والمحتاجين وقفًا لله تعالى، وهى الوصية فى سبل الخير والنفع العام والخاص تقربا إلى الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له".
4-الوصية المكروهة:
وهي الوصية التي تحرم الورثة من خيرٍ هم بحاجته، أو التي تكون في غير موضعها من الخير، وهي الوصية لأهل الفسق فإنها تكره لهم خشية أن يستعينوا بها على التمادى فى فسقهم.
5-الوصية المباحة:
وهي أن يوصي الميت إلى من هم ليسوا بحاجة إلى المال ولكنهم أهل خير لا يخشى منهم ضياع للحقوق أو مضرة، وهي الوصية للغنى سواء أكان من الأقارب أم الأجانب إذا تجردت من قصد القربة، أما لو أوصى له لكونه من أهل العلم أو الصلاح أو ذا عيال إعانة فينبغى استحبابها.
شروط الوصية
1-أن يكون الموصي قادرًا على التبرع.
2-أن تكون الوصية برضا الموصي واختياره دون إجبار أو إكراه.
3-أن يكون الموصى به ملكًا للموصي.
4-أن يكون الموصى له شخص معلوم بعينه.
5-أن يكون الموصى له برًّا لا فاجرًا.
6-أن يكون الموصى له رجل خيّر لا يعرف بتضييع المال.
اختلاف الفقهاء في الوصية للوارث.. ورأى دار الإفتاء
هذا وقد اختلف الفقهاء فى الوصية للوارث، فقد قال ابن حزم والمالكية فى المشهور عندهم: "لا تجوز الوصية لوارث أصلا سواء أجاز الورثة أم لم يجيزوا لقوله صلى الله عليه وسلم - لا وصية لوارث - وعلل ابن حزم بأن الله سبحانه منع من ذلك فليس للورثة أن يجيزوا ما أبطله الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وإذا أجاز الورثة فابتداء عطية من عند أنفسهم فهو مالهم.
وقال الشافعية فى الأظهر عندهم: "الوصية للوارث صحيحة موقوفة على إجازة الورثة بعد الموت فإن ردوها بطلت وأن أجازوها صحت لحديث البيهقى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال - ولا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة - فدل قوله صلى الله عليه وسلم - إلا أن يجيز الورثة - على أن الحق لهم فإن أجازوها فقد رضوا بإسقاط حقهم فارتفع المانع.
وقال الحنفية الوصية للوارث ولو بالقليل لا تجوز إلا بإجازة الورثة بعد موت الموصى أما عدم جوازها عند عدم الإجازة فلقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أعطى كل ذى حق حقه فلا وصية لوارث"، ولأن البعض يتأذى بإيثار البعض ففي تجويزه قطيعة الرحم ويعتبر كونه وارثا أو غير وارث وقت الموت لا وقت الوصية لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت فيعتبر وقت التمليك، وأما الجواز عند إجازة الورثة بعد الموت فلأن المنع كان لحقهم وقد أسقطوا حقهم برضاهم فيزول المنع وفى بعض الروايات عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة".
رأى دار الإفتاء فى الوصية لوارث
أما دار الإفتاء المصرية فقد سبق لها التصدي لمثل هذا الأمر، وحسمت الأمر بقولها أن الأصل فى الدين يؤخذ من روح الشريعة ومقاصدها النبيلة السامية أنه لا يجوز إدخال الوحشة على الأولاد وسائر الأقارب بإيثار بعضهم لا في الحياة ولا بعد الممات إلا إذا وجد سبب وجيه يقره الشرع والعقل لإيثار بعضهم على بعض.
رأى محكمة النقض فى الأزمة
وقد أخذ القانون رقم 71 لسنة 1946 الخاص بأحكام الوصية والمأخوذة أحكامه من بعض المذاهب الفقهية الإسلامية بقول إجازة الوصية للوارث فى حدود الثلث من غير توقف على إجازة الورثة وذلك فى المادة 37 ونصها تصح الوصية بالثلث للوارث وغيره، وتنفذ من غير إجازة الورثة وتصح بما زاد على الثلث ولا تنفذ فى الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصى وكانوا من أهل التبرع عالمين بما يجيزون.
وقالت محكمة النقض فى الطعن المقيد برقم 410 لسنة 73 جلسة 13 أبريل 2010 أن أحكام الإرث وتعيين أنصبة الورثة من النظام العام، والتحايل على مخالفتها وما يتفرع عنها من التعامل فى التركات المستقبلة يكون أثره هو البطلان، وأن الأصل عدم جواز التصرف الناشئ عن هذا التحايل بينما الاستثناء فيه هو صحة الوصية للوارث وغير الوارث فى حدود ثلث التركة من غير إجازة الورثة رغم أن الوصية تعامل من المورث فى تركته المستقبلة، م1 37 ق لسنة 1946.
المشرع أجاز الوصية لوارث فى حدود الثلث
والمقرر فى قضاء محكمة النقض بأنه وإن كانت أحكام الإرث وتعيين نصيب كل وارث فى التركة من النظام العام وكل تحايل على مخالفة هذه الأحكام وما يتفرع عنها من التعامل فى التركات المستقبلة باطل بطلاناً مطلقاً بما يتنافى مع إمكان إجازة التصرف الذى ينشأ عنه هذا التحايل إلا أنه إذا كان التصرف وصية فإن المادة الأولى من قانون الوصية الصادر برقم 71 لسنة 1946 وقد اعتبرتها تصرفاً فى التركة مضافاً إلى ما بعد الموت فإنها تعد بذلك تعاملاً من الموصى فى تركته المستقبلة بإرادته المنفردة، وقد أجيزت استثناء بموجب أحكام الشريعة الإسلامية من المبدأ القاضى ببطلان التعامل فى التركة المستقبلة وهى تصح طبقاً للقانون المشار إليه للوارث وغير الوارث وتنفذ من غير إجازة الورثة إذا كانت فى حدود الثلث وذلك عملاً بالمادة 37 من قانون الوصية المشار إليه.