"تزوجت عرفياَ من زوج خليجي الجنسية منذ 3 سنوات، وكما هو متعارف عليه فإن الزواج العرفي لا يصاحبه توثيق العقد مثلما اشترط المشرع بتوثيق الزواج حفظاً للحقوق والأبناء، وبعد مرور 3 سنوات، قررت العودة لأرض الوطن مصر، ومنح طفلي الجنسية المصرية، باعتبار أن هذا ما منحه لنا القانون المصري، وبالفعل حصلت على حكم قضائي بصحة توقيع زوجي على عقد الزواج العرفي ولم ينكره زوجي".. بهذه الكلمات سردت "أمل. ب"، 38 سنة، محافظة المنوفية، مأساتها لموقع "برلماني" في محاولة لإيجاد حلول قانونية.
وتابعت: "وبعد حصولي على الحكم، وبمجرد اخطار الجهات المعنية لإنهاء إجراءات منح طفلي الجنسية المصرية، فوجئت بطعن "مصلحة الأحوال المدنية" أمام محكمة القضاء الإداري على الحكم باعتبار أن الزواج عرفي، وأن زواج المصرية عرفيا من أجنبي يحرم الأطفال من جنسية الأم، فقدمت صورة رسمية من عقد الزواج العرفي بينى وبين الزوج الخليجي، وحكم محكمة شبرا الجزئية بصحة توقيع على عقد الزواج العرفي ولم ينكره الزوج، كما قدمت شهادة من وزارة الخارجية لدولة زوجى، مفادها إقرار الزوج باستعداده لتسوية وضع ابنته في مصر واصل شهادة ميلاد الطفلة، وتم حجز الدعوى للحكم".. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هي السيناريوهات المحتملة للحكم؟ وهل زواج المصرية عرفيا من أجنبي يحرم الأطفال من جنسية الأم؟
هل زواج المصرية عرفيا من أجنبي يحرم الأطفال من جنسية الأم؟
وللإجابة على تلك الإشكالية – يقول الخبير القانوني والمحامي بالنقض محسن جمال، إن المشرع المصري انتصر للصغير والأم المتزوجة عرفيا معا في مسألة "منح الجنسية"، باعتباره حق أصيل من حقوق الطفل، وفي ذات الوقت إعطاء الزوجة حق إثبات نسب أبنائها من الزواج العرفي في مجال منح الجنسية، حيث لم يشترط لمنح الجنسية للمولود من أب مصري أو لأم مصرية أن يكون عقد الزواج موثقاً، فإذا كان المشرع المصري قد قضى بتوثيق الزواج حفظاً للحقوق والأبناء إلا أن عملية التوثيق ليست ركناً من أركان عقد الزواج، فالزواج الشرعي يقوم بالرضا والإشهار، وتوثيقه شرط لسماع دعاوى الزوجية، ولا يمتد أثره إلى حق الأبناء في ثبوت نسبهم أو تحديد بياناتهم ومنها البيان الخاص بالجنسية.
وبحسب "جمال" في تصريح لـ"برلماني": أن المشرع الدستوري المصري مستظلاً بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء – وهدياً بالتطور الراهن للحقوق الأساسية للإنسان، والذي جعل منها جزءًا لا يتجزأ من المعاييـر الدوليـة التي تبنتها الأمم المتحضرة والتي باتت تشكل الضمير الإنساني العالمي في الوقت الحاضر، أورد أحكاماً رئيسيـة ترعـى الأسـرة المصرية سواء في خصائصهـا، أو على صعيـد الأفراد الذين يكونوهـا وفقاً للدستور، بحسبان أن الأسرة أساس المجتمع وأن الحق في تكوين أسرة، وما يرتبط به من حقوق للأبناء ثمرة تلك الأسرة، أنما يعد من الحقوق الشخصية اللصيقة بالإنسان.
وتابع الخبير القانوني: المشرع المصرى يؤكد دائما وأبدا أن قوام الأسرة الدين والأخلاق والوطنية، وأن الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيه من قيم وتقاليد هو ما ينبغي الحفاظ عليه وتوكيده وتنميته في العلائق داخل مجتمعها، كما أن قانون الجنسية المصري بعد التعديل قرر حكماً عاماً ولم يستثن المولود لأب عربي عندما قرر منح الجنسية المصرية لأبناء الأم المصرية من أب أجنبي، فمن ثم لا يجوز أن يضحى ذلك سنداً لحرمان المولود لأم مصرية وأب عربي من حقه في التمتع بالجنسية المصرية.
رأى المحكمة الإدارية في الأزمة
هذا وقد سبق للمحكمة الإدارية العليا، التصدي لمثل تلك الإشكالية، حينما قضت في عام 2017 بإجماع الآراء برفض الطعن المقام من وزارة الداخلية ضد الأم المصرية "ج. ع"، المتزوجة عرفياً من "ع. ح"، خليجي الجنسية، ومنح الجنسية المصرية لابنتهما، حيث قالت في حيثيات الحكم أن أوراق الدعوى جاءت خالية مما يفيد أن ثمة أسباباً تحول قانوناَ دون حصول ابنتها القاصرة على الجنسية المصرية الأمر الذي يتعين معه القضاء بثبوت الجنسية المصرية لها.
المحكمة قالت في الحيثيات أن الأمومة والطفولة قاعدة لبنيان الأسرة، ورعايتهما ضرورة لتقدمها، ومن ثم فإن توفير العناية والرعاية والحماية من قبل الدولة للأم للقيام بالتزاماتها تجاه أطفالها لم يعد ترفاً، وإنما مسئولية ملقاة على الدولة يتعين عليها الاضطلاع بها والذود عنها، وجرياً على هذا فقد حرص المشرع الدستوري على التأكيد على حقوق الطفل بحسبانه أضعف حلقات الأسرة وثمرة قيامها، وتلك الحقوق إنما تشكل في المقابل التزاماً على الدولة وعلى الوالدين كلا في إطار المسئولية الملقاة على عاتقه، وذلك على نحو قاطع لا لبس فيه وأولى هذا الحقوق حقه في الحصول على الجنسية المصرية لكل من يولد لأب مصري أو لأم مصرية والاعتراف القانوني به ومنحه أوراقاً رسمية ثبوتية حماية له ولبنيان المجتمع.
وتضيف "المحكمة": ومن ثم بات لازما على الدولة أن يكون هاجسها ومحركها الأساسي في كل ما تتخذه من إجراءات حيال الطفل هو تحقيق المصلحة الفضلى له ورعاية حقوقه المقررة دستورياً والتي غدت حقوقاً شخصية للطفل بوصفه كذلك لا يجوز الانتقاص منها أو التعدي عليها بأي قانون تتخذه الدولة، واختتمت المحكمة أنه ولما كانت الجهة الادارية "مصلحة الأحوال المدنية"، قد استخرجت لابنة المطعون ضدها شهادة ميلاد تثبت فيها أن الطفلة مولودة لأب خليجى وأم مصرية فلا يسوغ للجهة الطاعنة أن تنال من نسبة الابنة إلى الأم المطعون ضدها التي تحمل الجنسية المصرية، ويكون من أسباب رفضها منح الجنسية المصرية للابنة أنها نتاج زواج عرفى بين الأم المصرية والأب الخليجى غير قائم على أساس سليم ولا يحرمها من حقها الأصيل في الحصول على الجنسية المصرية حتى ولو كان الزواج ناجماً عن زواج عرفي حماية لها من ألا تكون بجنسية ما، واعترافاً بهويتها الإنسانية.