خلال أيام الشتاء تشهد العديد من المحافظات على مستوى الجمهورية تعطيل الدراسة بسبب سوء حالة الطقس، وذلك في محاولة لتجنب المخاطر وحفاظًا على أمن وسلامة أبناؤنا الطلاب، حيث تشهد مصر حالة من عدم الاستقرار في الأحوال الجوية - بحسب توقعات هيئة الأرصاد – فضلا عن انخفاض درجة الحرارة وسقوط أمطار من متوسطة إلى غزيرة، ولكن هل تعتبر السيول والأمطار بالمحافظات تعد من الظروف القهرية التي تمتد به المواعيد وتعطل فيه المصالح؟.
تعطيل المدارس للطلاب فقط دون الأعمال الأخرى – أصبح مادة للاستفهام تارة وللتهكم تارة أخرى حيث كتب أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي من شباب المحامين: "أمطار غزيرة على المدارس والمعلمين، وطقس مشمس على المحاكم والمحامين"، وهذا الأمر - يعكس حالة من الظروف الاستثنائية ويتوقف هذا الأمر على القرارات الصادرة من الجهات المعنية في الدولة وتوصيف الحالة توصيف دقيق بشأن عوائق السير والتنقل وتحذيرات الخروج واعلان إجازات بهذه المحافظات تشمل كل طوائف المقيمين فيها.
هل تُعد السيول والأمطار الغزيرة بالمحافظات من الظروف القهرية؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية تعطيل المدارس في محافظات دون أخرى مع استمرار الأعمال الأخرى، وهل تعتبر السيول والأمطار بالمحافظات تعد من الظروف القهرية التي تمتد به المواعيد وتعطل فيه المصالح؟ وما هو تعريف القوة القاهرة وطبيعته والتمييز بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ بحسب القانون التجارى، وشروطه وأثاره المترتبة عليه، وذلك في محاولة لتوضيح الأمر حال حدوث أمطار غزيرة أو سيول في أياَ من محافظات الجمهورية.
في البداية - يقول الخبير القانوني والمحامي بالنقض محمد ميزار - إذا حال أي ظرف من الظروف القهرية على أي محافظة من محافظات الجمهورية يكون هذا الظرف القهرى هو الذي جعله إقليما معزولاً فإنه يعتد بهذه الظروف الاستثنائية والتي جعلته منطقة كوارث حتى ولو كانت المواعيد في محافظة أخرى لم يشملها قرارات أستثنائية، أما إذا كانت الأمطار الغزيرة والسيول مما يتم التعامل معها وإمكانية السيطرة عليها، وأن التحذيرات تشمل فئة معينة كالأطفال وتعليق الدراسة، فهذا القرار هو إجراء احترازي غايته توخي الحذر لحمايتهم من ثمة أخطار، فإن هذا الأمر لا يعد من الظروف الاستثنائية والقهرية التي تمتد بها المواعيد، وأن كانت تعد قرينة يمكن الاهتداء بها في المنازعات وفي الإخلال بالتنفيذ في العلاقات التعاقدية والتي دائما ما تكون محل بحث القضاء للوقوف على مدى إمكانية التنفيذ من عدمه في ذلك الوقت، ومن تلك القرائن التي يمكن التعويل عليها وقف حركة السير من والي المحافظات في طرق معينه أو مدن بعينها.
الفرق بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ
ووفقا لـ"ميزار" فى تصريح لـ"برلمانى" - يجب أيضاَ أن نميز بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ حيث إنّ البعض يراهم تعبيرين مشابهين لاسم واحد، وبالتالي لا فرق في التمييز بينهما، حتى لو كانت القوة القاهرة تدل على صعوبة دفع الحادث، بينما يشير الحادث المفاجئ إلى عدم القدرة على التنبؤ، ويذهب آخرون إلى التفريق بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ، وهذا التمييز يعتمد على طبيعة الحادث، إذا كان الحادث خارجيًا ولم يكن من الممكن توقعه أو منعه بسبب إنه قوة قاهرة، على سبيل المثال، انهيارات أدت إلى انهيار متجر، ولكن إذا كان من الداخل الشيء، وكان من المستحيل دفعه، مثل انفجار آلة في محمص قهوة، حيث يكون حادث مفاجئ.
