سبعة أشهر انقضت على بدء الحرب الروسية الأوكرانية، ورغم اقتصار العمليات العسكرية على الحدود الأوكرانية إلا أن الدول الأوروبية تجرعت مرارة الحرب فى كل يوم مضى، ومع العقوبات المتتالية التى فرضتها دول الاتحاد الأوروبى على روسيا، وجد الأوروبيين انفسهم فى قلب العقوبات وأنهم أول من دفع ثمنها من تضخم وارتفاع تكاليف المعيشة وغياب مصادر الطاقة التى تُنذر بكارثة فى الشتاء القادم.
ورغم إقرار كافة القادة الأوربيون بأن هذا الشتاء سيكون قارص البرودة مع نقص امدادات الطاقة الروسية، إلا أنه من الواضح أنه سيكون فصل ساخن جدا على المستوى السياسى، حيث برزت خلال الأيام الماضية بوادر تمرد شعبى على الحكومات الأوروبية وسياستها، بلغت حد الاتهامات للمسئواين انهم انشغلوا بمصالح أوكرانيا عن مصالح رعاياهم.
مظاهر التمرد اجتاحت الشوارع الأوروبية التى شهدت مظاهرات عديدة بأغلب العواصم على مدار الشهر الماضى، طالبت بتنحى حكوماتها ورفع العقوبات عن روسيا التى لم تُجدى نفعا.
ويرى مراقبون أن روسيا نجحت فى تأجيج الشارع الأوروبى ضد قادته بعد تقليص إمداداتها من الغاز إلى القارة العجوز، واستطاعت تفكيك التضامن بين دول الاتحاد الأوروبي الداعم لأوكرانيا، وتقسيمها بين مؤيد ورافض لإسقاط العقوبات الأوروبية ضدها.
وخرجت أكبر مظاهرة في أوروبا منددة بارتفاع فواتير الكهرباء والغاز في جمهورية التشيك، شارك فيها نحو 70 ألف متظاهر، اتهموا فيها حكومة بلادهم بالتركيز على الشأن الأوكراني بدل الاهتمام بحل مشاكل مواطنيها.
وفي ألمانيا، أكبر اقتصاد أوروبي، اندلعت احتجاجات شارك فيها بضعة آلاف من الأشخاص في مدينة لايبزيج (190 كلم جنوب برلين)، والتي يبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة، ومدينة كاسل، منددين بسياسات الحكومة في مجال الكهرباء والغاز.
وانضمت العاصمة باريس لمظاهرات الغضب، حيث شهدت خلال الأسبوع الجارى مجموعة من الاحتجاجات أهمها مظاهرات لحركة المناضلين "الباتريوت"، التي تنادي بإسقاط الحكومة وتطالب برفع العقوبات عن روسيا لتحسين الوضع الاقتصادي، وتدعو إلى خروج فرنسا من حلف الناتو والاتحاد الأوربي.
كذلك، تنظم حركة "السترات الصفر" احتجاجات في 3 نقاط مختلفة من باريس، بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة.
وذكر موقع “أكتو باريس” الفرنسي، السبت، أنه “بعد توقيف 100 شخص واستجوابهم، خلال مظاهرات السبت الماضي، قررت “السترات الصفراء” النزول مجدداً إلى شوارع العاصمة الفرنسية باريس، احتجاجاً على غلاء المعيشة، والمطالبة بعدالة اجتماعية ضريبية”.
وأوضح الموقع أن “التظاهرة الأولى انطلقت من محطة مترو فغرام، في الدائرة السابعة عشرة في باريس، بالتعاون مع حركة “مواطنين غاضبين”، للدفاع عن المكتسبات الاجتماعية في ظل التوجهات الاقتصادية والسياسية للرئيس إيمانويل ماكرون، ومن أجل المطالبة بعدالة اجتماعية ضريبية وعدالة مناخية”، على حد وصف بعض المتظاهرين.
وفي الوقت نفسه، انطلقت مظاهرة في ميدان كاتالوني، في الدائرة الرابعة عشرة، “استنكاراً للسياسة الخارجية للدولة، تجاه الحرب في أوكرانيا، ورفض وضع الشعب الفرنسي في أتون الحرب”، وفقاً للموقع.
كما انطلقت مظاهرة ثالثة، شارك فيها تجمع “الحرية الحقيقة، و”المواطنون الغاضبون” و”السترات الصفراء”، انطلاقاً من ميدان باليه رويال في الدائرة الأولى، وطالبت بتنحية الرئيس ماكرون.
كما شهدت عاصمة مولدوفا كيشيناو تظاهر قرابة 48 ألف شخص انتهت بالاعلان عن اعتصام مفتوح ونصب للخيام أمام برلمان مولدوفا للمطالبة بحلّ الحكومة والبرلمان".
ونشرت وسائل إعلام محلية مشاهد لمولدوفيين يقفون أمام الدبابات وهم يهتفون "لا نحتاج إلى الناتو"، وتحدثت عن بدء مركبات عسكرية "تابعة لحلف الأطلسي في الوصول إلى مولدوفا، وأنه يتمّ استدعاء الشرطة والقوات لطرد المعترضين والمحتجين".
وطالب المحتجون باستقالة الرئيس مايا ساندو وإجراء انتخابات برلمانية المبكرة، بحسب وكالة ريا نوفوستي.
وقال أحد منظمي الاحتجاجات، والرئيس الفخري لحزب "شور" فاليري كليمينكو، لوكالة ريا نوفوستي، إن "هناك المزيد من المشاركين، ولكنهم منعوا من دخول كيشيناو".
المتظاهرون الذين يحملون أعلام مولدوفا نادوا بشعارات "تسقط الحكومة"، "يتغير السيء بالأسوء"، "لا اضطهاد سياسيا للمعارضة" و"نريد أن نعيش" و"لا تدمروا البلاد".
وبدأت المسيرات المناهضة للحكومة في مولدوفا في مايو، وذلك رفضًا للزيادة غير مسبوقة في أسعار الطاقة والغذاء.
ويتهم المحتجون السلطات بعدم القدرة على التعامل مع الأزمة، وينتقدون قيادة البلاد لعدم رغبتها في التفاوض مع موسكو بشأن أسعار الغاز الأكثر ملاءمة.
وأيا كانت نتائج تلك المظاهرات التى قد تزداد مع دخول فصل الشتاء واشتداد الأزمة، فمن المؤكد أن وحدة الاتحاد الأوروبي قد تُصبح فى خطر داهم إذا لم تتحرك الحكومات لامتصاص الغضب الشعبى.