في الحقيقة لم يتناول قانون المواريث كيفية انتقال التركة من المورث إلى الوارث، إذ لم يعتبر هذا الموضوع من موضوعات الأحوال الشخصية، فالأمر هنا يتعلق بالميراث باعتباره سبباً من أسباب كسب الملكية، تنتقل به ملكية التركة من المورث إلى الوارث، فهو يدخل إذن في الأحوال العينية "الأموال" إلا في الأحوال الشخصية، ولكن أحكام الشريعة الإسلامية مع ذلك هي التي تسري في شأنه، وقد صرحت بذلك المادة 875 مدني، فيعنينا هنا أن نعرض للميراث باعتباره سبباً من أسباب كسب الملكية، أن نبين أحكام الشريعة الإسلامية في تلك الأغشكالية، فإن هذه الأحكام هي الواجبة التطبيق فيما نحن بصدده.
وتنتقل جميع حقوق الوارث المالية – وهذه هي حقوق التركة – إلى الورثة عن طريق الميراث بوفاة المورث، إذ الوارث خلف المورث في حقوق المالية، وقد ورد في هذا المعني في الجزء الخامس من مصادر الحق في الفقه الإسلامي: "وإذا كان الفقه الإسلامي سلم بانتقال الحق إلى الوارث، فذلك بفضل خلافة الوارث للمورث، وفكرة الخلافة هذه تقضى بأن الوارث يقوم مقام المورث ويخلفه، فيجب إذن أن يخلفه في مجموع الحقوق لا في حق معين بالذات، فينتقل إلى الوارث هذا المجموع من الحقوق.
انتقال حقوق الشركة إلى الورثة
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية انتقال التركة من المورث الى الوارث وغيرها من المسائل التي تتعلق بالتركة والمواريث، الأبرز انتقال حقوق التركة إلى الورثة، والإجابة على حزمة من الأسئلة أهمها متى تنتقل حقوق التركة إلى الورثة؟ وهل تنتقل ديون التركة إلى الورثة أسوة بحقوقها وما هو مدى نطاق القاعدة التي تقضي بألا تركة إلا بعد سداد الدين؟ وما هو حكم تصرف الورثة في أعيان التركة قبل سداد الديون وما يجب من الحماية لحقوق دائني التركة؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض عبد العزيز حسين عمار.
في البداية – المعنى الأدق في هذه المسألة أن يقال إن الوارث هو الذي ينتقل ليحل محل مورثه في مجموع حقوقه، فيقوم مقامه في هذه الحقوق ويخلفه عليها، ومثل الوارث الموصى له بجزء من مجموع الحقوق، فإن نظرية الخلافة تتسع له كما اتسعت للوارث، إذ أن كليهما يخلف الميت في مجموع الحقوق لا في حق معين بالذات، والحقوق التي تنتقل إلى الوارث هي الحقوق المالية، فتنتقل إليه ملكية أعيان التركة، والحقوق العينية الأصلية الأخرى التي للمورث إلا ما كان منها ينقضي بالموت كحق الانتفاع، والحقوق العينية التبعية كحق الرهن وحق الاختصاص وحقوق الامتياز – وفقا لـ"عمار".
لملايين الورثة.. هل تنتقل ديون التركة إلى الورثة أسوة بحقوقها؟
أما ما كان من الحقوق ليس حقاً مالياً، وما كان حقاً مالياً ولكنه متصل بشخص المورث، وما اتصل بمشيئة المورث لا بماله، فإن شيئاً من هذا لا ينتقل إلى الوارث، لأن طبيعة الحق تستعصى على هذا الانتقال، وتأبى إلا بقاء الحق مع صاحبه الأصلي وزواله بموته، ومثل الحقوق غير المالية حق الحضانة وحق الولاية على النفس وحق الولاية على المال، فهذه كلها لا تنتقل إلى الوارث لأنها حقوق غير مالية، ومثل الحقوق المالية المتصلة بشخص المورث الحق في النفقة سواء كان الدائن بها زوجة أو قريباً، فلا ينتقل هذا الحق إلى الوارث بعد موت الدائن بالنفقة، وذلك ما لم يأذن القاضي للدائن بالاستدانة ويستدن فعلاً - الكلام لـ"عمار".
