الأعمال الدرامية والسينمائية، لا تخلو من مواقف وحكايات تقع في إطار القانون، تتطلب مراجعة لأصحاب الخبرات القانونية لمعرفة الصفة أو الوضع القانوني الصحيح الذي ينطبق على أحداث تلك المسلسلات، من الأمثلة الفادحة مسلسل "إلا أنا.. حكاية حلم حياتي" الذي كانت آخر حلقاته بالأمس، حيث وقع القائمين على إخراج المسلسل في خطأ قانوني حيث قامت "خديجة" بالتنازل عن قضيتها بالتنمر عليها من قبل زميلي الجامعة رغم وصول القضية لأروقة المحاكم ومن المتعارف عليه أن قضايا التصالح لا تتضمن جريمة "التنمر".
وفى مثل هذه الأعمال الدرامية والسينمائية الأولى بالقائمين على العمل، الرجوع إلى مستشار قانوني لضبط الأحداث وما يتفق مع صحيح القانون، ولاسيما أن بعض البسطاء الذين يتابعون هذه الاعمال الدرامية، يبنون ثقافتهم ويستقون معلوماتهم من الأحداث التي يشاهدونها في هذه المسلسلات، حيث أنه في كثير من الأحيان يلجأ المخرج للتغاضي عن مطابقة الوقائع في المسلسل للقانون، من أجل الحبكة الدرامية، وهو ما يضفي الخيال واللامنطقية رونقًا وإبداعًا على الأعمال الفنية، لكن ذلك يمكن أن نقبله في مسلسلات واضحة تنتمي إلى عالم الخيال، أما الأعمال الدرامية التي تناقش قضايا المجتمع يجب أن تنقل الواقع صادقا ومطابقا للقانون من أجل الوصول للمصداقية.
هل يجوز التصالح في جرائم التنمر طبقا للتعديلات الأخيرة؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في الإجابة على السؤال.. هل يجوز التصالح في قضايا التنمر طبقا للتعديلات الأخيرة؟ وذلك في الوقت الذي تم فيه التنازل بعد الإحالة للمحاكمة وليس فى النيابة مثلما حدث فى قضية "فتاة الفستان"، حيث تم التصالح فى النيابة قبل الإحالة، ومدى خطورة استهانة القائمين على الأعمال الدرامية والسينمائية بالاستعانة بالمستشار القانوني سواء كان محاميا أو قاضيا سابقا، حيث أن الأعمال الدرامية التي تناقش قضايا المجتمع وتلقى بظلالها على السلبيات وعادات الجهل والرجعية، يجب أن تنقل الواقع صادقا ومطابقا للقانون، حيث أن الأعمال الدرامية تمثل رافدًا مهمًا من روافد الثقافة في المجتمع لذلك يجب أن تدقق وتمحص عند تقديم هذه الأعمال الفنية.
في البداية – يقول الخبير القانوني والمحامي بالنقض حسام حسن الجعفري، التنمر هو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء موجة من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة أخرى تكون أضعف وفي الغالب جسديا وهي من الأفعال المتكررة على مر الزمن والتي تنطوي على خلل قد يكون حقيقيا أو متصور في ميزان القوى بالنسبة للشخص ذي القوة الأكبر أو بالنسبة لمجموعة تهاجم مجموعة أخرى أقل منها في القوة.
ما هي أشكال التنمر؟
يقع التنمر في عدة أشكال منها:
1-عن طريق التحرش الفعلي والاعتداء البدني
2-أو يكون إرهابًا وتخويفا فقط
3-ومنها ما يكون بمنع الضحية من السير في الطريق أو إلجائه إلى أضيقه
4-ومنها ما يكون بالاعتداء على ماله ومتعلقاته سواء بإتلافها أو بالاستيلاء عليها
5-ومنها ما يصل إلى حد انتهاك العرض بأنواعه وصوره المختلفة أو غيرها من أساليب الإكراه الأكثر دهاء
التنمر على المستوى الدولي
وبحسب "الجعفرى" في تصريح لـ"برلماني" - التنمر ظاهرة عالمية، ولمواجهتها بدأت بعض الدول فى سن قوانين وتشريعات لمواجهة حوادث التنمر مع اختلاف درجة هذه التشريعات، ففي الدورة السابعة والستون للجنة القضاء على التمييز العنصري بالأمم المتحدة، تم صدور التوصية العامة الحادية والثلاثون بشأن منع التمييز العنصري في إدارة وسير عمل نظام العدالة الجنائية والذي اشارت في المادة "5" من الاتفاقية انه يقع على عاتق الدول الأطراف بموجبها التزام بضمان حق كل فرد دون أي تمييز على أساس العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الأثني، في المساواة أمام القانون، ولا سيما في التمتع بالحق في المعاملة المتساوية أمام المحاكم وجميع الأجهزة الأخرى التي تتولى إقامة العدل.
