أصدرت الدائرة الأولى – بمحكمة القضاء الإدارى – حكما في غاية الأهمية، يتصدى فيه للقرارات التي تصدر بشأن المنع من السفر في قضايا المخدرات، بإلغاء القرار الصادر بإدراج اسم مواطن على قوائم الممنوعين من السفر، بعدما رأت انعدام هذا القرار لصدوره من غير مختص، حيث إن المشرع أجاز إدراج الشخص على قوائم الممنوعين بقرار من القاض أو عضو نيابة عامة فقط، أما منع أي جهة أخرى له من السفر يُعد "غير دستورى".
الحكم صدر تأسيساً على أن خطورة المتهم الإجرامية في جلب المخدرات، أياً كانت درجة خطورته لا تقيم اختصاصاً لغير القضاء في إدراجه بقوائم المنع من السفر لكون هذا الاختصاص مقصوراً عليه بنص دستوري وهو أمر لا تجوز مخالفته، وأن الإدراج بقرار من وزير الداخلية دون صدور أمر بذلك من قاض مختص ولا من النيابة العامة بمناسبة تحقيق تجريه مشوباً بعيب الاختصاص الجسيم لما به من تعدّ على اختصاص السلطة القضائية المقرر فى المادة "62" من الدستور.
ولو أراد الحج.. هل يمنع تاجر المخدرات من السفر؟
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 39392 لسنة 66 ق. ع، برئاسة المستشار أشرف بركات، وعضوية المستشارين سعيد شربينى، ومحمد السعيد، وسامح نصر، وأشرف إبراهيم، وأمانة سر وائل مصطفى.
الوقائع.. القبض على متهم بجلب المخدرات ووضعه على قوائم الممنوعين من السفر
عناصر المنازعة تتحصل في أنه بتاريخ 13 سبتمبر 2018 أقام الطاعن الدعوى رقم 61585 لسنة 72 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة طالبا الحكم بقبولها شكلا، وبوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار المطعون فيه بمنعه من السفر، ومع ما يترتب على ذلك من آثار، وذكر المدعى شرحا لدعواه أنه يعمل في التجارة والأعمال الحرة المشروعة، وقد صدر قرار وزير الداخلية المطعون فيه بإدراج اسمه ضمن الممنوعين من السفر مما منعه من أداء فريضة الحج، ونعى المدعى على القرار المطعون عليه مخالفته أحكام الدستور والقانون، الأمر الذى حدا به لإقامة دعواه بغية الحكم له بطلباته.
وبجلسة 18 يناير 2020 قضت المحكمة المذكورة بحكمها المطعون فيه برفض طلب وقف التنفيذ، تأسيسا على أن البادى من ظاهر الأوراق أن أستمرار إدراج المدعى بقوائم الممنوعين من السفر إنما كان بناء على ما أفادت به الإدارة العامة لمكافحة المخدرات من أن المدعى وشهرته "س. أ" مسجل معلومات تحت رقم 2601 مطروح عن نشاطه في مجال جلب وتهريب المواد المخدرة وسبق ضبطه واتهامه في عدة قضايا، وسبق القبض عليه 6 مرات بالقرار الوزاري رقم 2162/ 2 لسنة 27 أكتوبر 2010 حدا لخطورته البالغة في مجال جلب وتهريب المواد المخدرة.
المتهم يطعن على القرار ومحكمة أول درجة ترفض الطعن
وبتاريخ 18 أبريل 2013 تم ضبط تشكيل عصابى يتزعمه المذكور لجلبهم شحنة من مخدر الحشيش تناهز 22 طنا من دولة "...." عبر المياه الدولية بالبحر المتوسط على متن سفينة تجارية تحمل علم دولة "...."، وتم التحقيق في الواقعة من قبل النيابة العامة، وتم إدراج المذكور على قائمة ترقب الوصول والضبط والتفتيش والعرض على فرع الإدارة بميناء الوصول، وتم تعديل إدراج المذكور إلى قائمة منع السفر والضبط والتفتيش وأن المذكور من العناصر الإجرامية شديدة الخطورة في مجال جلب المخدرات.
المتهم يطعن أمام القضاء الإدارى.. ويستند على أن القرار صدر من جهة غير مختصة
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت أن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد شابه الخطأ في تطبيق القانون لصدور القرار المطعون فيه من جهة غير مختصة وغاصبة لاختصاص السلطة القضائية، حيث طلبت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات من مصلحة الجوازات وضعه على قوائم الممنوعين من السفر، في حين أن النيابة العامة كانت تحقق في المحضر رقم 12521/ 245 جنايات محرم بك عام 2013 وهى الجهة المختصة وحدها بالأمر بمنع الطاعن من السفر، ولا يجوز لأى جهة أخرى منعه من السفر حتى ولو تصدق على ذلك بقرار من وزير الداخلية، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر بالمخالفة لنصوص الدستور وما استقر عليه قضاء هذه المحكمة، والمحكمة الدستورية العليا.
المحكمة ترفع المنع وتؤكد: جهتان فقط يحق لهم المنع القاضي وعضو النيابة
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: ولا ينال من تلك المبررات التى ساقتها جهة الإدارة من معلومات تُفيد خطورة الطاعن الإجرامية فى جلب المخدرات، كما لا ينال مما تقدم، ما تذرع به الدفاع من أن القرار الطعين استند إلى قرار وزير الداخلية رقم "2214" لسنة 1994 بتنظيم قوائم الممنوعين من السفر، الذى أجاز أن يكون الإدراج بناءً على طلب جهات حددها فى مادته الأولى ومن بينها مساعد أول وزير الداخلية لقطاع مباحث أمن الدولة، ومدير مصلحة الأمن العام، لأن ذلك مردود بأن هذا النص منسوخ حتماً بقوة الدستورين السابق والحالى اللذين استوجبا للمنع من السفر صدور أمر قضائى مسبب.
وبحسب "المحكمة": أكدت على هذا الحكم للمحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 243 لسنة 21 قضائية إذ ذكرت أن المنع من التنقل لا يملكه إلا قاض أو عضو نيابة عامة يعهد إليه القانون بذلك منظماً القواعد الشكلية والموضوعية لإصدار الأمر بذلك فى ضوء الضوابط التى وضع الدستور أصولها، وأى نص يخالف هذه الأصول يُعد منسوخاً حتماً بقوة الدستور ذاته باعتباره القانون الأسمى.