الأصل عند جمهور الفقهاء أن الوصايا اختيارية يبر بها الشخص من أراد أو يجبر بها ما فاته من أعمال البر في حياته، لكن في أحوال غير قليلة كثرت منها الشكوى، يموت الشخص في حياة أمه أو أبيه أو يموت معهم، فتحرم ذريته من ميراثه الذي كان يستحقه لو عاش إلى وفاة والديه وذلك بسبب وجود من يحجب أبناءه من الميراث، فبذلك يجتمع مع فقد العائل الحرمان من مال قد يكون الشخص المتوفى ممن ساهم في بنائه ولا ذنب لذريته أن تحرم منه.
وحتى لا يضطرب ميزان توزيع الثروة في الأسرة الواحدة، وحتى لا يقع الضرر على مثل هؤلاء الأحفاد، رأى المشرع وتلافيا لمثل هذه الحالة، علاجها عن طريق آخر غير الإرث وهو الوصية الواجبة المفروضة بحكم القانون، وتستمد قوتها منه، بحيث إذا أوصى بها الشخص مختارا نفذت، وإن لم يوصي بها وجبت بحكم القانون، وذلك في الوقت الذي كثرت فيه قضايا المواريث، وأصبحت المحاكم مكتظة بها ليس بين جمهور المتقاضين فحسب – بل وصل الأمر للتقاضي بين المشاهير ورجال الأعمال.
إشكالية الوصية الواجبة والاثار المترتبة عليها
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية الوصية الواجبة والاثار المترتبة عليها، والرأي الشرعي حولها، ومن هم الذين يجوز الوصية لهم؟ وشروط استحقاق الوصية القانونية؟ وكيفية تحديد مقدار الوصية القانونية، وخصائص الوصية، وذلك في الوقت الذى تعرف فيه "الوصية" من الناحية اللغوية بأنها الوصل، يقال وصيت كذا بكذا بمعنى وصلته وهو من باب الوعد، ووصى إلى فلان توصية وأوصى إيصاء بمعنى واحد أي أنه جعله وصيًّا من بعده، وقد تستعمل استعمال المصدر منه، وفي الإسلام تعريف الوصية أنها الأمر بالتصرف بعد الموت، وتكون تبرع من الإنسان في حال حياته إلى إنسان آخر أو إلى جهة خير على أن تنفذ الوصية بعد موت الشخص، ويكون تنفيذ الوصية على عاتق الورثة أو الدولة في حال عدم وجودهم، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ" – بحسب الخبير القانوني والمحامي محمد سليمان.
في البداية - الوصية الواجبة هي نظام نصت عليه الشريعة الاسلامية والسنة النبوية لحماية أولاد الابن أو البنت في حالة وفاة والدهما أو أمهم أثناء حياة جدهما، وذلك حماية لهم نظرا لعدم وجود مال ينفقون منهما، وتعويضا لهم عن فقدان ابيهم أو أمهم، فشرعت لهم الوصية الواجبة لكي يستطيعوا أن يأخذوا نصيب ابيهم أو أمهم في الميراث، كما لو كانوا على قيد الحياة، فهناك حالات اجتماعية في حاجة الى علاج قانوني - وذلك لأنه كثير ما يموت أحد الأولاد في حياة أبيه أو امه - ولو أنه عاش بعدهما لورث من مالهم نصيبا يتركه لأولاده هو - ولكن المنية تعاجله، فينفرد بميراث الأب أو الأم اخوة هذا الولد المتوفي ولا يرث أولاد المتوفي شيئا في تركة جدهم أو جدتهم - لأنهم إما أن يكونوا من ذوي الأرحام المؤخرين في الميراث عن اصحاب الفروض والعصبات – وفقا لـ"سليمان".
الوصية شرعا وقانونا
هذا وقد قال الله تعالى: " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين"، ولقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الوصية لأولاد الأولاد الذي مات ابيهم أو أمهم قبل موت الجد أو الجد، هو واجب ديني على هؤلاء الأصول فإن لم يفعلوا كانوا آثمين أمام الله تعالى، بينما ذهب البعض الأخر من الفقهاء إلى أنه لم توصى الاجداد او الجدات لأولاد اولادهم - لزمت الوصية - ووجب على ولي الأمر أن يأخذ من التركة قدر هذه الوصية، ولذلك جاء قانون الوصية - رقم 71 لسنة 1946 - لعلاج هذا الأمر قانونا مستندا الى بعض آيات القرآن الكريم، وأخذوا أراء الفقهاء الذين يرونه لزوم الوصية فأوجب الوصية لهؤلاء الأحفاد، كما جاء في المواد 76، 77، 78، منه، ونصوص هذه المواد الثلاث كما يلي – الكلام لـ"سليمان":
نصوص القانون في الوصية
المادة 76: معه ولو حكم بمثل ما كان يستحقه هذا الولد ميراثا في تركته لو كان حيا عند موته وجبت للفرع في التركة وصية بقدر هذا النصيب في حدود الثلث - بشرط أن يكون غير وارث - وإلا يكون الميت قد اعطاه بغير عوض من طريق تصرف أخر قد ما يجب له وإن كان ما اعطاه أقل منه، وجبت له وصية بقدر ما يكمله، ويكون هذه الوصية لأهل الطبقة الأولى من أولاد البنات ولأولاد الأبناء من أولاد الظهور وإن نزلوا على أن يحجب كل أصل فروعه دون فرع غيره - وأن يقسم نصيب كل أصل على فرعه، وأن نزل قسمة الميراث كما لو كان أصله أو اصوله الذين يدلي بهم إلى الميت ماتوا بعده وكان موتهم مرتبا كترتيب الطبقات.