ووفقا لـ"الجعفرى": نصت المادة "6" من الاتفاقية نصت، على انه يقع على عاتق الدول الأطراف التزام بضمان حق كل فرد يوجد ضمن ولايتها في أن يتاح لـه سبيل انتصاف فعال ضد مرتكبي أفعال التمييز العنصري، دون أي تمييز من أي نوع، وسواء كان مرتكبو هذه الأفعال أفرادًا عاديين أو من موظفي الدولة، فضلًا عن الحق في التماس تعويض عادل وكاف عن الضرر المتكبد، إلا أننا فى مصر حتى الآن لم نصدر تشريعا واضحًا لمواجهة التنمر.
ما هي عقوبة التنمر بالقانون؟
طبقا للباب الحادي عشر من الكتاب الثاني من القانون نص على أن: "يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف جنية ولا تتجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من قام بعمل أو بالامتناع عن عمل يكون من شأنه إحداث التمييز بين الأفراد أو ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة وترتب على هذا التمييز إهدارًا لمبدأ تكافؤ الفرص أو العدالة الاجتماعية أو تكدير للسلم العام"، ويصل التنمر إلى استعراض القوة بحمل أسلحة لترويع المجني عليه، حيث تصل العقوبة إلى سنة إذا قام بها الجاني منفردًا، أو تصل لـ5 سنوات إذا كان بالاشتراك مع آخرين، طبقا لنص المادة 375 و375 مكرر المعدلة بالقرار بقانون رقم 10 لسنه 2011.
ما هي التعديلات التي تمت بشأن جريمة؟
طبقا للمادة 309 مكرراً "ب" من قانون العقوبات والمضافة بالقانون رقم 189 لسنة 2020 لوضع جزاء عقابي لجرائم التنمر: "يُعد تنمراً كل استعراض قوة أو سيطرة للجاني، أو استغلال ضعف للمجني عليه أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسيء للمجني عليه كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي؛ بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه من محيطه الاجتماعي، ومع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب المتنمر بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على ثلاثين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين".
ما هي عقوبة التنمر على الأشخاص ذوي الإعاقة؟
صدق الرئيس السيسي، منذ أيام على القانون رقم 156 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2018 والذي نص في مادته الأولى يضاف إلى قانون حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2018 مادة جديدة برقم "50 مكررا"، نصها الآتي: ويعاقب المتنمر على الشخص ذي الإعاقة بالحبس مدة لا تقل على سنتين وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه، أو إحدى هاتين العقوبتين، إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر، أو كان الفاعل من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه أو كان المجني عليه مسلمًا إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي أو كان خادمًا له أو لدى أحد ممن تقدم ذكره أما إذا اجتمع الطرفان يضاعف الحد الأدنى للعقوبة، وفي حالة العود، تضاعف العقوبة في حديها الأدنى.
هل يجوز الصلح في جرائم التنمر؟
لا يجوز الصلح في جرائم التنمر حيث أشارت وحددت المادة "18 مكرر. أ" من قانون الاجراءات الجنائية الجرائم التي يجوز الصلح بها حيث نصت: "للمجنى عليه أو وكيله الخاص ولورثته أو وكيلهم الخاص إثبات الصلح مع المتهم أمام النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال، وذلك في الجنح والمخالفات المنصوص عليها في المواد 238 الفقرتان الأولى والثانية و241 الفقرتان الأولى والثانية و242 الفقرات الأولى والثانية والثالثة و244 الفقرتان الأولى والثانية و256 و321 مكررا و321 و323 مكررا و324 مكررا "أولا" و324 مكررا و336 و340 و341 و342 و354 و358 و360 و361 "الفقرتان الأولى والثانية "و369 و370 و371 و373 و377 و370 البند 9 و378 فقرة 6 و7 و8 و379 فقرة 4 من قانون العقوبات وفى جميع الجنح التي يجوز رفعها بطريق الادعاء المباشر وفى الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون – الكلام لـ"الجعفرى".
رأى قانونى آخر: الأصل في القانون هو جواز التصالح في الجنح في أي مرحلة من مراحل الدعوى
وفى سياق آخر – يقول الخبير القانوني وأستاذ القانون الجنائى الدكتور علاء مبروك - مادة ١٨ مكرر (أ): للمجنى عليه أو وكيله الخاص، ولورثته، أو وكيلهم الخاص إثبات الصلح مع المتهم أمام النيابة العامة، أو المحكمة بحسب الأحوال، وذلك في الجنح والمخالفات المنصوص عليها في مواد قانون العقوبات، وفى الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون، ويجوز للمتهم أو وكيله إثبات الصلح المشار إليه في الفقرة السابقة، ويجوز الصلح في أية حالة كانت عليها الدعوى، وبعد صيرورة الحكم باتًا، ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا حصل الصلح أثناء تنفيذها ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة.