كذلك حق الرجوع في الهبة حين يجوز الرجوع حق متصل بشخص الواهب، فلا ينتقل منه إلى وارثه، بل يسقط بموته، وقد أكدت هذا المعنى المادة 502 مدني، حين جعلت من موانع الرجوع في الهبة موت أحد طرفي العقد، الواهب أو الموهوب له، وحق الأجل في الدين قام فيه خلاف من حيث اتصاله بشخص المدين لا بشخص الدائن، فهو يورث عن الدائن دون خلاف في ذلك، فإذا مات الدائن قبل حلول الأجل بقى الأجل على حاله ولم يحل الدين، وعلى ورثة الدائن أن يتربصوا حتى يحل الأجل ليطالبوا بحق مورثهم.
المشرع أرسى قاعدة: "لا تركة إلا بعد سداد الدين"
أما إذا مات المدين قبل حلول الأجل، فمن يقول باتصال الأجل بشخص المدين لا يجعل الأجل ينتقل إلى الوارث فينتفع بما بقى منه، كما كان ينتفع المدين لو بقي حياً، وعلى ذلك يسقط الأجل بموت المدين ولا ينتقل إلى الوارث، فيحل الدين ولو لم يحل أجله، وظاهر أن هذا القول يتعارض مع ما هو مقرر في القانون المصري من أن الأجل في الدين متصل بالدين ذاته لا بشخص المدين، بل هو وصف في الدين، فإذا مات المدين لم يحل الدين إذا كان الأجل لم ينقض، وقد حصرت المادة 273 مدني أسباب سقوط حق المدين في الأجل، وليس الموت من بينها، فالأجل إذن لا يسقط بموت المدين.
ولا شك في أن هذا هو القانون الوضعي في مصر ، فلا تجوز مخالفته، بقى أن نتلمس قولاً في الفقه الإسلامي يتفق مع هذا الحكم، حتى لا يتعارض الفقه الإسلامي مع أحكام القانون في مسألة قلنا إن أحكام الشريعة الإسلامية تسري في شأنها، وفي مذهب "مالك" لا يسقط الأجل بموت المدين، إذا اشترط المدين بقاء الدين مؤجلاً بعد موته إلى أن ينقضي الأجل، ولكن هذا لا يكفي، إذ يكون الأصل في الأجل عند مالك أن يسقط بموت المدين إلا إذا اشترط المدين بقاءه بعد موته .
الأجل لا يسقط بموت المدين
أما في القانون المصري فالأجل لا يسقط بموت المدين، سواء اشترط المدين بقاءه بعد موته أو لم يشترط، والأقرب إلى القانون المصري في هذه المسألة هو رواية في المذهب الحنبلي، ففي هذا المذهب روايتان في سقوط الأجل بموت المدين، إحداهما أن الأجل لا يسقط بموت المدين إذا وثق الورثة الدين، ومعنى توثيق الورثة للدين أن يقدموا ضماناً للدائن يأمن به على حقه، وهذا هو نفس ما تقضى به المادة 895 / 2 مدني في تصفية التركة تصفية جماعية، إذ تقول: "وترتب المحكمة لكل دائن من دائني التركة تأميناً كافياً على عقار أو منقول، على أن تحتفظ لمن كان له تأمين خاص بنفس".
ومن المعروف من الناحية القانونية والعملية أن ديون المتوفى تقضى من تركته، بعد وفاته، فإن بقي بعد سداد الديون شيء في التركة، آلت إلى ورثته، وإن استغرقت الديون كل التركة، لم ينتقل شيء منها إلى ورثته، وإن لم تكف التركة لسداد جميع ديون المورث، فلا يُسأل الورثة في أموالهم الخاصة عن سدادها، ولا يلزمون قانونًا بذلك.
3 عناصر يؤدى منها التركة
وتنص المادة الرابعة من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 على أنه: "يؤدى من التركة بحسب الترتيب الآتي: "1-ما يكفي لتجهيز الميت، ومن تلزمه نفقته من الموت إلى الدفن، 2-ديون الميت، 3- ما أوصى به في الحد الذي تنفذ فيه الوصية"، ويوزع ما بقي بعد ذلك على الورثة، فإذا لم يوجد ورثة قضى من التركة بالترتيب الآتي:
أولاً: استحقاق من أقر له الميت بنسب على غيره.
ثانياً: ما أوصى به فيما زاد على الحد الذي تنفذ فيه الوصية، فإذا لم يوجد أحد من هؤلاء آلت التركة أو ما بقي منها إلى الخزانة العامة.
