تحولت أزمة الطاقة فى لبنان إلى كابوس خرجت تفاصيلة عن سيطرة الحكومة بالكامل، ووسط أزمة انقطاع متكرر للكهرباء وتكدس السيارات فى محطات البنزين، امتدت الأزمة لتطال المؤسسات الحكومية السيادية فى البلاد والتى عانت من غياب الكهرباء وخدمات الإنترنت، فغاب العمل الحكومى.
وتأثر البرلمان اللبنانى بأزمة الطاقة، حيث تجتمع اللجان فى مجلس النواب فى ظل انقطاع التيار الكهربائى، بلا تكييفات ولا تسجيل للمناقشات التى تدور من أجل إعداد محاضر.
ويعود سبب انقطاع الكهرباء الى أن معامل الإنتاج ربما ستتوقف بشكل انتهائى بسبب عدم توفر الفيول أويل والغاز أويل، وقد حاولت شركة كهرباء لبنان تأمين الكهرباء للمؤسسات الرسمية ولكنّها باتت تعانى من شحّ المواد لديها.
والأسبوع الماضى منع انقطاع التيار عن مبنى المجلس انعقاد اللجان النيابية، وهى المرة الأولى من نوعها التى يشهد فيها البرلمان اللبنانى انقطاعات للكهرباء فى معظم الجلسات البرلمانية.
ويقول مصدر فى وزارة الطاقة اللبنانية إن شركة الكهرباء قادرة على تأمين ما بين 10 و12 ساعة من الكهرباء يومياً، فى حال تأمن الوقود اللازم، لكننا نقتصر حالياً على ما يصلنا من الفيول العراقى الذى يؤمن 3 ساعات من التغذية غير المستقرة.
وكشف عضو كتلة "اللقاء الديموقراطى" النائب فيصل الصايغ اضطرار المجلس النيابى إلى "تأجيل اجتماع لجانه التى كانت مقررة الثلاثاء نظراً لانقطاع الكهرباء وعدم توفر مادة المازوت لتشغيل المولد فى المجلس، وبالتالى عدم وجود إضاءة وتكييف ومصاعد، والأهم تعذّر تشغيل أجهزة الصوت والتسجيل".
وأعربت النائبة حليمة قعقور عبر حسابها على "تويتر" عن أسفها لتأجيل جلسات اللجان الفرعية، قائلة: "للأسف تأجلت جلسات اللجان الفرعية والمخصصة لمناقشة قانون استقلالية القضاء وقانون تضارب المصالح، بسبب عدم توفر مازوت بالمجلس النيابي! دورنا كمشرعين ومشرعات منتهك لأسباب كثيرة منها غياب شفافية التصويت، وصولا لعجزنا عن مجرد الاجتماع فى قاعات البرلمان. وين رئيس المجلس؟".
ووسط أزمة الكهرباء يعانى المجلس النيابى أيضا من أزمة مالية حيث طالب مجلس النواب اللبنانى من وزارة المالية نفقات تصل إلى 3 ملايين دولار من أجل نفقات المجلس التشريعى، منها أدوات التنظيف والمساهمات والاشتراكات والمؤتمرات، ويأتى ذلك فى الوقت الذى تعانى فيه لبنان من أزمة اقتصادية طاحنة.
ووجه مجلس النواب اللبنانى، طلبا عاجلا إلى وزارة المالية، حيث طالب بتدبير نفقات تصل إلى مئة مليار ليرة (أى حوالى 3 ملايين دولار على سعر الدولار الحالى فى السوق الموازية)، وذلك من أجل التنظيفات والمساهمات والاشتراكات والمؤتمرات.
وكان تقرير لصحيفة اللواء اللبنانية قد رصد عددا من المشاكل التى يعانى منها مبنى المجلس التشريعى، فقد قالت إنه تأثّر كثيراً بانفجار المرفأ فى 4 أغسطس 2020، ونتيجة تأثره اليوم بأزمة الكهرباء التى يعانى منها لبنان بات يفتقد لوجود المصعد، ولا مياه فيه ولا كهرباء ولا إنترنت.
ومنعت الأزمة رئاسة الحكومة من إصلاح ما دمره انفجار مرفأ بيروت فى مبنى رئاسة الحكومة المعروف بـ"السراى الكبير" فباتت نوافذ السراى مغطاة بألواح من الخشب، وقطع من النايلون المقوى.
أما أزمة الكهرباء التى نادراً ما تصل إلى السراى حيث مقر الحكومة، فقد حتمت على المسؤولين عن المقر اللجوء إلى تقنين فى الخدمات التى تعتمد على الكهرباء، كإطفاء المكيفات (فى معظم المكاتب)، ما عدا مكتب رئيس الحكومة عند وجوده فيه. كما يعمد هؤلاء إلى تقنين الحد الأدنى عند غيابه عن السراي. وقد بات غياب رئيس الحكومة أكثر وضوحاً مؤخراً، مع حصره مواعيده بساعات ما قبل الظهر فقط، وبأربعة أيام فى الأسبوع من أجل توفير الطاقة والوقود.
أما القصر الجمهورى، فوفقا لصحيفة الشرق الأوسط، فوضعه أفضل نسبياً، لكونه يتميز بمعاملة كهربائية خاصة، كما وزارة الدفاع، ويعوّض ما ينقصه بتشغيل مولداته الخاصة وتأمين الوقود من موازنته التى تتمتع بالمرونة والاستقلالية.
وأضاف التقرير أن هذا لا يمنع انقطاع الكهرباء للحظات فى مكتب رئيس الجمهورية عند استقباله ضيوفه الأجانب، كما حصل فى أكثر من مرة، والتى يتم عادةً الاعتذار عنها بابتسامة خجولة، تقابلها ابتسامة تفهُّم من الضيف الذى يعرف كغيره من المسؤولين الأجانب حجم مشكلة الكهرباء فى لبنان.
وقد أثرت الأزمة المالية التى ضربت البلاد على آليات عمل أجهزة الدولة اللبنانية. فعدم اعتراف "مصرف لبنان" والدولة ككل بانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، واعتماد السعر القديم البالغ 1500 ليرة للدولار، يجعل أجهزة الدولة عاجزة عن التأقلم مع السعر الواقعى الذى تخطى أمس عتبة 34 ألف ليرة، وبالتالى عدم القدرة على شراء المستلزمات من الخارج وفقاً للسعر الرسمى، كما هى حال مؤسسة كهرباء لبنان التى تشكو باستمرار عدم موافقة "مصرف لبنان" على تحويل ما تمتلكه فى حساباتها بالليرة إلى الدولار وفقاً لسعر الصرف الرسمى من أجل شراء معدات وقطع غيار وفيول، وبالتالى، يعيش لبنان على الفيول العراقى الذى يؤمّن نحو 3 ساعات من التغذية يومياً، بدلاً من نحو 12 ساعة يمكن لمعامل الكهرباء تأمينها فيما لو تم تأمين الفيول.
وفيما يحمّل معارضو الرئيس ميشال عون، صهره جبران باسيل المسؤولية عن الهدر الكبير وعدم الإنجاز، كونه يشرف على القطاع مباشرة وعبر وزراء مقربين منه على وزارة الطاقة منذ أكثر من 15 عاماً، ويتهم الأخير السياسيين المعارضين له بعرقلة مهمته, ويسمى أحياناً رئيس البرلمان نبيه برى، ورئيس الحكومة السابق سعد الحريرى، بالإضافة إلى رئيسها الحالى نجيب ميقاتى.