ويضيف "مبروك" في تصريحات خاصة - الأصل في القانون هو جواز التصالح في الجنح في أي مرحلة من مراحل الدعوى، سيما القضايا التي منشأها هو حق الشخص والتعدي عليه نفسا أو مالا ويجوز التصالح إلا إذا مثلت الواقعة جناية، وكافة الجنح باستثناء السرقات يجوز فيها التصالح فى أي مرحلة كانت عليها الدعوى، ولكن يثور هنا تساؤل أهم وهو تغليظ العقوبة بشأن التنمر على ذوي الهمم وهل يجوز لولي الأمر التصالح والتنازل إذا كان ذوي الهمم هو شخص مصاب بأفة عقلية تمنع عنه أهلية التصالح.
لا يجوز التوسع في المادة 18 مكرر "أ" من قانون الاجراءات الجنائية
من ناحية أخرى – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض سامى البوادى – بإنزال المادة 18 مكرر "أ" من قانون الاجراءات الجنائية بالفعل لم يرد النص علي التنمر في الجرائم التي يجوز التصالح فيها في أي حالة كانت عليها الدعوي، كما إن جريمة التنمر ليست من جرائم الشكوى، أى ليست بحاجة إلى تقديم بلاغات فيها بشكل مباشر إلى أجهزة الدولة، لكنها تدخل ضمن الجرائم التي هزت الشعور العام عقب تناولها إعلاميا، وإثارتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا ينبغي لتحريك الدعوى الجنائية قبل المتهمين في جرائم التنمر إلى شكوى من قبل المجني عليه بشكل مباشر لكنه بإمكانه التنازل في أي مرحلة من مراحل التحقيق، إذ اليس الضرر هنا شخصي يحق لمن أصابه أن يتنازل عن حقه ويقبل الصلح.
ويوضح "البوادى" في تصريحات خاصة - والصلح المنطوي عليه في القانون المصري هو 18 مكرر من قانون الاجراءات الجنائية، وهي وردت على سبيل الحصر وليس المثال ومن ثم لا يجوز التوسع فيها ولم يتم ذكر جريمة التنمر في المادة آنفة البيان، وإن كان لا يحوز فيها الصلح إنما بيد ك اثبات التصالح لكي يكون تحت بصر المحكمة حال الفصل في الدعوي بشأن توافر ظروف التخفيف حال الحكم أو القضاء بالبراءة.
مخاطر الاستهانة بعدم الاستعانة بالمستشار القانوني
وعن الاستهانة بعدم الاستعانة بمستشار قانونى في الأعمال الدرامية والسينمائية – يقول الخبير القانوني والمحامي بالنقض، والمستشار القانوني لنقابة المهن التمثيلية شعبان سعيد، أن هناك استهانة بالمشاهد المصري من قبل القائمين على الأعمال الدرامية والسينمائية من خلال عدم استعانتهم بالمستشارين القانونيين سواء محامين أو قضاة سابقين حيث أن 90% من الأعمال الدرامية التي تعرض على شاشة التلفزيون، تحتوي على أخطاء قانونية "فادحة"، وفى الحقيقة صناع الدراما يغفلون الرجوع إلى محامي ولا يراعون الأخطاء، وذلك لأن النقابة تهتم بالأشياء الفنية التي تتعلق بالنصوص والأداء، لكن لا علاقة لها بالشق القانوني.
ويؤكد "سعيد" في تصريحات خاصة - المهن القانونية ولاسيما المحاماة لا تمارس إلا من خلال مجالين أولهما الدفاع عن الحقوق أو المطالبة بها رغم تشعبها وتعددها، أما المجال الثاني فهو تقديم النصح من خلال المشورة أو الاستشارة أو الرأي في كافة مجالات القانون، ومن الثابت في الواقع العملي أن الاستشارة القانونية بصفتها عملاً من أعمال مهنة المحاماة لا تأخذ مكانتها المناسبة في ممارسة أعمال المحاماة بخلاف ما هو موجود في الدولة المتقدمة، ولربما يعزى سبب ذلك إلى قلة الوعي القانوني للمتعاملين مع المحامين ناهيك عن أنه في مجتمعاتنا يتم التعامل مع المشكلة بعد حدوثها ولا يتم التفكير في التعامل معها مسبقاً من خلال الوسائل الوقائية.
ويضيف المستشار القانوني للمهن التمثيلية - لذا يمكن الجزم بأن الاستشارة القانونية لا تحظى بالاهتمام المناسب من جمهور المتعاملين مع المحامين ولا من معظم المحامين أنفسهم، على الرغم من الخطورة التي تنطوي عليها مع أهمية وفاعلية هذا المجال من باب أن الاستشارة القانونية هي وقاية وأن الدعوى هي العلاج ويمكن تعريف الاستشارة القانونية بكونها طلب المشورة والرأي القانوني بخصوص مسالة معينة قد تكون أو لا تكون محل نزاع، حيث يسعى من خلالها طالب الاستشارة إلى معرفة موقف القانون بخصوص الموضوع المطروح، مستعينا بالخبرة القانونية العلمية والتجربة العملية للمستشار القانوني، وهو ما تكون الأعمال الدرامية والسينمائية بعيدة عنه كل البعد.