المادة 77: إذا اوصى الميت لمن وجبت له الوصية بأكثر من نصيبه كانت الزيادة وصية اختيارية - وأن أوصى له بأقل من نصيبه وجب له ما يكمله - وأن اوصى لبعض من وجبت لهم الوصية دون البعض الأخر- وجب لمن يوصى له قدر نصيبه من لم يوصى له ويوفي نصيب من اوصى له بأقل مما وجب من باقي الثلث، فإن ضاق عن ذلك فمنه وما هو مشغول بالوصية الاختيارية.
المادة 78: الوصية الواجبة مقدمه على غيرها من الوصايا - فإذا لم يوصى الميت لمن وجبت لهم الوصية واوصى لغيرهم استحق كل من وجبت له الوصية قدر نصيبه من باقي ثلث التركة وان وفي وإلا فمنه ولما اوصى به لغيرهم.
وعلى ذلك فإن الواجب لهم الوصية هم:
1- أولاد الأبناء مهما نزلوا كابن ابن الابن وأن نزل وإنما لا يستحق هذه الوصية إلا أولاد البنات فقط دون أولادهم كبنت البنت أو ابن البنت، أما ابن أو بنت البنت فلا تستحق ايهما وصية واجبة أي يستحق الوصية الواجبة أولاد الظهور أما اولاد البطون فلا يستحقون إلا لدرجة واحدة انزل من الميراث.
2- الفروع من مات مع ابيه أو أمه، بحيث لا يعلم من مات منهم أولا - كالغرق والحرقى والهدمى - لأن هؤلاء لا يتوارث بعضهم من بعض، فلا يرث الفرع أصله في تلك الحالة، فيكون حاله كحال من مات قبل ابيه أو امه.
وشروط استحقاق الوصية القانونية:
1- ألا يكونوا وارثين - فإن استحقوا ميراثا قليلا كان أو كثيرا لم تجب لهم الوصية.
مثال:
إذا توفى شخص عن بنت وبنت ابن وبنت بنت وعم شقيق وجبت الوصية لبنت البنت لأنها غير وارثه - دون بنت الابن - لأنها وارثه مهما كان ميراثها قليلا.
2-ألا يكون المتوفي قد اعطاهم ما يساوي الوصية الواجبة بغير عوض عن طريق تصرف كالهبة ونحوها - فإن كان قد اعطاهم أقل منها وجبت لهم وصية بما يكمل المقدار المستحق.
مقدار الوصية الواجبة قانونا:
جعل القانون مقدار الوصية الواجبة هو ما كان يستحقه الفرع المتوفي لو بقى حيا حتى مات اصله بحيث لا يجوز ذلك النصيب ثلث التركة، وعلى هذا كان مقدار الوصية هو الأقل من ميراث الفرع المتوفي من الثلث، وقد قصر القانون وجوب الوصية على الثلث لأن مجال تنفيذ الوصايا شرعا جبرا على الورثة هو ثلث التركة، فلا تنفذ الوصية فيما زاد عليه إلا بإجازتهم.
مثال:
توفى رجل عن أولاد بنت توفيت في حياة ابيها وعم شقيق، فإن أولاد البنت المتوفاة يستحقون وصية واجبة بمقدار نصيب أمهم أو الثلث اليهما أقل، ولأن نصيب أمهم هنا النصف فإنهم يستحقون الثلث فقط.
كيفية تحديد مقدار الوصية القانونية:
يمكن تطبيق الطريقة الآتية لتحديد مقدار الوصية الواجبة في التركة:
1- أن تكون الوصية بمقدار نصيب الولد المتوفي في حياة أصله فلا تجاوزه.
2- أن يكون اخراج هذا القدر من التركة باعتباره وصية تخرج أولا من جميع التركة، فيتأثر به نصيب جميع الورثة- لا باعتباره ميراثا.
3- ألا يزيد هذا المقدار عن ثلث التركة.
فيفرض الولد المتوفي في حياة أصله حيا ليعرف مقدار ما كان يرثه لو كان موجودا، ثم يخرج هذا النصيب من التركة بشرط ألا يزيد عن الثلث ثم يقسم الباقي بعد الوصية على الورثة الموجودين وقت موت المورث طبقا للقواعد الشرعية.
خصائص الوصية:
1- مقدمة على الميراث.
2- لا تتجاوز الثلث.
ولكنها تخالف الميراث فيما يأتي:
1- أنها لا تنفذ إذا كان الميت قد اعطى مستحقيها بغير عوض قدر ما يجب لهم - بخلاف الميراث في ذلك.
2- أن كل أصل يحجب فرعه فقط في استحقاقها بخلاف الميراث فإن الأصل فيه يحجب فرعه وفروع غيره.
وإذا كان القانون ينفذها وأن لم ينشئها الموصي ونظم أحكامها بحيث لا تحتاج إلى قبول من يستحقها ولا ترتد بردهم لها وقسمتها بينهم للذكر ضعف الانثى، وتلك بعض أحكام الميراث فليس في ذلك دلالة على أنها ميراث لوجود الفارق بينهما.