ما السبيل إذا تبقى من التركة أموال بعد سداد الديون؟
وتنص المادة 899 من القانون المدني على أنه: "بعد تنفيذ التزامات التركة، يؤول ما بقى من أموالها إلى الورثة كل بحسب نصيبه الشرعي"، ومن المقرر – شرعاً وقانوناً – أن: شخصية الوارث مستقلة عن شخصية المورث، وأن أموال وأعيان التركة منفصلة عن أشخاص الورثة وأموالهم الخاصة، لذا فإن ديون المورث تتعلق بتركته بمجرد الوفاة، ويكون للدائنين عليها حق عيني، فيتقاضون منها ديونهم قبل أن يؤول شيء منها للورثة، ولا تنشغل بها ذمة ورثته، ومن ثم فلا تنتقل التزامات المورث إلى ذمة الوارث لمجرد كونه وارثاً إلا في حدود ما آل إليه من أموال التركة، تطبيقاً للقاعدة الشرعية التي تقضي بأنه "لا تركة إلا بعد سداد الديون"، ويندرج في تلك الديون "المتعة" أو "مؤخر الصداق".
وأن أوان ووقت الميراث – على ما يُؤخذ من قوله تعالى "من بعد وصية يوصى بها أو دين" – لا يتحقق إلا بعد قضاء ديون المورث، وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943.
تطبيقات محكمة النقض
وقد سبق لمحكمة النقض المصرية وأن تصدت لهذه الإشكالية في الطعن المقيد برقم 154 لسنة 67 قضائية "أحوال شخصية" – جلسة 30/3/1998 – حيث قالت إن هذا النعي غير مقبول، ذلك بأنه لما كانت شخصية الوارث مستقلة عن شخصية المورث، والتركة منفصلة عن أشخاص الورثة وأموالهم الخاصة، فإن ديون المورث تتعلق بتركته ولا تنشغل بها ذمة ورثته، ومن ثم فلا تنتقل التزامات المورث إلى ذمة الوارث لمجرد كونه وارثاً إلا في حدود ما آل إليه من أموال التركة، ومن المقرر شرعاً أنه "لا تركة إلا بعد سداد الديون" التي تندرج فيها المتعة المحكوم بها، فأوان الميراث – على ما يُؤخذ من قوله تعالى "من بعد وصية يوصى بها أو دين" – لا يتحقق إلا بعد قضاء ديون المورث، وهذا هو الراجح في مذهب أبي حنيفة.
لما كان ذلك، وكانت المطعون ضدها قد أقامت الدعوى ابتداءاً على مورث الطاعنين، وبعد وفاته اختصمت الطاعنين ابتغاء الحكم لها بالمتعة في تركة مورثهم، وإذ أجابها الحكم المطعون فيه إلى طلبها، دون مساس بذمة الطاعنين الخاصة، الذين لم يجادلوا في أصل استحقاقها للمتعة، فإنه أياً كان الشأن في مقدار تلك التركة فإن المتعة لا تخرج عنها، ولا تتعداها إلى أموال الطاعنين الخاصة، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدفاع الذي تلتزم محكمة الموضوع بالرد عليه هو الدفاع الجوهري الذي من شأنه – إن صح – أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى، والذي يكون مدعيه قد أقام الدليل عليه، وما دون ذلك من قبيل المرسل من القول الذي لا إلزام على محكمة الموضوع بالالتفات إليه.
الخلاصة:
أن ديون المورث، إنما تقضى من تركته، بعد وفاته، فإن بقي – بعد سداد الديون – شيء في التركة، آلت إلى ورثته، وإن استغرقت الديون كل التركة، لم ينتقل شيء منها إلى ورثته، وإن لم تكف التركة لسداد جميع ديون المورث، فلا يُسأل الورثة – في أموالهم الخاصة – عن سدادها، ولا يلزمون قانوناً بذلك، ولكن يحبذ "شرعاً" أن يفوا بديون مورثهم، ولو من أموالهم الخاصة، حتى يرحموه من عذاب القبر واليوم الآخر، فتكون لهم بذلك صدقة وقربى وصلة رحم يثابون عليها في الدنيا والآخرة، إن كانوا – بالطبع – يستطيعون الوفاء بديون مورثهم، وإلا طلبوا التجاوز عنها والمسامحة فيها من الدائنين حتى تبرأ ذمة مورثهم.