تعتبر فترة الرضاعة التي تبدأ من الولادة ولمدة محدودة من أهم وأخطر مراحل عمر الإنسان، لكون الأخير يكون رضيعا في هذه المرحلة ولا حول ولا قوة، فهو يحتاج لمساعدة غيره لغرض تغذيته ونمو جسمه، وإلا تعرض للهلاك، وحينئذ تقييد الواقعة قتل بالترك أو الامتناع، مثل عدم إغاثة الممرضة للمريض في المستشفى ما يؤدى لوفاته، وعلى الوالدين رضاعته لكونه يعتبر ثمرة زواجهما وخاصة الأم حيث إن حليبها – كما يرى الأطباء والمتخصصون – يعتبر أفضل غذاء له أثناء فترة الرضاعة، وهذا ما أثبتته الاستكشافات الطبية الحديثة، كما يتوجب على الأب استئجار مرضعة أخرى له في حالة تعذر الأم القيام برضاعته لأى سبب كان شريطة حالة يسر الأب وعسره.
وفى الحقيقة - ما زالت ردود الأفعال وحالة الشد والجذب مستمرة عبر "السوشيال ميديا" بسبب التصريحات المتلفزة حول "أجر الزوجة مقابل إرضاع الصغير"، وأن القرآن الكريم لم يجبر السيدات على إرضاع أولادهن، ومنذ تداول ذلك الفيديو وأصبحت "السوشيال ميديا" ساحة مبارزة ما بين مؤيد ومعارض، حتى خرج الدكتور عباس شومان المشرف على الفتوى بالأزهر الشريف، ليؤكد إن الزوجة لا تستحق أجرة على الرضاعة، وإنما تستحق المطلقة فقط، فالأمر بالرضاع يكون للأم لأنها أكثر شفقة، وأكثر حبا لما باشرته من الولادة .
عن حديث الساعة.. أجر الرضاعة فقها وقانونا
فقد حرص الإسلام على حماية حقوق الأطفال، ومن هذه الحقوق حق الرضاعة، فقد أجرى الله سبحانه وتعالى اللبن في صدر الأم جامعا لكل العناصر الغذائية التي يحتاجها الطفل منذ ولادته، فقد أكد الأطباء وخبراء الصحة والتغذية أن هذا اللبن النازل من ثدي الأم، يعتبر تحصين للطفل ضد العدوى، كما أنه يساعد علي نمو الجهاز العصبي، أي انه يعطي المناعة للطفل وهذا لا يكون الا من الأم، ويؤكد ذلك في قصة أم موسي قال تعالي: "وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنْ أَرْضِعِيهِ"، فألهم الله عزوجل أم موسي حين ولدته وخشيت عليه أن يذبحه فرعون أن ترضعه مطمئنة.
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية ترتبط بحديث الساعة ألا وهى أجر الرضاعة فقها وقانونا، ونظرا لأهمية وخطورة مرحلة الرضاعة من عمر الإنسان، كما تبين لنا فإن الله عز وجل شرع لنا أحكامها في كتابه الكريم، ولم يترك لنا المجال لكى نقوم بتشريعها حسب أهوائنا ورغباتنا، إذ جاء في الأية "233" من سورة البقرة: " وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" – صدق الله العظيم – بحسب الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الأسرى محمد فؤاد.
الرأي الأول: أجر رضاعة الصغير من الناحية الفقهية
في البداية – يجب علينا أن نتطرف أولا لمسألة أجر الرضاعة فقها – كما ورد سابقا في الأية "233" من سورة البقرة، فالرضاعة واجبة على كل أم بموجب الأمر القرءانى، ورأى مذهب الحنفية: عندهم لا تستحق الأم أجرة على إرضاع ولدها في حال قيام النكاح أو إذا كانت معتدة من طلاق رجعي، سواء اتفقت مع الأب "أي مع أبي الولد وهو زوجها" على إرضاعه بالأجرة أو أرضعته بدون اتفاق، ثم طالبته بالأجرة، وعللوا ذلك بأن إرضاعه واجب عليها ديانة، ولا أجرة على القيام بما هو واجب ديانة - وهذا هو رأى جمهور الفقهاء - ولكن الاختلاف على إستحقاق الام المرضعة لأجر الرضاعة فى حال طلاقها أو وفاة زوجها عائلها، فذهب فريق الى عدم استحقاق الأم المرضعة لاجر رضاعة لأن الآية الكريمة لم تفرق بين الزوجة والأرملة والمطلقات واللواتى يرضعن أولادهن، وإذا كان النص عاما فلا يجوز تخصيصه، وإذا كان النص مطلقا فلا يجوز قيده - وفقا لـ"فؤاد".
أما الرأى الثانى: أجر رضاعة الصغير من وجه فقهى أخر
أما الرأى الثانى وهو أجر رضاعة الصغير من وجه فقهى أخر فإن المطلقة المرضعة أو الأرملة المرضعة من حقها الحصول على مقابل إرضاعها لوليدها بشرط أن تنتهى العدة وألا تتجاوز عامين، واستندوا فى ذلك إلى عدة أسباب الكلام لـ"فؤاد":
1- أن الصغير نفقته على ابيه، كما هو ثابت فى نفس الآية المباركة، وبما أن الرضيع لا يأكل ولا يشرب إلا من ثدى أمه، فلها أن تجمع بين حقوقها الشرعية وحق صغيرها فى الإطعام .
2- أن الرضاعة تحتاج إلى اهتمام بالأم وبتغذيتها، لأن ذلك يؤثر على رضيعها، وبالتالى فإن الأم طوال مدة الرضاعة يجب أن تتناول غذاء به كافة العناصر الغذائية ليعود ذلك بالنفع على الرضيع، فلا تضار الأم بولدها إذا أرضعته الحولين كاملين ولا ينتقص إرضاعه من صحتها وعافيتها.
3- أن النص القرآنى حدد مدة الرضاعة لعامين، فلو كانت المرضعة مطلقة تعنت معها زوجها وضيق عليها فى نفقة صغيره، فكان الأوجب بالشريعة أن تحمى المطلقة أو الأرملة من ذلك العنت الذى سيقع عليها من الملتزم بالنفقة.
ثانيا: الرأى القانونى حول أجر الرضاعة
أخذ القانون المصرى بالرأى الثانى من استحقاق المطلقة أو الأرملة لأجر رضاعة، على مدار قرن من الزمان وطبقا للقانون رقم 25 لسنة 1929 ميلادية بشأن إصدار قانون الأحوال الشخصية .
رأى دار الإفتاء في الأزمة
هل تستحق الزوجة أجرة رضاعة عن أبنائها؟.. سؤال حائر بين منصات التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، عقب تصريحات متلفزة لعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، والتي أكدت خلالها أن المرأة غير ملزمة برضاعة أبنائها وإن فعلت فلها حق الحصول على أجر، الأمر الذي بينه الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، مؤكداً أن الزوجة لا تستحق أجرة على الرضاع وأن المسألة لها ضوابط أخرى.
وكتب "شومان" خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، قائلاً: "الزوجة لا تستحق أجرة على الرضاع، وإنما تستحق المطلقة فقط؛ "..فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍۢ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُۥٓ أُخْرَىٰ" – الطلاق "6" - وأن الزوجة مُلزمة عرفا وشرعا برضاعة أبنائها.
الخبير القانونى والمحامى المتخصص فى الشأن الأسرى محمد فؤاد