أيام قليلة تفصل تونس عن حدث محورى قد يغير مجرى مستقبلها القريب والبعيد، حيث يتوجه التونسيون إلى صناديق الاقتراع في 25 يوليو للإدلاء بأصواتهم فى استفتاء الدستور الجديد، لتصحيح المسار الذى أودى بالبلاد إلى حافة الانهيار بعد سيطرة الإخوان على مقاليد الحكم منذ 2014.
"زمن الاستبداد ولّى بلا رجعة" .. هكذا دعا الرئيس التونسى قيس سعيد شعبه للنزول للاستفتاء، مؤكداً أن الاستبداد لن يعود لا بنص الدستور ولا بأي حكم تشريعي آخر.
ورأى في كلمة له، أن الشعب التونسي سيحمي الديمقراطية ولن يسمح بعودة البلاد إلى الوراء.
ودون مواربه حث سعيد الشعب التونسى للتصويت بنعم على الدستور الجديد، ليسدل الستار على دستور 2014 الذى كان أحد الأسباب لجر البلاد إلى النهب والفساد، وليستكمل به مسيرة التصحيح التى أطلقها فى يوليو الماضى بعد تجميد عمل البرلمان ثم حله.
ودافع سعيّد عن مشروع الدستور الذي أثار جدلا كبيرا مؤكدا أنه "لا خوف على الحقوق والحريّات" فهو "من روح الثورة ومن روح مسار التصحيح"، مؤكدا "ما أبعد ما يفترون ويذيعون عن الواقع".
وكان صادق بلعيد رئيس "اللجنة الوطنية الاستشارية لجمهورية جديدة" التي كلّفها سعيّد صياغة دستور جديد، قد قدم مسودّته للرئيس في 22 يونيو.
وأضاف أن الدستور الذي سيعرض على الاستفتاء لا تراجع عنه، معتبرا أن الواجب الوطني اقتضى عليه تحمّل المسؤولية كاملة.
كذلك رأى أن من يدعي الخوف من الديكتاتورية هم أنفسهم من عاثوا فسادا، مشدداً على أن بعض الانتقادات التي طالت مشروع الدستور مسيسة ومعروفة المصدر، وفق تعبيره.
ومن أبرز بنود الدستور اعتباره "تونس جزءا من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية"، وجاءت صياغة تلك المادة بهذه الطريقة للتصدى إلى هيمنة الأحزاب ذات المرجعية الدينية ومحاولات الخلط بين الدين والسياسة.
وشدد سعيد في المقابل على أن الدولة "تضمن للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية العامة دون تمييز".
ومن بين التعديلات التى شهدها الدستور الجديد أن يتم إنشاء "مجلس أقاليم" كغرفة ثانية للبرلمان، فيما يعطي رئيس الجمهورية صلاحية حل البرلمان والحكومة، والدعوة لانتخابات تشريعية.
وأدخل الدستور الجديد تعديلا على نظام الحكم فى تونس، حيث يجعله أقرب إلى النظام الرئاسي من البرلماني، محل دستور 2014 الذي أنشأ نظاماً هجيناً كان مصدر نزاعات متكرّرة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية خلال السنوات الماضية.
كما أضاف الرئيس عبارة "نظام ديمقراطي" إلى الفصل 55 من باب الحقوق والحريات، ليُصبح "لا توضَع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور إلا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطي وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العمومية".
وكذلك جرت الإشارة إلى انتخاب نواب الشعب "مباشرة"، في الفصل 60، فبات على النحو التالي: "يتم انتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب انتخاباً عاماً حراً مباشراً سرياً، لمدة خمس سنوات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدة النّيابية، وفق ما يضبطه القانون الانتخابي"، وهو ما لم يكن موجوداً في النص الأصلي.
وعدل كذلك عدد الأغلبية المطلوب في البرلمان، للمصادقة على قانون المالية ومخططات التنمية في الفصل 84، وأصبح: "لا تتم المصادقة على قانون المالية ومخطّطات التنمية إلاّ بأغلبية الأعضاء الحاضرين بكلّ من المجلسين، على ألاّ تقلّ هذه الأغلبية عن ثلث أعضاء كلّ مجلس".
وتضمن الفصل 89 حق النساء فى الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، حيث نص على "الترشّح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكلّ تونسي أو تونسية غير حامل لجنسية أخرى، مولود لأب وأم وجد لأب وجد لأم تونسيين، وكلّهم تونسيون من دون انقطاع".
وجرى كذلك توضيح المدة الرئاسية في الفصل 90: "ولا يجوز تولي رئاسة الجمهورية لأكثر من دورتين كاملتين، متّصلتين أو منفصلتين، وفي حالة الاستقالة، تُعتبر المدة الرئاسية كاملة".