شهدت الفترة الماضية ارتفاع معدلات الانتحار بشكل ملحوظ خاصة من جانب الشباب، وهو ما دفع الجميع للتفكير فى حلول واقعية لمواجهة الظاهرة والحد منها، فى ظل الاتقسام الكبير داخل المجتمع بشأن التعامل مع المنتحر، هل هو مريض نفسى يحتاج إلى الرعاية والعلاج؟، أم أنه مجرم يستحق العقاب؟.
وأيا كانت الإجابة فمن المؤكد أن الانتحار نفسه كفعل هو جريمة يجب التصدى لها، الأمر الذى يتطلب حلولا تشريعية واجتماعية لمواجهة هذه الظاهرة التى تفاقمت، وفى هذا السياق قال النائب أحمد مهنى، عضو مجلس النواب، إنه سبق وأنت تقدم إلى مجلس البرلمان بمشروع قانون لتجريم الانتحار، مشيرا إلى أن ارتفاع معدلات الانتحار فى المجتمع يحتاج إلى وقفة جادة للتصدى لها من خلال تشريع رادع.
وأوضح مهنى، أنه المشروع الذى تقدم به يتضمن إضافة مادة رقم 46 مكرر إلى قانون العقوبات، تنص على: " كل من شرع فى الانتحار بأن أتى فعلاً من الأفعال التى قد تؤدى إلى وفاته يعاقب بالإيداع فى إحدى المصحات التى تنشأ لهذا الغرض بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع وزراء الصحة والداخلية التضامن الاجتماعى، وذلك ليعالج فيها طبيا ونفسيا واجتماعيا، ولا يجوز أن تقل مدة بقاء المحكوم عليه بالمصحة عن ثلاثة أشهر ولا أن تزيد على ثلاث سنوات، ما لم يقرر القاضى غير ذلك. ويكون الإفراج عن المودع بقرار من اللجنة المختصة بالإشراف على المودعين بالمصحة. وفى حالة العود يحكم تكون العقوبة الغرامة التى لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه. ولا يجوز الحكم بالإيداع إذا ارتكب الشروع فى الانتحار مرة اخرى بعد سبق الحكم عليه بتدبير الإيداع المشار إليه. ولا يعتبر شروعاً الانتحار مجرد العزم على ارتكابها ولا الأعمال التحضيرية لذلك."
وأكد مهنى، أن المنتحر ليس آثما فى حق نفسه فقط، وإنما فى حق المجتمع أيضا، لافتا إلى أن التعديل المقدم يتضمن توفير علاج نفسى للمنتحر قائلا: "هو فى الأغلب شخص مضغوط نفسيا أو يمر بضوائق أو يحاول الهروب من فعل مشين، الأمر الذى يعنى أنه ليس مجرم بالفطرة"، موضحا أن النص القانونى الحالى لا يجرم الانتحار أو الشروع فيه، وإنما يجرم التحريض على الانتحار باعتبارها أفعال تبث روح التشاؤم والانهزام، كما أنها تبسط فكرة الانتحار أو الموت وكأنها أمر بسيط يمكن لأى شخص القدوم عليه.
ومن جانبها تقدمت النائبة صفاء جابر عيادة، عضو مجلس النواب عن محافظة أسيوط، بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب، موجه إلى رئيس الوزراء، بشأن "تزايد حالات الانتحار خلال الأسابيع الأخيرة"، مشيرة إلى أن الانتحار أصبح ظاهرة مقلقة للغاية، نظرًا لتداخل عوامل فكرية ونفسية واجتماعية، ولذلك فإن تحليلها والبحث فى أسبابها يحتاج إلى جهد كبير وبحث دقيق من المختصين.
وأوضحت جابر، أن الانتحار فى مصر أصبح خبرًا شبه يومى، فى مختلف وسائل الإعلام، وبات ظاهرة، غير أن تزايدها فى الأسابيع الأخيرة، يثير المخاوف بشأن زيادة معدلاتها، حيث إن تفاقم الظاهرة يعد بمثابة جرس إنذار للجميع، مؤكدة على أن إقدِام العشرات من مختلف المحافظات على الانتحار، خلال أسابيع، أمر يستحق التدقيق بشكل مُعمق، وألا تمر تلك الحوادث دون دراسة حقيقية، فما يحدث يصعب أن يكون مصادفة، أو نتيجة لسوء أوضاع معيشية.
ولفتت نائبة أسيوط، إلى إن الانتحار خطيئة كبرى، تعد من كبائر الذنوب، وبالتالى فإن وراء كل حالة انتحار أسبابها وظروفها، ولكن ما لا نفهمه هو أن يكون نتيجة «ظرفية»، لتراكم الدِّيون، أو مواجهة القهر، أو ضغوطات الحياة اليومية.
وأكملت جابر، لا يمكننا التعاطى بسلبية، أو سطحية، مع موضوع الانتحار، أيًا تكون مسبباته وظروفه، فالأمر برمَّته كارثة حقيقية، تستوجب مواجهتها بكثير من المسؤولية الإنسانية على أقل تقدير.
وبدورها أكدت النائبة شيماء نبيه، عضو لجنة التضامن الاجتماعى بمجلس النواب، على أهمية وجود أخصائى نفسى أو تربية نفسية داخل كل مدرسة، مشيرة إلى أن دور الأخصائى النفسى فى المدارس فى السابق كان داعما وفعالا ومؤثرا فى حياة الطلاب.
وأرجعت النائبة، زيادة حالات الانتحار بسبب ترجع أو غياب دور الأخصائى النفسى فى التوعية والنصح والإرشاد وتقديم الدعم النفسى خاصة للطلاب فى بداية سن المراهقة، مشيرة إلى أن الأخصائى النفسى إن وجد فى المدرسة فقد تحول دوره للعمل الإدارى والإشرافى فى ظل العجز الكبير فى المعلمين.
وتساءلت عضو مجلس النواب: "هل الأخصائى النفسى مازال موجودا بالمدرسة؟ وإن وجد ما دوره؟ ولماذا غاب دوره فى ظل تطورات حدثت فى المجتمع المصرى بالتوسع فى استخدام التكنولوجيا وزيادة الانعزال بين الطلاب بالمدارس؟".
وطالبت عضو مجلس النواب، بضرورة أن يكون هناك أخصائى نفسى فى كل مدرسة مثلما يجب أن يكون هناك طبيب، وأن يتم تخصيص حصة أسبوعية للصحة النفسية والتوعية، خاصة مع زيادة حالات الانتحار وارتفاع معدل الجريمة والاستخدام السيئ للتكنولوجيا الحديثة.