الخبير القانونى والمحامى محمد ميزار
شروط القوة القاهرة أولها:
1-عدم القدرة على التنبؤ بالحادث
وفى سياق أخر - يقول الخبير القانونى والمحامى علاء العيلى - أن للقوة القاهرة شروط يجب توافرها تتمثل في 1-عدم القدرة على التنبؤ بالحادث: إذا كان الحادث متوقعاً فلا يعتبر قوة قاهرة، حيث إن معيار عدم القدرة على التنبؤ هنا هو معيار موضوعي يتطلب أن يكون عدم القدرة على التنبؤ مطلقًا، ولا يكفي أن تكون غير متوقعة من جانب المدين، ولكن يجب أيضًا أن تكون غير متوقعة من جانب الأشخاص الأكثر حرصًا وحذرًا، ومن المهم معرفة أنه إذا كان الحادث متوقعًا من أجل التمييز بين المصطلحين، حيث إن الحادث متوقع لا يُنفى من المسؤولية؛ على سبيل المثال، يعتبر تساقط الثلوج في فصل الشتاء في مدينة سانت كاترين في جنوب سيناء أمرًا متوقعًا وبالتالي لا يعتبر قوة قاهرة، ويختلف الوقت الذي يجب فيه تلبية عدم القدرة على التنبؤ حسب نوع المسؤولية كالتالي:
المسؤولية التعاقدية: المتعلقة بالمعاملات التجارية وغيرها، حيث يجب أن يكون الحادث غير متوقع في لحظة إبرام العقد.
وبالنسبة للمسؤولية التقصيرية: يجب أن يكون هناك عدم القدرة على التنبؤ في لحظة وقوع الحادث.
2- استحالة دفع الحادثة:
ويضيف "العيلى" فى تصريحات خاصة - لا يكفي لظروف قاهرة عدم توقع وقوع الحادث، بل يجب صعوبة دفعها، وهذا يعني أن الحادث يجب أن يؤدي إلى الصعوبة مطلقة للوفاء بالالتزام، ليس للمدين وحده ولكن لأي شخص في وضع المدين ووضعه المالي، أمّا إذا كان المدين قادرًا على دفع الحادث ولم يقم بذلك، فإن هذا الحادث لا يعفي المدين من المسؤولية القانونية المالية حتى لو لم يكن متوقعا، ولا يوجد فرق هنا بين ما إذا كانت صعوبة الوفاء بالالتزام ماديًا، مثل الزلزال، أو استحالة أن تكون أخلاقيًا، كما لو أن الشخص يلتزم بعمل معين في يوم معين، وانتهاك ذلك نتيجة وفاة والده.
لذا فإن حدوث الموت هنا أمر أخلاقي مستحيل/ وبالتالي فهي معفاة من المسؤولية إذا كانت أيضًا غير متوقعة، حيث أن مسألة تقدير الاستحالة متروكة للمحكمة التجارية المختصة في هذا الشرط، هو تطبيق للقاعدة التي تقول: "لا يوجد التزام في التنازل"، وإذا أصبح تنفيذ الالتزام التعاقدي، نتيجة للحادث، عبئًا على المدين ولم يكن مستحيلًا، فإن الحادث لا يعتبر قوة قاهرة بل تسرى عليه أحكام نظرية الأحوال الطارئة بشرط استيفاء بقية شروطها.
3- أن يكون الحادث خارجيًا
إذا تسبب المدين في وقوع الحادث أو ساعد في وقوعه، فلا يعتبر الحادث قوة قاهرة حتى لو استوفى الشرطين السابقين، ومن ثم فهي ليست معفية من المسؤولية، وبالمثل، إذا كان الحادث داخليًا للشيء، فلا يعتبر قوة قاهرة، وبالتالي فهو غير معفي من المسؤولية، على سبيل المثال انفجار الإطار في السيارة.
آثار القوة القاهرة:
في حال كانت القوة القاهرة هي العامل الوحيد للضرر، أي أنه يؤدي إلى نفي المسؤولية من المدين، لأنه يكسر العلاقة السببية بين فعل المدين والضرر، أما إذا ساهمت القوة القاهرة في ارتكاب خطأ المدين في التسبب في الضرر، فإن المدين مسؤول مسؤولية كاملة عن ذلك الضرر، لأنه في مثل هذه الحالة لا يمكن تقسيم المسؤولية بين المدين وشخص آخر، حيث تجدر الإشارة إلى أن القوة القاهرة يمكن أن تؤدي إما إلى الإعفاء من تنفيذ الالتزام بشكل دائم، أو إلى تعليق تنفيذ الالتزام حتى انتهاء الحادث.
الخبير القانونى والمحامى علاء العيلى
تطبيق القوة القاهرة في نطاق القانون التجاري العام
لا تنطبق القوة القاهرة في البلدان التي تميز بين المحاكم العادية والمحاكم التجارية، فإذا تعذر على المدين بموجب عقد تجاري الوفاء بالتزامه بسبب قوة قاهرة، وله أن يلتزم بها أمام المحكمة الإدارية المختصة، وإذا تبين لهذه المحكمة أن شروط القوة القاهرة قد استوفيت، وجب عليها أن تحكم بانقضاء التزام المدين بسبب قوة قاهرة، وفي هذه الحالة لا يجوز أن يأمره بدفع المبلغ للدائن نتيجة الضرر الذي لحق به من خلال تعويضه بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه، حيث تجدر الإشارة إلى أن القوة القاهرة التي تعرض قضيتها أمام القضاء تحمل صفة فعل الذي سبقه، ومن ناحية أخرى، تسود نظرية الظروف الطارئة في مجال العدالة الإدارية على نظرية القوة القاهرة، حيث أخذت التشريعات العربية المعنية بنظرية القوة القاهرة، على سبيل المثال التشريعات السورية والمصرية واللبنانية والعراقية، لأنها أقدم تشريعات الدول العربية المستقلة.
وعن أحقية العامل أو الموظف في الحصول على إجازة نتيجة الطقس السيئ – يقول الخبير القانوني والمحامي بالنقض هانى صبرى – إن حالة الطقس السيئ من سيول وهطول أمطار بغزارة بمثابة ظروف طارئة، أو ظرف استثنائي ولا تعطل العمل في المصالح ولا تمتد بها المواعيد، ولا يحق للعامل فيها أن يتغيب عن العمل لأنه يوم عمل عادى، أما إذا كان لديه رصيد إجازات فيحق له أن يحصل على إجازة، أما القوة القاهرة أقوى من الظروف الطارئة قد تكون كوارث طبيعية أو أحداث سياسية أو ما يماثلها، والأمطار الغزيرة ليست من القوة القاهرة لأنه يشترط لاعتبار الحادث قوة قاهرة عدم إمكان توقعه أو استحالة دفعه، فإذا تخلف أحد هذين الشرطين انتفت عن الحادث صفة القوة القاهرة ولا يلزم لاعتباره ممكن التوقع أن يقع وفقاً للمألوف من الأمر بل يكفى لذلك أن تشير الظروف والملابسات إلى احتمال حصوله.
ويضيف "صبرى" في تصريح لـ"برلماني": فالقوة القاهرة في القانون هي احدى بنود العقود، تعفي كلا من الطرفين المتعاقدين من التزاماتهما عند حدوث ظروف قاهرة خارجة عن إرادتهما، مثل الحرب أو إضراب العمال، أو جريمة أو كوارث طبيعية كـزلزال أو فيضان، قد يمنع أحد تلك الأحداث طرفا من التعاقد أو الطرفين معا من تنفيذ التزاماته طبقا للعقد، ولكن بند القوة القاهرة لا ينطبق في حالة الإهمال ارتكاب فعل ضار، ولكن يظل الأمر معلقاً فيما يخص الظروف الحالية والتكييف السليم لها حسب القانون المصرى: هل توافرت شروط إعتبارها من قبيل القوة القاهرة في فيروس كورونا والزلزال أم يجب اعتبار ذلك هذه الظروف من قبيل الظروف الاستثنائية العابرة؟ وهل يستحيل تنفيذ الالتزام التعاقدي بشكل كلي؟ أم يتم التنفيذ العقد ولكن بشكل جزئي فقط نظراً للقرارات التي تصدر عن رئاسة مجلس الوزراء؟.
في تقديري أن حدوث أمطار أو الزلزال وعدم حدوث أضرار منه وانتشار وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) فى مصر والتدابير الاحترازية التى اتخذتها الدولة حيال ذلك الوباء وآثار التعطل في بعض المصالح بسبب بسبب الأمطار يعد من قبيل الحدث الطارئ، إذن في حالة عدم حضور الموظفين أو غيرهم من الأعمال الآخري نظراً لوجود أمطار فهذا فيه إهمال لعدم حدوث أي فعل ضار ناهيك عن أن معظم المؤسسات والمصالح تعمل، وأنه يوم عمل عادى ولا يوجد ما يستدعي لإيقاف الأعمال وتعطيل مصالح المواطنين، ويكون للقاضى مطلق الحرية في اعتبار هذه الظروف من قبيل الظروف الطارئة أو ظرف استثنائى حال وصول الأزمة لأروقة المحاكم – هكاذ يقول "صبرى".